العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ

الأيديولوجيا الأميركية (3)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتقادات الكاتب (المجهول) للسياسات الأميركية التي تشرف على إدارتها «نخبة» وصفها بالغباء والانفلات والتعجرف لا تخرج كثيراً عن دائرة «الايديولوجيا» المشتركة. فالانتقادات على رغم عنفها اللفظي بقيت تتحرك ضمن لغة واحدة وهي الدفاع عن المصالح الأميركية.

«المجهول» السابق في وكالة المخابرات المركزية لا يتردد في القول «ان حروب واشنطن زائفة وتقود إلى فوضى»، ولكنه ايضاً يرى ان سياسة أميركا عززت استراتيجية اسامة بن لادن في دعوته للجهاد الدفاعي.

وبعد ان يلخص تلك الاستراتيجية الدفاعية في ست نقاط ينتقل إلى التأكيد مجدداً ان واشنطن فشلت في حربها أو هي على الأقل في طريقها إلى الهزيمة.

على ماذا استند الكاتب للخروج بهذا الاستنتاج؟ هناك عناصر كثيرة استخدمها لتأكيد قوله... الا ان معظمها يطاول الجانب العسكري في الاستراتيجية الأميركية. فالمجهول عسكري سابق (ضابط مخابرات رفيع المستوى) ويرى ان الثغرات التي تركتها واشنطن في حربها على الارهاب (أفغانستان والعراق) شكلت نقاط ضعف وسهلت عملية الاختراق المضادة.

المشكلة اذاً عسكرية وليست سياسية. وهي تبدأ من الأفكار وتنتهي بالأفكار. وهذا التحليل القاصر يدفع القارئ إلى خلاصات مضطربة. فهل الكاتب ضد سياسة الولايات المتحدة، أم انه يخالف تكتيكات نخبة ايديولوجية متعجرفة وجاهلة بالعالم وقوانينه التاريخية؟ وهل هو يعتبر ان سياسة أميركا هي سياسة إدارة أم سياسة دولة، وبالتالي فإن المشكلة باتت أبعد من جهل نخبة نجحت في السيطرة على مقاليد السلطة من طريق انتخابات مشكوك في نزاهتها؟

الكاتب لا يجيب عن هذه الأسئلة، ولكن نقده لسلوك «النخبة» ليس عميقاً، بل انه احياناً يذهب نحو المزايدة لكشف تلك الاخطاء الميدانية التي برأيه أدت أو ستؤدي إلى هزيمة أميركا في حربها على «الارهاب». فهو مثلاً ينتقد اسلوب السرعة في تحقيق «الانتصار الحاسم». وهذا التسرع في إعلان الانتصارات الزائفة أدى إلى عدم انتباه القيادة العسكرية وضرورة سد المنافذ والحدود أمام «طالبان» و«القاعدة»، وأفسح المجال لعناصرها بالهروب والتسلل. فالحرب برأيه اذاً ليست المشكلة بل هو الضعف في التخطيط لها. ويكرر «المجهول» الملاحظات نفسها على حرب بوش على العراق. فالحرب سريعة ولم تنته فصولها على رغم اعلان الانتصار. فالعراق تحول إلى «مغناطيس للمجاهدين» وفدوا إليه من كل بقاع العالم الإسلامي أو تسللوا إليه من «دول الجوار». انه كلام وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ولكنه يأتي من ضابط انشق عن المخابرات المركزية.

الاخطاء التي يتحدث عنها هذا «المجهول» هي تلك الأفكار التي يرددها الثنائي رامسفيلد - تشيني وتعيد انتاجها عراقياً الحكومة المعينة في بغداد. الخلاف اذاً ليس كبيراً بل انه يكمل ما بدأت به «النخبة» الحاكمة المنغلقة والمتعجرفة.

الكاتب مثلاً يتحدث عن ان الحرب لم تنجح في تصفية الاعداء أو تدميرهم. فطالبان خسرت 20 في المئة من قواتها والجيش العراقي دمرت 20 في المئة من قواته. وبرأي «المجهول» ان السبب يعود إلى السرعة والتسرع والليونة في استخدام قوة التفوق. وهو يحتج على ترك تلك النسبة العالية (80 في المئة) من دون قتل ودمار. فهو يسخر من انصياع الجنرالات لسادتهم السياسيين «المطالبين بحرب لا تسيل ما يذكر من الدماء». وينتقد سحب معظم القوات الأميركية من أفغانستان ويرى ان القوة الباقية تضمن الأمن في كابول ولكنها لا تستطيع السيطرة على بلد بحجم «ولاية تكساس الأميركية».

الكاتب اشبه بمجرم حرب. فهو ضمناً يرفض خضوع الجنرال لرجل السياسة، ويطالب ألا تكون الحروب سريعة. وألا تكتفي بالتدمير والقتل بل بتحطيم قوة الخصم، وألا تخاف الإدارة من خسائر الأميركيين. فالحرب برأيه خسائر. ولانها كذلك لابد لها من ان تخاض وتنجز مهماتها العسكرية بالكامل. وينصح في هذا المجال باستخدام «الضربات العقابية» في أفغانستان كما نصح سابقاً جنرال بريطاني خدم سابقاً في المنطقة. برأيه الحرب الشاملة والاحتلال وفرض حكومات محلية لا تفي بالغرض. فهذه كلها جربت واثبتت فشلها. «الضربات العقابية» هي السلاح الذي ينهك العدو ويشتت قواته.

الكاتب (المجهول) اذاً كاذب في مشاعره النقدية. فهو يحتج على التقصير لا الحرب. فهذا «المجهول» مهزوم لأنه يشعر ان انتصاره لم يكتمل وان عدوه (المسلم) لم يسحق نهائياً، وان خصمه مازال على قيد الحياة ويملك القدرة على الرد.

خطورة هذا النوع من الكتابات انها تخدع الكثير من المثقفين العرب، بل انها احياناً تثير حماسهم وتدفعهم للترويج لمثل هذا الكلام وتسويقه بصفته ينتقد الإدارة الأميركية بينما هو في حقيقة الأمر يحثها على مواصلة القتل والدمار والقضاء على ما تبقى من بقايا حياة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً