العدد 2810 - الإثنين 17 مايو 2010م الموافق 03 جمادى الآخرة 1431هـ

اغتيال محمدصادق الصّدر وبلاء الذنب الموروث

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مقال سابق تحدثت عن الظروف التي أدّت إلى بروز الخلاف الحاد بين التيار الصّدري والمجلس الأعلى خلال حقبة التسعينيات. وانتهيت إلى رتابة العلاقة بين الطرفين حتى مع وجود فرص كان بالإمكان استثمارها لتسكين الخواطر بينهما. وأهم تلك الفرص هو تواجد السيد محمد محمد صادق الصّدر في إيران بعد تصريحات المرجع الكلبيكاني بشأن غزو العراق بعد مجيء كلينتون إلى السلطة.

اليوم أتحدث عن الأحداث التي جرت في العامين الأخيرين من العقد التسعيني. والتي كانت المفصل الثاني في طبيعة تلك العلاقة بين المجلس والصّدريين بعد عقد كامل من المماحكات التي بدأت سياسية، ثم تطوّرت إلى دينية، لتنتهي إلى كل شكل معقّد من العلاقة باتت تحكم ظروف الطرفين في وقتنا الحاضر.

ففي أتون ذلك الخلاف المستمر لسنوات وَرَدَت أنباء من داخل العراق في 19 فبراير/ شباط من العام 1999 تفيد بأن السيد محمد محمد صادق الصدر اغتِيل هو ونجلاه (مصطفى ومؤمّل) بين منطقة الحنانة (إحدى ضواحي النجف الأشرف) وساحة ثورة العشرين، من قِبَل أفراد مجهولين ترجّلوا من سيارة أولدز موبيل وأطلقوا عليه ونجليه النار.

بعد أيام قامت السلطات الأمنية في العراق باعتقال أربعة أشخاص هم الشيخ عبدالحسن عباس الكوفي، الشيخ علي كاظم حماز، وطالبان في الحوزة العلمية هما أحمد مصطفى الأردبيلي وحيدر على حسين، واتّهمتهم باغتيال الصّدر وولديه، ونفّذت فيهم حكم الإعدام، بعد اعترافات بثّها التلفزيون العراقي.

كانت الأجواء حينها متوتّرة للغاية في مدينة النجف الأشرف. وحدثت صِدامات في مناطق مختلفة من العراق بعد حادثة الاغتيال. كما أنها أحرجت خصوم الصّدر، في الداخل والخارج، ودفعتهم لإعادة النّظر في بعض مواقفهم منه. بعد ثمانية أيّام من حادثة الاغتيال، أقام السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق حينها) وقيادات سياسية عراقية أخرى تقيم في إيران، مجلس تأبين على روح الصّدر وذلك بمدينة قم المقدّسة.

وما إن استقرّ الحكيم في مجلس التأبين حتى قام عراقيون غاضبون قادمين من العراق برمي الأحذية عليه، وعلى بقية الحضور الذين كان منهم آية الله محمود هاشمي شاهرودي الذي كان قد عُيِّن للتّو رئيساً للسلطة القضائية في إيران، وبعض ممثلي المراجع الكبار، الأمر الذي أدى إلى اعتقال 400 عراقي في موقع الحادث، قيل إنهم من الصدريين ومن المتعاطفين مع حزب الدعوة (الجناح الذي يُهيمن عليه الأفنديّة)، ولم يُطلَق سراحهم إلاّ بعد تدخّل الحكيم نفسه لدى المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي.

كما أن ذلك الحادث قد دفع بالسلطات الإيرانية إلى تشديد القيود على العراقيين المقيمين في إيران، ولم يتمّ تخفيفها إلاّ بعد رسالة وقّعها كل من المرجع الديني السيد كاظم الحسيني الحائري، ورئيس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية الشيخ محمد علي التسخيري، والشيخ محمد مهدي الآصفي، والسيد مرتضى العسكري وأرسلت إلى المرشد الأعلى للثورة شخصياً أيضاً.

وقد استثنت الحكومة الإيرانية بعدها العراقيين من مشروع «ترحيل الأجانب غير الشرعيين إلى بلدانهم» لتوفير مليوني فرصة عمل للإيرانيين، بعد إحصاء خمسة ملايين ومئتي ألف أجنبي مقيمين في إيران، بعد تعليمات صدرت للبدء بالمرحلة الأولى من جمع الأجانب المقيمين بصورة غير رسمية تمهيداً لإعادتهم إلى بلدانهم باستثناء العراقيين «الذين لاتزال الأوضاع في بلدهم غير مستقرّة» حسب تصريح الداخلية الإيرانية حينها.

في تلك الأثناء جاءت استقالة الشيخ محمد مهدي الآصفي من حزب الدعوة الإسلامية بعد انتسابه (وتأسيسه) له طيلة أربعين عاماً بسبب «عدم إيمان الحزب بمظلّة وليّ الأمر السياسية»، عاملاً آخر، أضيف للشقاق الذي حصل بين المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق حينها) من جهة، وبعض أعضاء المعارضة العراقية كحزب الدعوة الإسلامية من جهة أخرى.

فقد سبق الاستقالة، ظهور شقَاق بين عِمامة الدّعوة وربطة عنقها بعد مؤتمر الإمام الحسين (ع). حيث تمرّد جزء من الطبقة القيادية للحزب كهاشم ناصر الموسوي (أبو عقيل) الذي يُعتبر الملهِم الرئيسي لكوادر الحزب، وعامر حسّان الخزاعي (أبو ياسر) واللذين كانا يدفعان الحزب إلى التّمسك بخط الآصفي وبرنامج رجال الدين، وجعلهم المحور في «قيادة الأمّة». وهو ما زاد من عمليات الاصطفاف إلى جانب (أو ضد) الصدر والحكيم.

كذلك، فقد أظهرت الأنباء الواردة من العراق (حينها) أن المرجع الديني السيد علي السيستاني قد انتقد القرار الأممي رقم 1284 القاضي بإنشاء لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (أنموفيك) بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول العام 1999 واصفاً إيّاه بأنه «شبه انتداب بصيغة جديدة» وهو ما جعل الهوّة تزداد بين موقف الإسلاميين في داخل العراق والمجلس الأعلى في الخارج الذي كان في قمّة تعاونه مع الولايات المتحدة لإضعاف نظام البعث.

فقد كان المجلس الأعلى (وحتى حزب الدعوة) والحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني العراقي ومنظّمة العمل الإسلامي وبقية الأحزاب العراقية منخرطون في مشروع قانون إسقاط نظام صدام حسين الذي أقرّه الكونغرس الأميركي والرئيس بيل كلينتون (حينها) وثلاثة رؤساء سابقين وأربعة من رؤساء الأركان في الجيش، وأربعة من رؤساء الاستخبارات الأميركية، وهو ما أدّى إلى زيادة الفجوة بين الداخل العراقي وخارجه أيضاً.

بعد مقتل الصّدر وتشتّت تياره العريض، بدأت حدّة الصراع بين الفريقين في الضّمور. وكان قد سبق ذلك وساطات قام بها المرجعان الدينيان كاظم الحائري وفضل الله وكذلك الآصفي لرأب الصّدع، وحدّت من تصريحات صقور المجلس كصدر الدين القبانجي والتي مهّدت لإرسال السيد جعفر محمد باقر الصّدر (الذي كان في عهدة محمد الصّدر) إلى مدينة قم والإقامة فيها وافتتاح مكتب تمثيلي له بها.

لقد أسّس ذلك الخلاف التاريخي إلى برود في العلاقة ما بين الصّدريين والمجلس الأعلى. وحتى بعد سقوط النظام العراقي في 09 أبريل/ نيسان من العام 2003 وقيام مجلس الحكم، وما تلا ذلك من تشكيل الائتلاف الوطني الموحّد برئاسة عبدالعزيز الحكيم، وتمثّل الصدريين فيه ببهاء الأعرجي وقصي عبدالوهاب السهيل إلى جانب المجلس الأعلى لم يكن الوفاق قد تمّ بين الفريقين، وإنما كانت الظروف تقتضي الاصطفاف الطائفي دون سواه. (وللحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2810 - الإثنين 17 مايو 2010م الموافق 03 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:12 م

      الرجل المجهول

      بإنتظار تكملة المقال وبأكثر تفصيلاً لو سمحت عزيزي ، وإننا لمتابعون لجديد قلمك الفذ .

    • زائر 12 | 12:56 م

      عراقي

      من لك يا وطني العزيز.. وانت بين طغمه (غبيه) ولت..(وشلة) مجرمين سراق حلت.. ومجموعه من ابناءك(العقوقين والمنبوذين) طغت.. وامةٌ عربيه من(جُبنها) طأطأة وأستحت.. وواقعٌ أقليمي ينهش بلحمك(بحجة) حقوق أستحقت ..وعالمٌ من شدة (عهره)ونفاقه مواثيقه تحققت ..
      ومن لك يا عراق.. وقد جاءك من لايعرفون غير (الفِيمه).. وبانهم أنصار حقوق الانسان و(القيمه)..ونتيجة أعمالهم لم يبفوا لهم سعر صرف او(قيمه).. واصبحنا بهم أيتام من غير (قَيمه) ...االله كريم...

    • زائر 11 | 10:53 ص

      رد على مداخلة رقم 9

      1- بعد مقتل الصّدر وتشتّت تياره العريض، بدأت حدّة الصراع بين الفريقين في الضّمور. (وكان قد سبق ذلك) -أي مقتل الصدر- 0000 مهّدت لإرسال السيد جعفر محمد باقر الصّدر (الذي كان في عهدة محمد الصّدر) إلى مدينة قم والإقامة فيها وافتتاح مكتب تمثيلي له بها.

    • زائر 10 | 7:02 ص

      ملاحظات

      غفل الاخ كاتب الموضوع عن بعض الحقعئق منها
      1- ان السيد جعفر محمد باقر الصدر هاجر الى ايران في زمن الصدر الثاني وليس بعد استشهادة
      2- ان الصدر الثاني رضوان الله تعالى علية لم يكن ينظر الية كمرجع في حوزتي قم او التجف
      3 من قام بالهجوم على السيد الحكيم في مجلس العزاء هم من العراقيين المقيمن وفي ايران

    • زائر 9 | 6:51 ص

      الموضوعية

      الموضوعية هي أن عرض نصف الحقيقة ليست موضوعية, ربما قرأت كتابات السباب التي أنساق لها رهطا من الكتاب العراقيين متناسين أن من دافعوا عنهم ليسوا ملائكة, ولكن غرض الذم يحتاج لمدح الآخرين...

    • زائر 7 | 3:44 ص

      عراقي

      اي .. وطني.. يالبؤسك.. كيف اجتمع كل أولاءك ألارذال .! ليس هنالك وجوه للخيانه . جميل أو قبيح ..شرعي وغير شرعي ..مقبوله أو غير مقبوله .. بل هو وجهها الاوحد(الارتماء بحضن العدو) والارتباط بكل ما يمت بصله خارج الحدود.. أين كنا من كل أولاءك الشراذم .! حتى أصبحنا داخل وخارج ...الله كريم ...

    • زائر 6 | 3:15 ص

      الموضوع

      الموضوع موسوعي وهو تحليلي ولا يمجد ولا ينتقص من احد

    • زائر 5 | 3:09 ص

      هالة الغياب

      للموت هيبة تجعل الكل يؤبن الميت حتى لو كان مؤمنا بأخطاءه, فما بالك إذا كان الموضوع شهادة الشخص نفسه, انت تمسح الجميع وتحي ثقافة الأحذية ضمنا, ولكن لم تذكر لنا أن السيد رحمه الله إنساق مع النسق الشوفيني للنظام صدام حيث كان يسمي الشيخ بشير بالباكستاني, هل هذا ينطبق مع مبادىء الدين؟

    • زائر 4 | 1:32 ص

      السيد عبد المجيد الخوئي!

      هل ممكن ان تكتب لنا عن اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي

    • زائر 3 | 12:05 ص

      اضافة

      فصلاة الجمعة التي اقامها الصدر شكلت فوبيا للنظام البائد وهو ما دفعه لاغتيال الصدر لانهاء ظاهرته البطولية في الحوزة والمجتمع العراقي

    • زائر 2 | 12:04 ص

      ملاحظة

      ملاحظة لصاحب المقال وهي انه لم يذكر من اغتال آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر فهو اكتفى باغتيال واعتقال حكومة صدام لاربعة متهمين واعدمتهم!!!! من قتل الصدر؟؟ انه صدام المجرم

    • زائر 1 | 11:48 م

      تفاصل اكثر

      اشكر الكاتب على هذا المقال المفيد والذي يعتبر التاريخ جسرا لفهم الحاضر . اتمنى ان يتسع البحث ليطال امور غامضة اخرى في العراق كهيئة علماء المسلمين والاخوان المسلمين وكيفية دخول القاعدة اليه

اقرأ ايضاً