العدد 835 - السبت 18 ديسمبر 2004م الموافق 06 ذي القعدة 1425هـ

المواطنة والتخطيط العمراني

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

ثمة مسئولية مهمة ملقاة على عاتق الجهات الحكومية المسئولة عن التخطيط العمراني في الدولة، وهي في الغالب ارتبطت بالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية المسئولة عن مهمات التربية والتعليم والتنشئة بمختلف أشكالها.

وهذه المسئولية تتمثل في خلق الهوية البحرينية المشتركة وفق مفهوم المواطنة، فعادة ما تقوم وزارة التربية والتعليم بتأكيد هذا الموضوع في مناهجها، وخصوصاً مع إعلانها عن إعداد مقرر في المواطنة سيتم تدريسه في مدارسها. إلا أن الهوية والمواطنة لن تتأتى فقط عن طريق عملية التعليم فحسب، وإنما هناك الكثير من الوسائل والطرق التي بإمكان الدولة انتهاجها لتحقيق هذا الهدف، وأرى أن من أهم الوسائل هي التخطيط العمراني وإنشاء شبكة من الطرق والجسور المختلفة في أنحاء البلاد.

قد تبدو هذه الفكرة غير فاعلة نظرياً، ولكنها من الناحية العملية فاعلة جداً. فقبل قرن كامل لم تكن هناك طرق متطورة وشبكة من الجسور تربط جزر البحرين، وتربط جزيرة المحرق عندما كانت العاصمة بالجزيرة الكبرى الأم، ولكن مع اكتشاف النفط في العام 1932 استطاعت الحكومة حينها تشييد أول جسر يربط بين هاتين الجزيرتين، لكن ماذا تغيّر؟

في السابق كانت العلاقات بين المواطنين ضعيفة بالنظر إلى العلاقة بين سكان المناطق، فسكان المحرق لم تكن لهم علاقات قوية مع سكان قرية المقشع مثلاً، والعكس صحيح، والسبب في ذلك ضعف وسائل المواصلات في ذلك الوقت وعدم توافر طرق وجسور تربط هذه المناطق، إذ كانت وسيلة المواصلات الوحيدة هي القوارب الشراعية التي كانت تنقل السكان من جزيرة إلى أخرى. وهذه الحقيقة أعاقت كثيراً قيام هوية مشتركة بين البحرينيين في بواكير القرن العشرين. إلا أن إنشاء الجسور والطرق لاحقاً بدأ في خلق هذه الهوية وأظهر شعوراً بالانتماء إلى منطقة جغرافية واحدة عززها الدور الحكومي والحماية الأمنية وفرض القوانين والأنظمة بمرور الوقت.

ولكن الإشكالية في ذلك أن إنشاء الطرق والجسور ارتبط بأهداف سياسية في مراحل مختلفة، ويمكن النظر إلى ذلك بتحديد مرحلتين. الأولى تبدأ منذ بداية القرن العشرين وحتى استقلال البلاد والتي تم فيها إنشاء الطرق بهدف توفير احتياجات سلطات الاستعمار على المستوى المحلي وخصوصاً بعد اكتشاف النفط، وظهور الحاجة إلى طرق لعمليات التصدير والنقل وما رافقها من احتياجات من ناحية، وعلى المستوى الإقليمي نجد أن البحرين أصبحت مركزاً إقليمياً للاتصالات بسبب ظهور حاجة ماسة لإنشاء مطار يربط سلطات الاستعمار في الهند بالمحميات البريطانية في المنطقة ومن ثم إلى المملكة المتحدة. وقد تميّزت هذه المرحلة بأنها ربطت جزر البحرين الرئيسية وخلقت شكلاً من أشكال الانفتاح بين سكان المناطق.

أما المرحلة الثانية فهي بعد استقلال البلاد في العام 1971 إذ تم تشييد المزيد من الطرق والجسور بعد الطفرة النفطية، إلا أنه لم تتم الاستفادة منها في خلق هوية مشتركة، وزادت الأمر تعقيداً ظروف حقبة أمن الدولة التي ساهمت في زيادة الحساسية بين سكان المناطق المختلفة وفق عوامل طائفية وإقليمية صرفة. ولذلك لم تسع الحكومة لتشكيل تركيبة ديموغرافية متجانسة من الناحية الإثنية إلا في المناطق الجديدة على رغم أن الجسور والطرق كان بالإمكان الاستفادة منها لتحقيق هذا الهدف.

وبالتالي فإن ارتباط التخطيط العمراني وإنشاء البنية التحتية بعوامل سياسية أعاق كثيراً خلق الهوية البحرينية المشتركة. وإذا كانت الظروف في المراحل السابقة غير مواتية فإن عهد الإصلاح الجاري ينبغي الاستفادة منه من أجل تكوين الهوية المشتركة. كما أنه يجب ربط التوجه الحكومي الراهن بإنشاء مدن ومناطق سكنية جديدة لتكوين الهوية وتعزيز مفهوم المواطنة البحرينية

العدد 835 - السبت 18 ديسمبر 2004م الموافق 06 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً