العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ

لماذا لا يرفض شارون؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لماذا لا يرفض رئيس الحكومة الإسرائيلي ارييل شارون دعوة رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير إلى عقد «مؤتمر سلام» في لندن يجمع الاطراف المعنية وتحديداً «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية لمعالجة نقاط الاختلاف المتعلقة بالاحتلال والتسوية؟

لماذا لا يرفض شارون الدعوة في وقت يرى أن مشروعه التقويضي يسير من دون مقاومة عربية. فهو يرى أن المرحلة مرحلته وكل ما يريده يتجه في سياق مشروعه القائم على مجموعة قواعد منها إعادة احتلال المناطق الفلسطينية وتفريغ السلطة من عناصرها القادرة على الدفاع عن الثوابت الوطنية. كذلك يرى شارون أن السياسة الأميركية الهجومية (الهوجاء) تصب كلها في مصلحته. فالمصلحة الإسرائيلية تقوم أيضاً على مجموعة أهداف منها تفرقة العرب وعزلهم عن بعضهم بعضاً وإضعافهم دولة بعد دولة وصولاً إلى فرض مشروع الهيمنة على ما يسمى «الشرق الأوسط» بذرائع شتى تضعف الدول وتعزلها وتضرب مرتكزاتها الأهلية.

لماذا لا يرفض شارون دعوة بلير في وقت يرى أن الدول العربية لم تعد تملك ما تستطيع تقديمه أو هي لا تملك مقومات القوة حتى تكون في موقع سياسي يسمح لها بالتفاوض. فمن ابسط شروط المفاوضات أن يملك المفاوض عناصر محددة من القوة تسمح له بالجلوس إلى الطاولة والبحث في مسائل لها صلة بالحدود والانسحاب. فمن شروط التفاوض وجود عناصر قوة يحتاجها الطرف الآخر للقبول بمبدأ التفاوض. فالتفاوض ليس دائماً يعكس حالات ضعف وانما أحياناً يؤكد وجود عناصر قوة يخاف منها الخصم فيضطر إلى التفاوض حتى لا يتورط في مواجهة تؤذي مصالحه أو تهدد وجوده. الضعيف لا يفاوض أو على الأقل لا يملك مقومات تسمح له بالضغط على الخصم للقبول بالفكرة.

منطق التفاوض أحياناً يكون سياسة يتبعها الأقوياء لتجويف قدرات الخصم وربما تكون إشارة إلى الاعتراف بقوة الخصم ومحاولة الالتفاف على احتمال حصول مواجهة تكون خسائرها أعلى بكثير من أرباح عدم التفاوض. والتفاوض أحياناً يكون منطق الأقوياء حين يجد القوي أنه في موقع المنتصر ولكنه لا يريد التفريط بمكاسبه في حال استمر في الضغط على الخصم ما يضطر الأخير إلى اللجوء إلى القوة لحماية ما تبقى له من مصالح فيقبل بالتفاوض حتى يضمن الحد الادنى من مكاسبه.

كل هذه الاحتمالات تبدو غير واردة في سياسة شارون. فالأخير بات في وضع متفوق أو على الأقل يرى أن السياسة الأميركية تصب في خدمته وتحسن من شروط قوته وتضعف قوة العرب أو تزيد من ضعف الدول التي باتت في موقع لا يسمح لها حتى بالتفاوض.

شارون رفض دعوة بلير للذهاب إلى مؤتمر لندن وطالب بتغيير مضمون المؤتمر وتحويله من لقاء للبحث في السلام في «الشرق الأوسط» إلى مكان تعالج فيه الاطراف المعنية الإصلاحات الفلسطينية. فشارون رفض الدعوة لأنه وجد فيها محاولة للانتقاص من عناصر قوته وربما محاولة لتعويم الضعف الفلسطيني وإعادة الدول العربية إلى واجهة الطرف القادر على التفاوض. وهذا كله من جانب شارون يعطل عليه مشروعه الذي يبدو أن الرئيس الأميركي نجح في تسويقه أو على الأقل وضعه في موقع القوي المتفوق على الخصم في وقت باتت الدول العربية ضعيفة إلى درجة أنها أصبحت غير مؤهلة للتفاوض. وهذا ما صرح به علناً الرئيس جورج بوش لصحيفة إسرائيلية حين تحدث عن سورية الضعيفة التي تستطيع الانتظار. فالكلام الذي قاله بوش علناً عن سورية نفذه شارون حين رفض تلبية دعوة بلير إلى حضور «مؤتمر السلام» في لندن بحضور السلطة الفلسطينية وربما بعض الاطراف العربية.

السلام مع من وضد من ولمصلحة من؟ هذا هو جوهر منطق الرفض الشاروني لدعوة بلير. كذلك الحرب مع من وضد من ولمصلحة من؟ هذا هو أيضاً المنطق المضاد لجوهر الرفض الشاروني. فمن يحارب يفاوض ومن لا يحارب لا يفاوض، ومن يستطيع فرض شروط السلام يستطيع أن يفرض شروط الحرب، ومن يعجز عن الحرب يفشل في السلام. هذا هو أساس المنطق الذي انطلق منه شارون لتبرير رفض دعوة بلير. فالمؤتمر بنظر رئيس الحكومة الإسرائيلي لا قيمة له لأنه يحصل بين طرف قوي ومتفوق وقادر على فعل ما يريده سياسياً وميدانياً وبين أطراف ضعيفة ومفككة وخائفة وغير قادرة على تقديم أي شيء لا في الميادين ولا في السياسة... وذلك لسبب بسيط هو انها باتت في موقع ضعيف لا تملك الكثير لتقديمه في المفاوضات.

رفض شارون دعوة بلير لأنه وجد أنه سيكون الطرف الوحيد القادر على التفاوض وبالتالي لابد له أن يقدم ما امتلكه عنوة إلى طرف لا يملك مقومات قوة لاستعادة حقوقه. فالتفاوض بنظر شارون هو تنازل طرف قوي عن مكاسب إلى طرف ضعيف غير قادر على تحصيل حقوقه.

إنها فلسفة القوة. والقوة حين تصل إلى متبغاها تصبح في موقع أعلى من التفاوض مع ضعفاء

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 841 - الجمعة 24 ديسمبر 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً