العدد 2800 - الخميس 06 مايو 2010م الموافق 21 جمادى الأولى 1431هـ

نهضة أوروبا بين دنيا الدين ودين الدولة (3)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

من الضروري، قبل أن نعرض لآراء ماكيافللي في باب السياسة، أن نمر لتتميم المباحث السابقة، مراً سريعاً بتيار الإصلاح الديني والظرف التاريخي الذي احتضنه، فضلاً عن الأوضاع السياسية السائدة في إيطاليا عهد ذاك.

سبق القول إن الهجوم على البابا والبابوية ومؤسسة الكنيسة كان قد أخذ، منذ أواخر العصور الوسطى، أبعاداً جديدة إن من حيث الاتساع أو من حيث الجرأة. ومن الجدير بالملاحظة أن هذا الهجوم لم يشنه أصحاب الأفكار اللادينية - إن جازت العبارة - فقط، بل شارك فيه أيضاً العديد من أهل الرأي المتدينين المعروفين بخلوص نواياهم ورسوخ إيمانهم، الذين حملوا على البابوية ومؤسسات الكنيسة باسم ما اعتبروه انحرافاً عن تعاليم السيد المسيح (ع)؛ وراحوا في سياق مطالبتهم بتطهير هيكل المسيحية وهيكل الكنيسة يسوقون من الانتقادات ما يؤيد حجج «اللادينيين».

وتعاظمت حدة النقد الديني داخل الكنيسة إلى أن أفضت في القرن السادس عشر إلى تبلوره في تيار عرف باسم حركة الإصلاح الديني، رافقته، على «يساره» جملة من الحركات «الثورية» و»المتشددة» لا مجال في هذا المقام للتوقف عندها. وبموازاة هذا التيار الذي لا ريب في صدوره عن هم ديني صادق، كان غير المتدينين يطورون حججاً من طبيعة أخرى. ففي عرف هؤلاء ليس الدين وتعاليمه بأقل من حجر عثرة يعرقل تقدم الإنسانية وسعيها إلى السعادة والأفضل.

ورغم أن هجمات كل من الفريقين لم تسقط البابوية، ورغم أن هجمات غير المتدينين لم تسقط الدين، فلابد من الاعتراف أن قدسية الدين - فضلاً عن مؤسسات الكنيسة وهيبتها - لم تعد على ما كانت عليه بل أخذت أكثر فأكثر وجه مؤسسة بشرية تنافس المؤسسات البشرية الأخرى.

وعلى الرغم مما كان بين التيارين النقديين، الديني واللاديني، من الاختلاف في الدوافع والأغراض والمقاصد، فلابد من التسليم بأنهما اشتركا في الاعتراض على وضع قائم واحد، وأن كلا النقدين كان ينطوي في مكان ما على نزعة «إحيائية». فاللادينيون كانوا يدعون، في ما يدعون إليه، إلى إحياء المعايير التي قامت الحضارة القديمة (اليونانية) عليها، والتي وقفت العصور الوسطى سداً بين أوروبا وبينها، في حين كان الدينيون ينادون بالعودة إلى المسيحية الأولى وبتصفيتها من العقائد والبدع الطارئة عليها التي شوهت وجهها الأصلي وعطلت فاعليتها في المجتمع.

وعلى أنه تحصيل حاصل، أو يكاد أن يكون، فلا بأس من التذكير بأن صفوة المجتمع الفكرية والسياسية، أو قل أهل العلم والرأي والسياسة هم من كانوا رواد كل من هذين التيارين النقديين ومنشطيهما. وإذ كان هؤلاء الرواد والمنشطون فلقد عم أثر كل من التيارين جمهور الناس، ولولا ذلك - بالطبع - لما كتب لما شهدته أوروبا من تحول أن يتحقق أصلاً. وكما هو معروف فلقد انتهى هذا التحول بغلبة التيار الدنيوي الذي يرفض أن تكون للدين يد في رسم مصير المجتمع، ولا يقبل به في أفضل الأحوال إلا كوجه من وجوه الحياة الاجتماعية، ولقد لاحت لوائح هذه الغلبة مع توظيف التيار الدنيوي الجو الذي أشاعته حركة الإصلاح الديني لصالح أهدافه.

فلقد شهدت تلك المرحلة اصطفاف جميع القوى المناوئة للبابوية، بما فيها أهل الرأي والقوى الاجتماعية الصاعدة ودعاة الإصلاح، إلى جانب السلطة السياسية، ودافعوا عن صلاحياتها، داعين إلى توسيع هذه الصلاحيات. لا بل إن التيارات الدينية المعارضة للبابوية، المتحالفة بمواجهتها مع السلطة السياسة القائمة، ساهمت في تطويق القوى الدينية الأكثر ثورية التي لم تكتف بإدانة انحرافات البابوية والكنيسة، بل ذهبت إلى حد المطالبة برفع الظلامات الاجتماعية التي ينوء تحتها الشعب المحروم، فوجهت نقدها إلى السلطة السياسية أيضا، وترجمت هذا النقد بانتفاضات عنيفة. وعليه فلا ما يدهش أن وقف الكاثوليك والبروتستانت في صف واحد إلى جانب الملكية لمواجهة أولئك المتشددين، ولا ما يدهش أيضا في ما سجله التاريخ من خصومات بين الانكليكان واللوثريين والكاثوليك الفرنسيين المؤيدين لتحرر الكنيسة الفرنسية، وبين الكلفانيين واليسوعيين، باسم حقوق الملوك ودفاعا عن تمتعهم بها.

لقد أدرك لوثر أن الإصلاح الديني منوط بدعم الأمراء والحكام فأقبل عليهم، وكذا ما كان في انجلترا من حركة إصلاح ديني في عهد هنري الثامن، كان نتيجتها استقلال ناجز عن كنيسة روما، وتكريس شرعية دينية «وطنية».

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2800 - الخميس 06 مايو 2010م الموافق 21 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:30 م

      دولة دينية = دولة فاشلة

      الدولة الدينية ليس لديها اليات التطور النقطة الثانية ماذا عن الايرانين المسيحين و اليهود و الديانات الاخرى شنو دور هم في المجتمع هل هم اناس درجة ثانية لا نه هم غير مسلمين
      الحل الدول اليبرالية ثالثا الدولة كيان معنوي ليس له دين لايوجد في القران دوله سوف تذهب الى الجنة او النار الناس فقط هم الذين سيحسبون يوم القيامة

    • زائر 3 | 6:39 ص

      تنظير فقط

      عندما فاز بالرئاسة مرتين لم يقل أن هناك تزوير في الانتحابات و عندما هزمو عفسوا الدنيا و مافيها لقلب الحقائق و نشر الأباطيل و التعاون مع الأعداء و لكنه هو و أشكاله قد فضحوا و ظهرت نياتهم و الله سحفظ الجمهورية من أمثال هؤلاء الذين أنهم فقط يمتكون الحقيقة و العقلانية و....
      تحياتي / أبو سيد حسين

    • زائر 2 | 3:55 ص

      علي أبو محسن

      بهكذا رجال تستطيع إيران أن تفتخر الله يحفظك

    • زائر 1 | 10:04 م

      يعجبني تفكير خاتمي لسبب.

      انه معتدل وليس متعصب.

اقرأ ايضاً