العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ

«ودعوا يا كرام... شهر الصيام»

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

جلس الحاج مكي مع أبنائه بعد ان انتهوا من تلاوة القرآن في مجلس العائلة. وراح يسألهم عن استعداداتهم لليلة العيد... كاظم (الابن الأصغر) همس في اذن اخيه محمد قائلاً: «أووه... الحين بيحبسنا معاه بكره، وبيحرمنا من سهرة الشباب». فرد عليه محمد: «اشعليك منه... ما بيشوف اللا النور، خله بس ينشغل مع اخواني واحنا انشيل عليه».

حسن (الابن البكر للحاج مكي) له نظرة خاصة في ليلة العيد، لذلك تنهد وقال: «اييه... خلص شهر رمضان وجتنا ليلة العيد، الأيام تنطوي بسرعة!»، ثم التفت لاخوته وهو يسترجع شريط الذكريات: «اتصدقون اللول ان الناس في ليلة العيد اتشوف على أكثرهم علامات الحزن؟ مو لأنهم ما هم فرحانين، ولكن يتألمون لفراق شهر الله وهالأيام العجيبة، ويحسون بطعم الخسارة».

أدار الحاج عينه لابنه حسن قائلاً: «صدقت يولدي... اللول من اتجي ليلة العيد اتشوف الناس ينتقلون من بيت إلى بيت لقريب أذان الفجر». بدأ محمد أكثر جدية وسأل والده: «شنهو يسوون؟ بس يتزاورون؟». قال الوالد: لا يا ولدي، يختمون القرآن ويقرأون الوداع. وأردف حسن: الشيء الجميل في ليلة العيد تلك الأهازيج الجماعية التي كان يرددها الناس في المنازل. ومازالت تُحيا بطرق مختلفة بعض الشيء في بعض المناطق إلى يومنا هذا.

كاظم الذي كان مشتاقاً لسهرة الشباب، بدأ أيضاً يستمرئ الحديث عن ليلة العيد، فسأل أخاه: وماذا كانوا يقولون؟أجاب حسن وهو يتبسم: أولاً تتم تلاوة القسم الأخير من الجزء الثلاثين من القرآن، وبعد كل آية ينشد الحاضرون بصوت جماعي:

«سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد».

حرك محمد رأسه وقال: هذه لانزال نسمعها حتى في هذه الأيام، أليس كذلك؟ فرد عليه حسن: نعم ولكن الأهزوجة الثانية تلاشت في الكثير من البيوت والمناطق، وكانت جميلة أيضاً. ولأن كاظم بطبيعته ميّال إلى الأناشيد كرر سؤاله لأخيه: وما هذه الأهزوجة؟ قال له حسن: بعد الانتهاء من ختم القرآن بالطريقة الأولى والتي تسمى بالتسبيح، يبدأ قارئ آخر بقراءة دعاء ختم القرآن، ثم يبدأ بإنشاد الأهزوجة الثانية بصوت خاشع وحزين. ومطلعها:

«ودعوا يا كرام شهر الصيام... فعليه الصلاة وعليه السلام».

طبعاً كان المطلع يختلف بعض الشيء ربما من منطقة لأخرى. المهم كان القارئ ينشد أبياتاً مؤثرة على شكل فقرات بين مطلع وآخر والحاضرون يرددون بعده، واذكر أن الكثيرين كانوا يبكون بكاءً شديداً، لأن كلمات الأهزوجة ممزوجة بين الأسلوب الدُعائي والوعظي، وعلى رغم بساطة الكلمات فإنها كانت شديدة التأثير.

هنا قاطع الحاج مكي ابنه، وقال: المهم، بعدما ينتهي كل شي يحطون «القدوع» وهذيك الصواني المتنوعة بخيرات شهر الله وتبدأ السوالف عن الاستهلال. الحين ما علينا يا أولاد... ويش بتسوون انتون في ليلة العيد؟

سكت الجميع ينتظرون إصدار الأوامر من «القيادة العليا»... ثم بدأ الحاج يوزع المهمات على أولاده: حسن انت تشتري الفواكه والحلويات واتخلي النسوان يجهزون الصواني، وكاظم ينظف المجلس ويعدله ويحط البخور ويبرز الماورد للجماعة، ومحمد انت تبدأ تقرأ القرآن على ما يوصلون الجماعة. وبعدين كلكم لازم أشوفكم في «الدورة».

سأل كاظم باستغراب: أية دورة بعد؟ فأجاب حسن: التنقل لإحياء هذه المراسيم من بيت لآخر نطلق عليه نحن (الدورة)، هل فهمت الآن؟

انتهت الجلسة، وانفض الجميع من المجلس، والكل يرتقب هذه الليلة.

إحياء من نمط آخر

هذه القصة نقلت من خلالها نموذجاً واحداً من طرق إحياء ليلة العيد. ولكن هناك أنماط شتى كل يحييها بحسب توجهاته وفهمه الحقيقي لأبعاد هذه الليلة. فبعض يقضيها بالعبادة والتهجد والبكاء والدعاء وإعلان التوبة ومحاولة تعويض ما فاته من تقصير في أيام الشهر، وبعض يحييها بالسهرات الفارغة إلا من الشيشة والكلام الفاضي، والبعض الآخر يحبها بنكهة «التخميس» في الشوارع وعمل الحركات الصبيانية، وآخرون يقضونها كما بقية ليالي الشهر في المجمعات لا للتسوق بل للمعاكسات وتبادل الأرقام... وهكذا.

اللهم اجعلنا ممن يغتنمون ليلة العيد فيما تحب انت... واغفر لنا فيما مضى من شهر رمضان وفيما بقي منه، ولا تجعلنا من الأشقياء يا رب العالمين

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 799 - الجمعة 12 نوفمبر 2004م الموافق 29 رمضان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً