العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ

حوادث النجف: ارتباك وتردد ومخاوف من الفوضى

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

تناولت الصحف العربية حوادث النجف بارتباك وتردد لافتين بديا واضحين من خلال الافتتاحيات والتعليقات التي أبدت تعاطفاً كبيراً مع أهالي الفلوجة حين كانت قوات الاحتلال تدك مدينتهم فقد خرجت التعليقات نادرة وخجولة، يوم أعلنت حكومة إياد علاوي «الهجوم الأخير». قليلة ومترددة، في اليوم التالي الذي لاحظ المراقبون ان تطوراته اتسمت بالغموض والارتباك والتضارب، خصوصا ما يتعلق بالوضع داخل وفي محيط الصحن الحيدري، سواء من جانب الحكومة العراقية التي تراجعت على ما يبدو عن تهديداتها، و«البنتاغون» وأنصار الزعيم الديني السيدمقتدى الصدر وأعوان المرجع السيدعلي السيستاني.

لكن في الأيام التالية ومع المراوحة التي اتسمت بها التطورات من اعلان تعليق المفاوضات بين أنصار الصدر ومكتب السيستاني بشأن تسليم مفاتيح الصحن الحيدري، من جهة، واستمرار المواجهات بين قوات الاحتلال و«جيش المهدي»، من جهة أخرى، نادت جملة افتتاحيات صحف عربية بوقف القتال. علما ان شبه إجماع من المعلقين ظهر على ضرورة خروج الاحتلال، مع إبداء المخاوف من أن تعم «الفوضى» المنطقة فيما دعا البعض الأمم المتحدة لأخذ دورها في العراق.

وإذ كانت قوات الاحتلال الأميركي بدت مصممة على الحسم العسكري لحل الأزمة وظهرت مؤشرات الإصرار على انتهاك حرمة الموقع المقدس والضرب عرض الحائط بمشاعر المسلمين في العراق والعالم وتجاهل معارضتهم لحل الأزمة عسكريا، من خلال الشروط التعجيزية التي فرضتها حكومة علاوي، التي وصفها المراقبون بأنها شروط «مذلة» بحسب وصف «السفير» اللبنانية، أو «شروط الحرب» كما عنونت «الرأي العام» الكويتية، هناك من أكد ان قرار إنهاء ظاهرة «الصدر» متخذ وما نشهده هو مجرد إخراج لوضع القرار موضع التطبيق.

يقول رئيس تحرير «السفير» جوزيف سماحة، فـ «الاستئصال الأمني ليس صعباً غير أن الهمّ الرئيسي هو عدم تحوّل أية هزيمة عسكرية للتيار الصدري إلى انتصار سياسي». ويجب أن يبدو القرار وكأنه قرار اتخذته حكومة عراقية سيدة وتحويل المؤسسات العراقية إلى غلالة يختفي الاحتلال خلفها. وسلط سماحة الضوء على سياسات الحكومة العراقية في جملة قضايا: استعادة قانون الإعدام، وقانون الطوارئ، ومطاردة الإعلام، والاستخدام الكيدي للقضاء، وصولا إلى مذبحة النجف ومهزلة المؤتمر الوطني. مستنتجا بأن ما اضطرت إليه واشنطن في مجلس الأمن «الموافقة على حق الحكومة المنتخبة بأن تقول لها شكرا ووداعا» هو ما تحاول إلغاءه في الواقع. لكنه رأى ان العد العكسي لهذه المحاولة متسارع و... مكلف.

لكن «الوطن» السعودية نقلت في تقرير عن مصادر دبلوماسية أوروبية تلقت معلوماتها من أوساط الأمين العام للأمم المتحدة ومن أطراف عراقية تلعب دور الوسيط بين علاوي والصدر، ان الزعيم الديني يبدي استعدادا للتوصل إلى «صفقة» مع القيادتين العراقية والأميركية لإنهاء معركة النجف والعودة إلى «التفاهم السري» الذي كان قائما بين حركته وبين الأميركيين قبل اندلاع المواجهات لكن هذه «الصفقة» تتضمن إصرارا منه على خروجه من هذه المعركة منتصرا سياسيا وشعبيا ليكون له حضور قوي في المعركة الانتخابية. غير ان «الوطن» أكدت في افتتاحيتها انه في ظل إصرار بعض الميليشيات المسلحة على تمرير المخططات السياسية لقادتها، وعجز الحكومة العراقية عن الوصول إلى حل وطني يحمل في طياته مصلحة العراق وشعبه بسبب الإملاءات الأميركية وظروف الاحتلال القاسية، هناك طرف ثالث هو في الواقع اللاعب الأول والمستفيد الأكبر من كل ما يحدث من دمار وفوضى، هو «إسرائيل».

وكشفت «الرأي العام» الكويتية نقلا عن مصادر مطلعة ان علاوي الذي لاحظت انه يعطي الحل السلمي للأزمة مداه، أبدى أمام مسئولي قوى سياسية التقاهم استياءه الشديد من مواقفهم التي اعتبرها مساعدة للتمرد، مهددا بالاستقالة إذا لم يعملوا جميعا كفريق واحد والاتفاق على قرار حل الميليشيات ودعم السلطة المركزية. ونقلت عن مسئول عراقي رفض ذكر اسمه، ان علاوي كان قاسيا مع من التقاهم، خصوصا من القوى الإسلامية، وقال لهم تقولون في الغرف المغلقة شيئا وفي الخارج شيئا آخر، بعضكم يبدي حماسة في الاجتماعات للحسم ونحن نهدئه وينتقد في الخارج أسلوبنا لمعالجة الأزمة بما في ذلك التلويح بالقوة.

ودحضت «تشرين» السورية في افتتاحيتها الأقاويل البريئة وغير البريئة عن أسباب هذا التدهور الأمني مشددة على ان كل المسلمات تؤكد ان الاحتلال هو السبب الأول والمباشر لهذه الفوضى. وإذ لفتت إلى ما يوجه من اتهامات لدول الجوار أوضحت ان سورية تقف إلى جانب الشعب العراقي. ولا بد من تغليب لغة المصالح فلا مصلحة لسورية في عراق غير مستقر أمنيا... وكررت ان المشكلة في العراق الآن هي الاحتلال وما يحمله من عوامل السيطرة والهيمنة، وهي «إسرائيل» وما تريده للعراق، ويخطئ من يقول غير ذلك، أو يوجه الاتهامات إلى هنا وهناك.

وشددت على ان الأيام تكشف أباطيل المحتلين. وقدمت «السفير» لتقريرها حول التطورات العراقية برسالة الصدر إلى «جيش المهدي» والذي لاحظت انه بدا وكأنه ينعي نفسه في رسالة كأنها وصية أخيرة... واعتبرت ان طائرات الاحتلال أفرغت حقدها في محيط ضريح الإمام علي، إرضاء لغرور «عملائها» في حكومة علاوي التي حاولت فرض شروط جديدة مذلة على الزعيم الديني. ورأت انه كان واضحا ان حكومة علاوي سعت إلى رفع سقف شروطها، والعمل على فرض استسلام مذل على الصدر، في محاولة منها لدفعه إلى رفض «الإنذار الأخير» لتبرير اعتداء دام على الضريح، يستهدف تصفية الصدر جسديا وسياسيا، ويحيل المقام إلى بحر من الدماء.

كما لاحظت صمتاً عربياً وعالمياً، لم تخرقه إلا إيران سارعت سورية إلى تأييدها. لكن «السفير» التي لاحظت في اليوم التالي ان علاوي تراجع عن الاقتحام، اعتبرت ان أهم ما حققه الصدر بالموافقة على تسليم مقام الإمام علي إلى مكتب السيستاني هو إعادة نشر عباءة المرجعية فوق أزمة أصرت دائما على انها لم تكن يوما غائبة عنها. وعلى رغم أن خروج عناصر المقاومة من الصحن الحيدري قد يشكل مخرجا يحفظ ماء الوجه، تقول السفير، لكل من الصدر والحكومة العراقية، وخصوصاً بعد إعلان علاوي تراجع حكومته عن اقتحام الضريح و«مد غصن الزيتون»، فإن ما قد يترتب عليه خلال الأيام المقبلة لا يزال غير واضح المعالم، آخذة في الاعتبار ما صدر عن المسئولين العراقيين من تصريحات وعن قوات الاحتلال من اعتداءات وحشية خلال الفترة الماضية.

أيضا لاحظ عبد الباري عطوان في «القدس العربي» الصمت من تطورات النجف لكنه وصف هذا الصمت في عنوان مقالته بأنه «مؤامرة الصمت والنجف» وخصوصاً من العلماء المسلمين ذاكراً الشيخ يوسف القرضاوي الذي سعى فيما مضى إلى التوسط لدى «حركة طالبان» حين أرادت تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان

العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً