العدد 2800 - الخميس 06 مايو 2010م الموافق 21 جمادى الأولى 1431هـ

الحكم الديمقراطي الصالح..المكون الرئيسي للإصلاح السياسي والاقتصادي (2)

جون سوليفان comments [at] alwasatnews.com

على رغم ما تم إحرازه من تقدم في استيعاب مواطن التعقيد في بناء مجتمعات ديمقراطية موجهة نحو اقتصاد السوق، تنطلق في مجتمع التنمية الدولية ثلاث خرافات كبيرة يمكن إيجازها لتصوير طول المشوار الذي لايزال علينا أن نقطعه.

الخرافة الأولى: هي الاعتقاد أن مجرد قيام الشركات الخاصة بدور كبير في اقتصاد دولة ما، يعني أنه أصبح اقتصاد سوق حر. والتاريخ حافل بالأمثلة التي تثبت غير ذلك، إذ تقدم كل من الفلبين إبان حكم فرديناند ماركوس وإندونيسيا إبان حكم سوهارتو مثالين كلاسيكيين من الاقتصادات الرأسمالية التي كانت تتخذ من المنشآت الخاصة ركيزة لها. ولكن هذين النظامين لم يقوما بالتأكيد على نظام اقتصاد السوق الحر. ويطلق علماء الاقتصاد على هذا النوع من سلوك السوق اسم «محاولة التربح الاقتصادي أو السعي لتحقيق ريع اقتصادي»، بينما يستخدم الآخرون مصطلحات أخرى منها الفساد والمحسوبية.

وببساطة شديدة، كلما تفشت درجة الفساد في الأنظمة المجتمعية، كلما ابتعدت الوظائف الاقتصادية عن مبادئ اقتصاد السوق الحر وزادت المخاطر التي تهدد الديمقراطية.

ولابد من التأكيد على إمكان وجود أنواع كثيرة مختلفة من اقتصادات السوق، وعلى وجود فروق حقيقية بين الهياكل المؤسسية في مختلف الدول. إلا أن جميع اقتصادات السوق تشترك في سمة مشتركة وهي: وجود نظام تنافسي يطبق نفس القواعد على جميع المشاركين فيه. وتشمل الجوانب المؤسسية الرئيسية حقوق ملكية ثابتة، وأنظمة ضد الاحتكار (أو سياسات لحماية التنافس) وتنفيذ العقود باحترام نص القانون، وأنظمة قوية لحوكمة الشركات، والشفافية أو الانسياب الحر للمعلومات. هذه الجوانب المؤسسية مجتمعة تنشئ إطارا لنظام السوق التنافسية تكون حرية الدخول إليها والخروج منها مكفولة. وعلاوة على ذلك، لا يمكن لمثل هذا النظام أن يستمر طويلا إلا بالتطبيق الوظيفي التام لنظام ديمقراطي صالح.

الخرافة الثانية: تنبع من الاعتقاد الشائع الخاطئ أن مجتمع الأعمال أو أن القطاع الخاص بصفة عامة هو نظام أحادي بصفة عامة وأنه إما أن يكون مؤيدا وإما أن يكون معارضا سياسات أو قيادات بعينها. وليس هذا صحيحا. فالواقع أن معظم الدول تحتوي على مجتمعات أعمال متعددة، لكل منها مصالح وأهداف خاصة بها. وإذا أخذنا اقتصاد دولة بعينها سنجد أن فيها القطاع المملوك للدولة، والقطاع الخاص، والقطاع غير الرسمي.

وحتى داخل القطاع الخاص نفسه قد نجد شركات وأصحاب مبادرات يعملون معظم الوقت في التجارة الدولية بينما تتجه منشآت ومشروعات أخرى للإنتاج لتلبية السوق المحلية فقط. ومن الواضح تماما أنه من المستحيل أن تتفق هاتان المجموعتان على نفس السياسات، أو على تأييد إصلاحات الاقتصاد الموجه للسوق.

أما المنشآت التي تنشأ تحت الحماية الحكومية من الحواجز التجارية وتكون شديدة الصلة بالحكومة والاستفادة منها فإنها تميل إلى مساندة الوضع الراهن، وغالبا ما تكون منشآت غير ديمقراطية. وعلى الجانب الآخر هناك منشآت محرومة تماما من دعم الحكومة وتضم مشروعات المبادرين الصغيرة ومنشآت تعمل في التجارة الدولية، وهذه المنشآت في الغالب هي التي تقود السعي إلى التغيير. ونظرا لما يوجد في مجتمع الأعمال من تنوع فإنه من الأجدر أن يتم التعاون من خلال برامج مشتركة مع جمعيات الأعمال ومراكز البحوث والمؤسسات ومنظمات الأعمال الأخرى المهتمة بتطبيق سياسات الاقتصاد الحر والنظام السياسي الديمقراطي.

والخرافة الثالثة هي أكثر الخرافات الثلاث خطورة، وهي التي يطلق عليها في الغالب اسم «رأي المتعصبين لاقتصاد السوق» أو الاعتقاد أن الأسواق ستظهر من تلقاء نفسها إذا توقفت الحكومة عن التدخل في الاقتصاد. وهو كلام أبعد ما يكون عن الحقيقة؛ لأن الحكومة لابد أن تتعهد وتضمن وجود قواعد وقوانين متسقة وعادلة لكي ينشأ اقتصاد السوق القوي. وعلاوة على ذلك، يجب على المؤسسات الحكومية والمنظمات ذاتية التنظيم أن تقوم بدورها في ضمان وضع هذه القواعد موضع التنفيذ. وتعتبر الرقابة العادلة التي تتمتع بالصدقية على البنوك واحدة من أوضح وظائف الحكومة في هذا المجال.

تنتشر الفوضى في غياب القواعد الملزمة والهياكل التي تحكم جميع الأطراف الفاعلة، وعندئذ تتحول الأعمال التجارية إلى ما يسمى «رأسمالية الكازينو» إذ تصبح الاستثمارات مجرد مراهنات، مراهنات على أن يفي الناس بوعودهم وأن تلتزم الشركات بالصدق، ومراهنات على أن يحصل العمال على رواتبهم وأجورهم، ومراهنات على سداد الديون.

ومن المؤكد، على ضوء الخبرات الحديثة، أنه من الممكن التخلص من جميع هذه الخرافات، وأنه من الضروري وضع نهاية للجدل العقيم بين أنصار الليبرالية الجديدة وبين من يهاجمونها ويعتبرونها أساسا لتضليل السوق. وحقيقة الأمر أن المناقشة يجب أن تركز على ثلاث ملاحظات عامة عن كيفية تفاعل الديمقراطية واقتصاد السوق.

إقرأ أيضا لـ "جون سوليفان "

العدد 2800 - الخميس 06 مايو 2010م الموافق 21 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً