العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ

تداعيات لغة مغربة

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

كثيرون من تصدوا لمحاولة وأد اللغة العربية بإبدالها بلغة أجنبية باتت رمزا للتحضر والرقي، وكثيرون هم المنادون بضرورة إحياء اللغة الأم على ألسنة الأجيال الصاعدة قبل أن تقبر من دون أن تعرف لألسنتهم طريقاً ناطقاً... وفي المقابل ننظر إلى أبنائنا اليوم فنلمس البون الشاسع بينهم وبين لغة الدولة التي ينتمون إليها والدين الذي يحسبون عليه... هذا إذا ما استثنينا غربتهم عن كل ما يتعلق بالأصالة العربية عموماً.

ولسنا هنا في مجال الدفاع عن اللغة أصلا، فقد خاض فيها من خاض وإن كانت المسألة بحاجة إلى تجديد في الطرح ومعاودة «اللغو» بها بين فترة وأخرى للتذكير والتنبيه ليس أكثر. إننا هنا أمام شكاوى أولياء أمور لم يتعودوا من أبنائهم إلا التفوق في الدراسة ونيل أعلى الدرجات وفي جميع المواد... وفجأة بدأ مستواهم الدراسي في التدني بشكل ملحوظ، ما دفع الآباء لمواجهة أبنائهم... بلومهم ومعاتبتهم وتوبيخهم على التقصير أحيانا... والإصغاء إلى مبرراتهم وأخذها في الحسبان والتفكير في معقولية اعتبارها سببا في هذا الانحدار أحيانا أخرى... وعند النقطة الثانية تتكشف حقائق قد تغيب (أو تُغيّب قسراً) عن أذهان الكثيرين، وخصوصا أولئك القائمين على صرح العلم والتربية... وزبدة الكلام تأتي على لسان أحد أولئك المصدومين بانحدار مستوى أبنائهم الدراسي:

كان ابني من المتفوقين في الدراسة، ودائما ما يحصل على المرتبات الأولى ويكرم على جهده وتفوقه هذا... ودام الحال هكذا حتى التحق بالمرحلة الإعدادية، وكم دهشت لتدني مستواه الدراسي في مادتين أساسيتين ما كان ليحصل فيهما على درجة متدنية - طبعا مقارنة بمستواه الدراسي المتفوق - وهاتان المادتان هما التربية الإسلامية واللغة الإنجليزية!

بداية، ألقيت باللوم كله على ابني ظنا مني بأنه قصر في مذاكرته ومتابعته لدروسه... ولكن ما يثير الحيرة فعلا هو تدنيه في هاتين المادتين تحديدا دون سواهما؟!... وهذا ما دفعني إلى الوقوف عند كلام ابني ومحاولته إفهامي لب الموضوع وتبريره لهذا التدني وبدأت آخذ كل كلمة في اعتباري عليّ أصل إلى الحقيقة فلا أظلم بريئا أو أبرئ ظالما... قال: والدي العزيز... من يدرسنا هاتين المادتين مدرسان من دولتين عربيتين ولكني - بل معظم التلاميذ إن لم يكن كلهم - لا أفهم مما يقولانه شيئاً، وبالتالي يصعب عليّ استيعاب المادة حتى لو قضيت كل وقتي في مذاكرتها!

حرص هذا الوالد على ابنه دفعه إلى التوجه إلى المدرسة لمقابلة المدير والوقوف على أساس المشكلة لعل في كلام ابنه شيئا من الصحة أو يكشف أمرا غاب عن ذهن القائمين على هذه المدرسة، وبالتالي يجب التنبيه للقضية قبل استفحال الأمر... والمفاجأة أن المدير فند كلام التلميذ المتفوق هذا، بل وبث شكواه من ضعف حيلته إزاء أمر كان مفعولا من قبل الرأس الأعلى نفسه (وزارة التربية والتعليم) التي فرضت على المدرسة مدرسين من خارج نطاق المملكة ويحسبون على «العربية» وهي منهم براء، والضحية أولئك التلاميذ المتفوقين خصوصا، فضلا عن البقية التي يؤمل رفع مستواهم مع مرور الوقت، ولكن كيف والسيف سبق الجلد؟!

ويضيف هذا الوالد المكلوم: هناك أربعة تلاميذ متفوقين رفعوا شكواهم إلى الإدارة على مدرس التربية الإسلامية، فما كان منه إلا أن رفع درجاتهم في المادة من دون تبرير أو سرد مسببات للتنزيل أو الترفيع! أهكذا سيتعلم أبناؤنا؟ أهكذا يتفوقون؟ أهكذا يقام ميزان القسط والعدالة بين التلاميذ؟!

وسؤالنا: هل أصبح تغريب اللغة سبيلا لقبر العقول؟... تلاميذ متفوقون بدأت اللغة المغربة تنهش في هيكل تفوقهم حتى أكلت منه ما أكلت، وصرخات أولياء أمورهم تعلو لنجدة أبنائهم، ومن بيده حل العقدة يبدو أنه يطرب لسماع هذه الصرخات ويترنم مع عزف أوتارها... فهي صرخات يطلقها جميع الطلبة بمختلف مستوياتهم ومراحلهم الدراسية وسنويا، ولكن ما من مجيب إلا الله... وأمام الرُّخص - ويا ليته رُخصاً - تقبر العقول المحلية وهي في مهدها أو تهجر رغماً عنها، فالأرض لا تسع إلا الغرباء، وعاشت لغة لا يفهمها إلا ناطقها

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً