العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ

سخرية مور

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في فيلمه عن 11 سبتمبر/ ايلول 2001 ركز المخرج مايكل مور على دور المملكة العربية السعودية في الحياة السياسية الأميركية. أراد مور - وهو من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي - من فيلمه الوثائقي الذي أثار ضجة عالمية وفاز بجوائز كبيرة كشف خلفيات ضربة 11 سبتمبر والأضرار التي جلبتها إدارة جورج بوش للمصالح الأميركية وسمعتها الدولية. فمور كما يقول حاول كشف الحقيقة وفضح أسرار تلك الإدارة وخفايا علاقاتها.

نجح مور في محاولته إلا أنه لم يصب كبد الحقيقة. فهو بحكم علاقاته مع الحزب الديمقراطي ومعرفته بطبيعة السلطة ومزاج الجمهور الاميركي أخفى الكثير من الصور والحقائق وتحديداً تلك المتعلقة بالكيان الصهيوني. فمور كما يبدو تحفظ في كشف تلك المسألة وأخفى عمداً الإشارة إلى «إسرائيل» والعلاقات المميزة التي تربط بوش بارييل شارون وإعجاب الرئيس الأميركي الخاص برئيس الحكومة الإسرائيلية ونظريته عن «الدفاع المتحرك» و«الضربات الاستباقية».

إخفاء هذه المسألة وتجاهل مور لها في فيلمه الوثائقي أضعف قيمته الفنية وجعله مجرد وسيلة للتشهير بالرئيس الأميركي حين اعتبر أن مشكلة الإدارة تكمن في علاقاتها المميزة مع السعودية مغيباً في الآن انحياز واشنطن الكامل للسياسة الإسرائيلية التي تتحمل مسئولية كبيرة في انهيار مكانة الولايات المتحدة في المنطقة العربية وقلة احترام الشعوب العربية للسياسة الأميركية وعدم تصديق الناس لكل الوعود التي أطلقها بوش بشأن التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

والسؤال لماذا تجاهل مور علاقات بوش المميزة مع شارون وركز على موقع العائلة السعودية ودورها الخاص وصولاً إلى اتهامها بأنها تسعى إلى السيطرة على الولايات المتحدة من خلال شراء الأراضي والعقارات والاستثمار الكثيف الذي وصل إلى حد قوله إلى نسبة 8 في المئة من الاقتصاد الأميركي؟

هذا السؤال الطويل يحتاج إلى شرح سياسي له صلة أولى بمدى تأثير اللوبي الإسرائيلي (واليهودي الأميركي) على الناخب الأميركي والمزاج الشعبي. وله صلة ثانية بمدى ضعف اللوبي العربي (والمسلم الأميركي) على توازن القوى بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

مور باختصار اختار الضعيف (العربي) ليضرب عليه ويزيد من ضعفه توخياً لكسب المزيد من التعاطف من الجمهور الأميركي لمصلحة المرشح الديمقراطي. ومور أيضاً ليزيد من طين الدول العربية بلة تجاهل القوي (شارون) ليمنع عن بوش المزيد من التأييد من اللوبي اليهودي.

شكّلت هذه المسألة نقطة ضعف جوهرية في فيلم مور الوثائقي ونزعت عنه الصدقية المطلوبة حين يحاول المخرج إظهار الحقيقة وكشفها أمام الجمهور من دون خوف ومواربة. وبهذا المعنى سقطت عن الفيلم صفته التاريخية والتوثيقية وحوّلته إلى شريط تنقصه الكثير من الشجاعة والوضوح في وقت أفصح أمام الناس نيته في فضح المستور.

الفيلم سقط فنياَ لأنه سقط في الامتحان السياسي، حين لم يجد مخرجه الشجاعة الكافية لقول الحقيقة كاملة وذلك لحسابات انتخابية مؤقتة لها صلة بالمعركة الرئاسية بين بوش ومنافسه جون كيري.

على ماذا تدل قلة شجاعة مور في مسألة ليست سراً على كل صاحب ضمير يؤمن برسالة يريد إيصالها إلى الجمهور الأميركي المغيّب عن المشهد الحقيقي لضربة 11 سبتمبر؟

قلة الشجاعة تكشف عن ضعف بنيوي عام أصاب الرأي العام الأميركي (والأوروبي) من ناحية الخوف من قول الحقيقة حين تصل إلى موضوع خطير وحساس له صلة بـ «إسرائيل» وشارون ودور اللوبي اليهودي في تأليب البيت الأبيض على العرب والمسلمين وتشجيع إدارة واشنطن على اتخاذ إجراءات عنصرية ضد الجاليات العربية والمسلمة لإبقاء الساحة خالية لجماعات الضغط (ايباك مثلا) لرسم سياسة عدوانية في ما يسمى بـ «الشرق الأوسط».

مور في هذه المسألة الدقيقة لم يخرج عن السياق العام فهو قال الحقيقة ولكنه فشل في كشف كل جوانبها وبالغ كثيراً في جوانب أخرى لإثارة الرأي الأميركي ضد العرب والمسلمين بذريعة أنهم كانوا وراء 11 سبتمبر. وهذا يؤكد ضعف مور وعدم قدرته على مواجهة الحقيقة مثله مثل بوش.

إنه أمر محزن/ مضحك. محزن لأن الأمر يؤكد أن مأساة العرب والمسلمين مستمرة في اميركا بغض النظر عن الطرف الذي يحكم إدارة واشنطن، ومضحك لأن مور أراد السخرية من بوش فأثار السخط على العرب والمسلمين في سياق معركة تتطلب لعبتها الكذب على الناخب الاميركي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 781 - الإثنين 25 أكتوبر 2004م الموافق 11 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً