العدد 757 - الجمعة 01 أكتوبر 2004م الموافق 16 شعبان 1425هـ

الحناجر العلب... البرتقالة وأخواتها

معظم (ردحنا) أغنياتنا: نصوص من المآسي والكذب والزيف والعقاقير المخدرة ولكن هذه المرة في (الحناجر) بدلاً من العلب... لكأن الحناجر علب... لكأنها مصيدة أو شراك تستدرجنا للوقوع في فخها... واللعنة كل اللعنة على الأجهزة الحديثة التي حولت (أنكر الأصوات) إلى أعذبها... والدليل أن تلك الأصوات تبدأ بالتعري أمام الفضاء المفتوح والمكشوف على الناس... لتكتشف أن الأصوات تلك أقرب إلى هرج في سوق للخضار أو صيحات سماسرة السيارات المستعملة.

في الفضاء المفتوح يبدأ ماكياج تلك الأصوات بالذوبان شيئاً فشيئاً لتكتشف أنْ لا سلّم ولا (عتَبَة) لها... هي هناك في المكان اللائق بها... في الحفر المظلمة في الـ (تحت) فيما هي توهمنا أنها تصعد بنا (سلّماً) نرتفع به قليلاً عن الأرض، فلا نحن صعدنا... ولا تكرم علينا أولئك الدجالون بخرائط تخرجنا من ورطة الحفر والأنفاق التي يزرعونها كلما حطّوا في سهل أو جبل.

أجزم لو أن أجهزة الاستخبارات العربية ضمّت أصوات بعض المطربين كأسلوب من أساليب التعذيب وأخذ الاعترافات لنجحت بنسبة 90 في المئة، فمن يتحمل هذا الجلد السادي؟... وهو أسوأ من أسلوب وطريقة الصينيين في إعدام النبلاء قديماً... إذ يعلق النبيل ويتم تعذيبه بريشة أسفل قدميه ليموت ضحكاً... فعلى أقل تقدير سيموت وقد أفرغ كل طاقته من الضحك الذي لا بديل له وخير للإنسان أن يموت من الضحك من أن يموت رعباً. تماماً كما يحدث لنا في البيت والسيارة، حتى وأنت منشغل تبحث عن حاجتك في السوق لن تفاجأ بتلك الأصوات وهي تطلع لك من مطعم تفوح منه ريحة (القيمة) أو من محل (ترزي)!

ارحمونا من مقولة وتنظير الموجات والجيل الشبابي والجمهور (الغبي) اللي عاوز كده... فقط في التفاهات هو (عاوز)... يحضر خياره وإرادته وذوقه بل وصوته، وفيما عدا ذلك كأنْ لا حبال صوتية له... كأن (الجمهور) ذاته أبكم وأعمى وأصم! هي ليست موجات بل طوفان سيجرف معه الحرث والنسل... ليس مطلب جيل شبابي بل مطلب جيل متعطّل وصلت به (التنبلة) حد الإدمان!

لا تتحدث عن الكلام الذي يتم حشو تلك الحناجر به... ومن المخجل أن نطلق عليه كلاماً... فالكلام يحتوي على (جملة مفيدة) فيما أنت تبتلع مئات الكبسولات (الغنائية) في الشهر من دون أية فائدة تذكر، فلا أنت تعرّفت على لغتك كما يجب ولا أنت خفضت من كم (الحمورية) الذي تحقنك به تلك (الأغنيات)، ليس أولها «البرتقالة» - لم ينس أن يبشر جمهوره بأن «التفاحة» في الطريق في لقاء مع مجلة «الرجل اليوم» - ولن يكون آخرها «إدّيني»! وبلغة لا تخلو من الشحاذة الرخيصة!

ولا أمل في تحديد نسل (الفضائيات) من حولنا... وكلما تناسلت، كلما ابتلينا بطاعون تلك الأصوات والأجساد التي تتلوى في مشاهد وهيئات أدنى من الرخص... كأنها تجارة التعليب... أصوات قبيحة تمررها القناة والمنتج بأجساد ووجوه هي أصل المسألة... وثق تماماً أن لا أحد كان حريصاً على حفظ «البرتقالة» وأخواتها من نعم الله لولا العرض و«الشو» الرخيص الذي هو بمثابة المصائد أو الشِراك التي تستدرج (خفيفي العقول) للوقوع في فخها

العدد 757 - الجمعة 01 أكتوبر 2004م الموافق 16 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً