العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ

تركيا تعيد بناء استراتيجية الأمن القومي

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

كشفت السنوات الماضية عن تبدلات في السياسة التركية، وهي تبدلات اذا قيست بالسياسة التركية التقليدية داخلياً وخارجياً في المستويين الاقليمي والدولي، لأمكن القول، انها سياسة مختلفة بصورة تكاد تكون كلية، وهو أمر يعكس تغيراً جذرياً في استراتيجية الأمن القومي، التي تحدد في نصوص مكتوبة اتجاهات السياسة التركية استناداً إلى التحديات التي تواجه البلاد.

وكما هو معروف، فإن استراتيجية الأمن القومي محصلة نقاش وبحث تتشارك فيه المؤسسات السياسية والعسكرية الرئيسية للدولة التركية، وتشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة الأركان والمخابرات ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، ويتم بنتيجته وضع وثيقة تحدد جملة الاخطار التي تواجه تركيا في المستويين الداخلي والخارجي، كما تحدد تبعاً لذلك الدول والقوى والجماعات، التي تقف خلف الاخطار والتحديات، وطوال الفترة التي لايتم فيها تعديل تلك الوثيقة، ترسم الاخيرة الخطوات والسياسات التي تتابعها الدولة التركية بمؤسساتها السياسية والعسكرية.

ويجري في تركيا تجديد استراتيجية الأمن القومي بصورة اعتيادية كل خمس سنوات، فيما عدا الحالات الطارئة، التي تدفع بسبب تطورات داخلية او خارجية إلى اجراء تغييرات في تلك الاستراتيجية من اجل توافق خطوطها مع تلك التطورات، غير ان الامر في كل الاحوال، يحتاج إلى اقرار من مجلس الوزراء، ثم تصديق من مجلس الأمن القومي والذي يجمع ممثلين عن مراكز القوى السياسية والعسكرية في الدولة.

وقد اقرت مؤسسات الدولة التركية أخيراً المحتويات الاساسية لاستراتيجية الأمن القومي التركية للفترة المقبلة بعد مجموعة من الافكار الجديدة وسلسلة من النقاشات، ادت إلى تعديلات في اتجاهات استراتيجية الأمن القومي، ولاسيما في موضوع النظرة التركية إلى العلاقة مع اوروبا في وقت تبذل تركيا جهوداً كبيرة للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي، وكذلك في النظرة إلى الجوار التركي التي تحسنت في السنوات الاخيرة علاقات تركيا معه بصورة ملموسة، اضافة إلى النظرة التركية إلى الجماعات الاسلامية، التي لم يعد نشاطها السياسي السلمي مصدر قلق للدولة التركية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الجماعات الاثنية في تركيا، وقد تبدلت نظرة السلطات إلى وجودها ونشاطها ومطالبها في السنوات الاخيرة.

ان الاساس في متغيرات استراتيجية الأمن القومي التركي، يستند إلى عوامل داخلية من جهة وعوامل خارجية من الجهة الاخرى، واذا كان الاهم في العوامل الداخلية، يكمن في وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الاتجاه إلى سدة السلطة عبر صناديق الانتخاب، فإن في العوامل الداخلية عوامل سياسية اخرى تضاف إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية، التي تدفع تركيا إلى تغييرات في سياساتها.

ولعل اهم العوامل الخارجية التي اثرت على استراتيجية الأمن القومي، هو مسعى تركيا للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي، وتكمن اهمية هذا العامل بما يتجاوز ما يرسمه من علاقة لاحقة بين تركيا والاتحاد الاوروبي إلى ما يتركه من اثر في سياسات تركيا الداخلية والخارجية من حيث اقامة توافقات مع مجمل سياسات الاتحاد الاوروبي وخصوصا عن قضايا الديمقراطية والاقليات والنساء في الداخل والعلاقات السلمية والشراكات الاقتصادية والتوافقات السياسية في الخارج.

ان التقاطعات بين العوامل الداخلية والخارجية في تأثيراتها على استراتيجية الأمن القومي التركي، جعلت الاهم في هذه الاستراتيجية هو التوجه إلى علاقات سلمية عامة في الداخل والخارج، الامر الذي يجد تعبيراته لا في الانفتاح الداخلي على الاسلام السياسي الذي يمثل الحزب الحاكم ابرز قواه، وفي تدريب الجماعات الاسلامية على التعايش مع النظام الديمقراطي التعددي وعلى التداول السلمي على السلطة والوصول اليها عبر صندوق الانتخاب فحسب، بل ايضاً في انفتاح سياسي وثقافي واعلامي على الجماعات العرقية التي يتشكل منها النسيج التركي، وعلى النساء اللواتي كثيراً ما كانت قضاياهن مصدر استعصاءات تقليدية في علاقات السلطة والجمهور. وتتوافق هذه التوجهات في تعزيز السلم في الداخل التركي مع توجهات مماثلة في اتجاه السلم الاقليمي لتركيا، إذ انتقلت العلاقات التركية مع سورية في الجنوب واليونان في الغرب من علاقات توتر وعداء إلى علاقات صداقة وتعاون، وتبدلت العلاقة التركية مع العراق من التدخلات العسكرية والاجتياحات المتوالية لشمال العراق إلى البحث عن علاقات حسن جوار وبحث عن مستقبل مشترك، وتحسنت بصورة ملموسة علاقات تركيا مع ايران بدلاً من علاقات الحذر والريبة التي كانت سائدة بين البلدين، ونشطت تركيا في الاعوام الاخيرة إلى توسط نحو حلول وتسويات بين العرب و«اسرائيل» بعد ان كانت علاقاتها اكثر واوثق مع الاخيرة. لقد تبدلت استراتيجية الأمن القومي التركي خلال السنوات العشر الاخيرة، اذ جرى تعديلها عدة مرات، كان بينها تعديل العام 1997 وجاء بعد اطاحة حكومة الائتلاف التي ضمت حزبي الرفاه الاسلامي والطريق القويم، ثم جرى تعديلها في عهد حكومة مسعود يلماظ الائتلافية العام 2001، لكن التعديلات التي تم اقرارها أخيرا هي الاهم في تبديل أولويات التهديدات والتحديات الداخلية الخارجية لتركيا

العدد 825 - الأربعاء 08 ديسمبر 2004م الموافق 25 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً