العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ

حين يصبح التاريخ قَيِّماً على خصومة الصّدريين وآل الحكيم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت حديثي قبل يومين عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ومُحَدَّدَيه. المرجعية النجفية وعلاقاته بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. اليوم أتحدث عن أبعاد أخرى تصوغ مسارات عمل المجلس من الجنبة السياسية. بعض تلك المسارات تُنتجها وتقوّمها المنافسة الحزبية، والصراع الناعم والحاد مع تيارات أخرى. لكنها في النهاية تعطي حِراكاً سياسياً هاماً في الداخل العراقي، وارتباطاته الخارجية.

مناسبة الحديث في ذلك هو التطرّق إلى أوضاع المجلس الأعلى الذي قدّمته الانتخابات التشريعية الأخيرة على أنه إحدَى الشُّعَب السياسية (المهمّة) على الخريطة الحزبية العراقية بعد حصوله على عشرين مقعداً نيابياً، وتحوّله إلى بيضة قبّان في التحالفات التي أعقبت الانتخابات.

رغم أن القانون الانتخابي العراقي لم يُنصفه (ولا غيره أيضاً) في احتساب عدد الأصوات، التي نالها المجلس، بسبب مشكلة القاسم الانتخابي. فالتيار الصّدري غَلَبَه بعشرين مقعداً لكن كتلته الناخِبة أقلّ منه بسبعين ألف صوت. وهو حال الكثير من الكُتل كائتلاف وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني، الذي لم يحصل إلاّ على أربعة مقاعد في حين قيمة مقعده النيابي فاقت الثمانية والسبعين ألف صوت!.

اليوم يُمارس المجلس الأعلى سياساته في الداخل العراقي من فوهة التاريخ المأزوم تارة، ومن زقاق العقيدة تارة أخرى. وبدراسة الكثير من مواقف المجلس تظهر لنا (أيضاً) براغماتيّته وميكيافيليته التي فرضتها عليه ظروف الداخل العراقي، الذي أظهرت العراقيين (أو جُلُّهُم) على أنهم الأقرب إلى الليبرالية الشخصية في المسلك الحياتي المباشر (خصوصاً في المناطق الغربية)، وإلى الاشتراكية في نظرتهم السياسية للأوضاع القائمة.

في الحديث عن التاريخ (وهو المعني به في هذه المقالة)، فإن الأولى أن يُؤخَد المجلس الأعلى بما يصله بواقعه اليوم. أزمة المجلس الحالية هي مع التيار الصّدري، رغم أنه حليف معه في الائتلاف الوطني، وبالرغم أيضاً من أن المنبت الايدولوجي واحد، بل وإن التأسيس الأول لكلا التيارَيْن كان واحداً لدرجة التماهي. فالصّدريون والحكيميون هم مُريدون خُلّص لمرجع الفريقين الديني والسياسي السيد محمد باقر الصّدر، الذي أعدمه نظام البعث في 9 إبريل/ نيسان من العام 1980.

إلاّ أن الخلاف بينهما، ظهر بهذا الشكل لسببين مهمّين. الأول اختيار المجلس الأعلى ساحة الخارج العراقي لتسيير نشاطاته السياسية، واختيار الصّدريين (الذين تمثّلوا لاحقاً في السيد محمد محمد صادق الصّدر) لساحة الداخل العراقي لممارسة أنشطتهم. ولأن الداخل والخارج لا يتماثلان في التفاصيل بسبب ظروف الميدان وقسوتها، والعلاقات الناظِمة لها، فقد تباعد الخطّان في آليات التكتيك والمبادرة وفهم السياسة إلى درجة كبيرة.

السبب الثاني، هو بروز شخص السيد محمد محمد صادق الصّدر كمرجع تقليد في العراق بعد الانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق، وبالتحديد في العام 1992 وطرحه رسالة عمليّة لمقلّديه، وما أتبعه ذلك من دعم نظام صدّام حسين لمرجعية الصّدر (حتى مع عدم رغبة الأخير في ذلك) كونه مرجعاً من أصول عربية، نكاية بمراجع التقليد الآخرين في النجف الأشرف والذين هم من أصول فارسية وأفغانية وباكستانية.

لقد كان ذلك الإعلان أول إسفين خلاف بين اتباع الصّدر والحكيم بعد تلك الفترة، أو بالتحديد بين عراقيي الداخل وعراقيي الخارج. وتراكم على ذلك الخلاف، خلاف في السياسة والدين، وحتى تأثيره على العلاقات الشخصية بين آل الحكيم وآل الصّدر، دَفَع العراقيون (وعوائلهم) ثمنه باهِضاً، حتى مع وجودهم في المنفى والمهجر القسري.

لقد وصل الخلاف بين الفريقين، إلى درجة التشكيك في قدرة الصّدر على التملّص من الوصاية البعثية عليه بعد دعم بغداد له. كان ذلك التشكيك مردّه خلاف الصّدر نفسه مع مرجعية النجف التقليدية، والتي كان يُمثّلها آنذاك السيد أبو القاسم الخوئي، أو ما عُرِفَ حينها بالتباين ما بين الحوزة الناطقة (التي يُمثّلها الصّدر كما كان يقول عن نفسه) والحوزة الصّامتة (التي يُمثّلها الخوئي وبقيّة المراجع كما كان يصفهم الصّدر بذلك).

وقد زاد من ذلك التشكيك حدّة الخلاف الذي حصل لاحقاً بين السيد محمد محمد صادق الصّدر وبين المراجع النجفيين الآخرين، وبالتحديد المراجع الدينية الثلاثة بشير حسين النجفي (من أصول باكستانية) ومحمد سعيد الحكيم، وحسين بحر العلوم (توفي في يونيو/ حزيران 2001)، وتحريمه على الطلبة أخذ الرّواتب الحوزويّة منهم، وكذلك الخلاف على بعض الهيئات الدينية في مدينة النجف كالمدرسة الباكستانية.

وكانت النجف في تلك الفترة قد شَهِدَت عدّة اغتيالات قبلها كانت تؤشّر إلى استهداف مباشر لمحمد محمد صادق الصدر. فقد اغتيل مرجعَيْن بارزين مُؤيِّدَيْن له ضمنياً في بحر عامين. فقد اغتيل الميرزا علي الغروي التبريزي (70 عاماً) في 30 يونيو من العام 1997، والشيخ مرتضى البروجردي (69 عاماً) في 21 إبريل من العام 1998.

والمعروف أن الأخير كان قد أفتى حينها بالاحتياط الوجوبي في صلاة الجمعة، الأمر الذي فُسِّر على أنه دعم وغطاء شرعي من مرجع مشهود له للصّدر، في حين إن الأول ومعه المرجع الديني الأفغاني إسحاق الفيّاض والبروجردي كانوا المراجع الثلاثة الوحيدة التي كان يعترف بها محمد الصّدر في العراق.

سيطر السيد محمد محمد صادق الصّدر على عراقيي الداخل، في حين سيطر السيد محمد باقر الحكيم على عراقيي الخارج، وبالخصوص من هم في إيران، ومعظم المهجر العراقي في أوروبا وأميركا. وكان الخلاف يتسرّب من القادة إلى الأتباع بشكل سَلِس ومنتظم، الأمر الذي أخرجه عن السيطرة لاحقاً.

بعد مجيء الديمقراطيين إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني 1993 واهتمامهم بما سُمِّي لاحقاً «مشروع تحرير العراق» أصدر المرجع الديني البارز في إيران آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الكلبيكاني (9 ديسمبر/ كانون الأول 1993) قبل وفاته (بغير اتفاق مع أحد) تحذيراً يقول فيه، بأنه سيُعلِن الجهاد إذا ما غَزَت الولايات المتحدة العراق.

وقد قدّرت الحكومة العراقية حينها في بغداد ذلك الموقف من المرجع الكلبيكاني، وأرسلت السيد محمد محمد صادق الصّدر إلى إيران ومعه اثنين من العلماء أحدهما الشيخ البهادلي لتقديم الشّكر إليه نظير موقفه من النوايا الأميركية ضدّ العراق في تلك الفترة.

جاء الوفد إلى إيران في زيارة رسمية عن طريق وزارة الخارجية، وزار مدينة قم والتقى الكلبيكاني، ثم زار طهران، والتقى الفرع المقيم لآل الصّدر هناك (السيد رضا الصّدر شقيق السيد موسى الصدر)، ثم غادر إلى مدينة مشهد المقدّسة ومنها إلى بغداد، دون أن يلتقي بأحد من منتسبي المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق حينها) ولا بقية منتسبي المعارضة العراقية هناك. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2803 - الأحد 09 مايو 2010م الموافق 24 جمادى الأولى 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:08 ص

      التوثيق

      سيدي الفاضل هذا التاريخ يجب ان يكتب في بحث منفرد ولا تقتصر فيه على مقال فقط لان التوثيق مهم للغاية في عصر اغبر

    • زائر 5 | 2:17 ص

      اطلاعاتيه ام معلوماتيه

      أيها ..الكاتب.. ومن دون لمز (أطلاعاتك) قويه في هذا الجانب ..أنا عراقي ومتابع للشأن السياسي والتاريخي لم أكن أعرف كل تلك الارتباطات والانتماءات وبخاصه في موضوعك السابق(ال الحكيم)..لا أعرف هل هي (الفراسه)وحدها ؟ ام قربك (الجغرافي) في البحرين من (مصدر) المعلومه هو من اتاح لك كل هذه المعلومات ؟
      لكن السؤال الاهم: اي حكومه في العالم (المتحضر والرجعي) تعرف بارتباطات هكذا قوى سياسيه ودينيه معارضه وتسكت عنهم ؟, ثم يتحدثون عن (المظلوميه)..!! للشهداء العلليين الرحمه والغفران ...

    • زائر 4 | 1:21 ص

      رد على 2

      الظاهر إن الكاتب بكمل الموضوع في الجايات . تحت مكتوب (للحديث صلة)

    • زائر 3 | 12:13 ص

      الحكيم والصدر

      اضيف أمر آخر وهو ان انصار المجلس وانصار الصدر باتوا اليوم في خندق واحد رغم كون التاريخ كان مشوشا ومليئ بالمشكلات بين التيارين

    • زائر 2 | 12:05 ص

      مقال ناقص

      قرأت مقالك اخي العزيز فأحسست انه يحتاج الى مزيد من التفصيل حتى يتناسب مع العنوان الموسوم به ...
      على كل كم نحن محتاجين الى وعر فة المزيد هن الحراك السياسي العراقي فكما اتحفتنا بالمعرفة عن الحراك السياسي الايراني فانك ان شاء الله ستزودنا بما يكفي في الجانب الثاني

    • زائر 1 | 11:57 م

      معلومات

      المقال غني بالمعلومات والاحداث المهمة عن العراق والحركات الاسلامية فيه لقد قراته مرتين لكي احتفظ بمعلوماته . شكرا لكم

اقرأ ايضاً