الزيارة السابقة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى «إسرائيل» قبل 6 سنوات هي نفسها التي زار فيها حالياً «إسرائيل» في 5 يوليو/ تموز الماضي لتفقد المفاعلات النووية في منطقة (ديمونا) أو لتخليص الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، هكذا فهمنا وفهم الرأي العام العربي! لكن كما يبدو أن الزيارتين تمخضتا عن نتائج محبطة وغامضة علينا، لكنها واضحة مسبقاً لكل صهيوني صغيراً أو كبيراً وخصوصاً في الشارع الصهيوني أو حتى في الصحف العبرية، بمعنى أنها مجرد زيارات شكلية بروتوكولية كزيارة رئيس دولة إلى أخرى بدليل ان صحيفة «هآرتس» ذهبت إلى أكثر من ذلك واصفة الزيارات بالاتفاق المبرم الذي تتم بموجبه زيارة المدير العام للوكالة «إسرائيل» ويطالبها بالانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، يعني أنها زيارات استرضائية!
بينما أية زيارة يقوم بها المدير العام للوكالة لطهران أو بغداد يحسب لها ألف حساب، وعادة ما تأخذ الطابع الفجائي لا الطابع المنظم المتفق، وطابع الجدية والتدقيق والتفتيش لا طابع الاسترضاء والدعوة... وعادة ما تحمل هذه الزيارات لكلا البلدين طابع الحشد الإعلامي والتهديد. أما زيارة المدير العام للوكالة للصهاينة فيكتنفها الغموض والضبابية وهي بعيدة عن الواقع الإعلامي وعن أية تهديدات ولو مبطنة كتلك التصريحات والتهديدات بغلق المفاعل لكلا البلدين أو تضليل الحقائق كما حدث لبلد الرافدين التي كانت نهاية الزيارات والحشد الإعلامي غزو جيوش الحلفاء بقيادة أميركا وبريطانيا للعراق تحت حجج ومبررات واهية بامتلاكها أسلحة نووية وبيولوجية تهدد بها جيرانها أي «إسرائيل» وكذلك الحروب والدعاية النفسية التي لم يسبق لها مثيل كما جاء في كتاب «لماذا يكرهوننا» للكاتب السعودي ناصر محمد الزامل وتحديداً نقلاً عن الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم حينما يقول ان البنتاغون يعول كثيراً على الحرب النفسية وأساليبها مثل بث الرعب والتخويف والإحباط متمثلاً في انذار المراسلين والصحافيين بمغادرة بغداد الذي عرف بساعة الصفر، مغادرة صدام وولديه بغداد في خلال 48 ساعة، ضبابية الضربة الاستباقية الأولى عن وقتها ومكانها.
واليوم وبعد مرور أكثر من سنة من الغزو والدمار يأتي الاعتراف بعدم وجود أسلحة الدمار الشامل... كان من الأجدر على دول الحلفاء وعلى مدير الوكالة حين قرر السفر إلى «إسرائيل» أن يفصح عن طبيعة المفاعل النووية ومدى خطورتها علناً، وكذلك كان من المفترض على مدير الوكالة أن يعلم جيداً أن زياراته المتكررة هذه لـ «إسرائيل» وليس لإيران أو العراق بدليل إن «تل ابيب» باتت مرتاحة أكثر بعد الزيارة وان جميع الصهاينة ينامون على وسائد أميركية مضمونة 100 في المئة ويعتمدون في أمنهم على 3 مكاسب هي: إن أمنهم وأمن مواطنيهم خلف جدارهم العازل العنصري الذي بنوه على رغم أن الأمم المتحدة ترفض الجدار وتطالبها بإزالته، الدعم اللامحدود الاقتصادي والسياسي الأميركي للكيان الصهيوني قوى عزيمتها وشوكتها وتحدت بذلك قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، تحصن الصهاينة خلف مفاعلاتهم النووية الخطيرة التي لا يمكن لأية جهة دولية رسمية أو شعبية أن تكشف عنها.
واليوم يطالعنا مدير الوكالة ببرنامجه المعلن للعام المقبل بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية في مؤتمر دولي، فكيف سيكون ذلك أمام تعنت الصهاينة وتحصنهم بالمفاعل بحجة حماية الأمن؟ وكيف سيجمع «إسرائيل» مع جميع الدول العربية على طاولة واحدة؟ وهل مدير الوكالة الدولية محمد البرادعي قادر على ان يصل إلى برنامج الدولة الإسرائيلية بزيارات غامضة ذات طابع ضبابي؟!
مهدي خليل
العدد 722 - الجمعة 27 أغسطس 2004م الموافق 11 رجب 1425هـ