العدد 2801 - الجمعة 07 مايو 2010م الموافق 22 جمادى الأولى 1431هـ

ثنائية آل الحكيم/ المجلس الأعلى... قراءة في العُمق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أتحدث اليوم (والأيام المقبلة) عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة آل الحكيم. ربما الحديث لن يكون في رصد المسيرة المقروءة التي قد يُشاهِدها أيّ أحد في أدبيات المجلس، أو في كتب الأنصار والخصوم، وإنما المُضمَرة منها والتي تحاكي واقعه اليوم، على السّاحة العراقية وعموم المنطقتين العربية والإسلامية، واللتان باتتا تتحّكمان في أوضاع الداخل العراقي.

فالحقيقة البحثيّة تقول: بأن التفاصيل هي التي تصوغ العنوان. والمشكلات (الحادّة والناعمة) هي التي تُحدّد السياسات. والمعارك (الدبلوماسية أو العسكرية) هي التي تؤسّس لمراحل الصراع، وتُرقّمه وتؤرّخ له كما يجب. لذا فإن واقع الحال يقتضي الرّصد من خلال تلك العناوين والمفردات لا من حيث الايديولوجيا المتحالفة أو المتناكفة مع الموضوع.

التقيت بالراحل السيد عبدالعزيز محسن الطباطبائي الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي مرتين. اللقاء الأول كان في الثامن من فبراير/ شباط 2007 خلال زيارته للبحرين والتي كانت ضمن جولة عربية وخليجية. والثاني كان في بداية شهر مارس/ آذار من العام الماضي. وقد كان اللقاءان مختَلِفَين في الشكل والمضمون.

في اللقاء الأول بدا الرجل وقد أنهكه الوضع السياسي العراقي الداخلي، الذي كان حينها يئِنّ تحت وطأة حرب طائفية قاسية تفتّقت بعد تفجيرات سامراء في فبراير/ شباط من العام 2006. وفي اللقاء الثاني كان الحكيم منهَكاً بسبب تمكّن سرطان الرِّئة من جسده، والذي كان قد منحه فرصة للعَيش لا تتجاوز خمسة أشهر من تاريخ لقائنا به وحتى وفاته في 26 أغسطس/ آب من العام 2009.

وللمفارقة، فإن عبدالعزيز الحكيم ارتحل إلى جوار ربّه، في ذات الربع الأخير من الشهر الذي قُتِلَ فيه شقيقه الأكبر (29 أغسطس) السيد محمد باقر الحكيم، الذي تمزّق جسده (ما خلا كفّه الأيمن وأجزاء من صدره) وثلاثة وثمانون من مرافقيه وحُرّاسه الشخصيين في تفجير إرهابي ضخم، بُعيد خروجه من صلاة الجمعة بمرقد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف.

عندما تذكر الحكيم تذكر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (سابقاً) أو الإسلامي العراقي (حالياً). وأيضاً، عندما تذكر الحكيم أو المجلس بثنائية متلازمة، فإن كلاهما يدلاّنك على طريقين باتا يُحدّدان الوضع السياسي للعراق. الأول هو انتسابهم للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف عبر المرجع محمد سعيد الطباطبائي الحكيم. والثاني هو قربهم من دوائر صنع القرار في إيران لحد قد لا يتصوّره أحد إلاّ لمن يعرفه وعن قرب.

في الشِّق الأول، فإن المرجع الحكيم الموجود في النجف حالياً ضمن أربعة مراجع دينية عليا هو سبط عميد العائلة الإمام محسن الطباطبائي الحكيم (1889 - 1970)، الذي يعتبر خال والده أيضاً. ولأن القيِّمين على زعامة المجلس الأعلى اليوم (وبالأمس) هم أنجال الحكيم الأكبر وأحفاده، فإن نسبهم بمرجع اليوم هو لَحْمِيٌ وعضوي.

ولم يُسمَع عن هذا النّسب أو عن هذه العلاقة أنها تضرّرت بعد الاحتلال، بل توثقت أكثر، رغم أن السيد محمد باقر الحكيم كان قد طُرِحَ كمرجع مستقبلي عتيد في النجف الأشرف قبيل اغتياله بأشهر فقط، وأيضاً رغم مواقف المرجع محمد سعيد الحكيم من أطروحات المرجع الديني اللبناني السيد محمد حسين فضل الله الذي هو ابن خالة محمد باقر الحكيم.

لقد كان لتلازميّة اسمَيْ الحكيم (المرجع) والحكيم (السياسي) دوره في تعزيز مكانة المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في الداخل العراقي، وتحويله إلى كاريزما سياسية، وأيضاً لتحويل ثنائية الحكيم/ المجلس إلى بيت سياسي يرعى تنظيماً سياسياً يُمثل الشيعة (أو جزءًا كبيراً منهم) في العراق، رغم الأداء المرجعي التقليدي الذي كان ومازال يُمارسه السيد محمد سعيد الحكيم، الذي ينظر إلى السياسة بحذر شديد.

وفي الشِّق الثاني، فإن علاقة المجلس الأعلى بإيران، ربما تُحدّد العديد من السياسات الإيرانية ليس في العراق وحده بل في المنطقة بأسرها وخارجها أيضاً. فقد لَعِبَ المجلس (وبالتحديد شخص زعيمه الراحل محمد باقر الحكيم، وتالياً أخيه عبدالعزيز الحكيم) دوراً مهماً في إيصال نقطة النظام بين طهران وواشنطن إلى مراحل متقدمة (رغم العلاقة المأزومة) خلال مؤتمرات المعارضة العراقية قبل السقوط، وكذلك الحال بالنسبة للعلاقات الإيرانية الكويتية.

لم تكن علاقة الحكيم بطهران علاقة عادية، حيث أنها كانت مع الرجل الأول في الدولة الإيرانية وهو المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي، وقبلها كانت مع الإمام الخميني وحلقته الضيّقة. وكان الحكيم يحضر كافة المراسم والاحتفالات والجلسات الخاصة التي يعقدها الإمام الخميني، ضمن الصّف الأول من الحضور.

وكان التعقيد الذي رافق تشكيل حزب الدعوة الإسلامية، وتالياً المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق) دوره في تشابك المصالح والعلاقات بين الحكيم وطهران. فاختلاط العِرق الفارسي مع العربي في التشكيلَيْن المذكورين كان له دوره البارز، في تصدّر عدد من قياداتهما لأدقّ مفاصل الحكم في إيران، في المرحلة التي تلت انتصار الثورة.

فقد عُيِّن محمود هاشمي شاهرودي الناطق الرسمي السابق باسم المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق) والعضو المؤسس في حزب الدعوة الإسلامية (بمفهومه الديني الأممي) رئيساً للسلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية.

وعُيّن الشيخ محمد علي التسخيري أحد قيادات الدعوة التاريخيين والمجلس الأعلى، رئيساً لمنظّمة الثقافة والعلاقات الإسلامية في إيران ثم أميناً عاماً لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، وعضواً في مجلس الخبراء أعلى هيئة رقابية في إيران.

كما عُيّن الشيخ محمد سعيد النعماني وهو من الكُرد الفيليين العراقيين ومن قيادات المجلس الأعلى (والدعوة أيضاً) مساعداً لوزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، في عهد الرئيس محمد خاتمي. وهو اليوم يلعب دوراً مهماً في التوليفة الشيعية العراقية الحاكمة.

والأكثر من ذلك، فقد كان لبروز مرجعية السيد كاظم الحسيني الحائري أحد أبرز تلاميذ المرجع السيد محمد باقر الصدر أثره البارز في تدعيم موقع محمد باقر الحكيم، وعُموم الجالية العراقية في إيران، لما كان يحظى به من احترام واستجابة من قِبَل الدولة الإيرانية.

كل هذه الأمور يجب ملاحظتها جيداً. ورغم أنها تفصيلات متناثرة، إلاّ أنها الأقدر على تكوين الصورة الخاصة بالمجلس الأعلى اليوم في العراق، وفهم دوره السياسي. (وللحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2801 - الجمعة 07 مايو 2010م الموافق 22 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:45 ص

      تاريخهم للعراقيين

      وارجوا ان لايغيب عن ذهن الكاتب والقراء الاعزاء وكمدونه وثائقيه في تاريخهم المعاصر بانهم أصحاب مشروع التصفيات الجسديه لكثير من العراقيين الاحرار والقاده العسكريين والطيارين وهم ايضا اصحاب أشعال فتيل القتل الطائفي أبان سقوط بغداد وتنفيذ أجندة مايسمى(الحرس الثوري)الايراني بقيادة (قاسم سليماني).وكانت تلك الايام معروفه للعراقيين بفترة (مجيئ قوائم التصفيات من ايران) ناهيك عن دور ابيهم(المرحوم)عبد المحسن الحكيم ايام المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم,ووقوفه الى جانب البريطانيين ضد الحكومه الوطنيه .

    • زائر 3 | 4:08 ص

      تضحياتهم

      والجميع يعلم ان تضحياتهم ايام صدام كانت كبيرة حيث قتل منهم البعض العشرات ومن بينهم فقهاء كالسيد عبد الصاحب الحكيم رحمه الله والسيد مهدي الحكيم حيث تعرض لعملية اغتيال في السودان

    • زائر 2 | 4:06 ص

      عائلة الحكيم

      عائلة الحكيم من العوائل المشهود لها بالعلم والفضل في العراق والعالم الاسلامي ويكفيهم فخرا ان السيد محمد الحكيم زعيم الطائفة هو ابوهم

    • زائر 1 | 2:48 ص

      المقال نوعي

      مقالك اليوم غني بالمعلومات والربط بين الافكار وهو تعودنا عليه في مقالاتكم

اقرأ ايضاً