العدد 2827 - الأربعاء 02 يونيو 2010م الموافق 19 جمادى الآخرة 1431هـ

حسين المحروس: تأخذك الصور إلى قصة المجلسين بما يشبه التقرير السينمائي الحيّ

على هامش تدشين كتاب «ديمقراطية 73 الشعب في التجربة»

«كنت أحتاج إلى: المضابط، اللقاءات الشخصية، الوثائق، الصحافة المحلية والخارجية، المجلات، لفهم هاتين التجربتين، أو على الأقل الاقتراب منهما، من صورهما الفوتوغرافية. كانت العملية شاقة للغاية. بدأت في النصف الثاني من العام ولم تنته إلا في مطلع م. كان عدد الصور أكثر من صورة التقطها عبدالله الخان في خمس جولات غير الافتتاحيات بثلاثة أنواع من الكاميرات ذكرت تفاصيلها في الكتاب. كلّها تحكي قصة المجلسين في أشكال مختلفة من العروض، ومن البيانات، والقصص والحكايات. الكتاب يأخذك إلى قصة نمو المجلسين بما يشبه التقرير السينمائي الحيّ» هذا ما صرح به المصور الفوتوغرافي حسين المحروس على هامش تدشين كتاب «ديمقراطية 73 الشعب في التجربة» في بيت البحرين للتصوير الضوئي بالاشتراك مع المصور الفوتوغرافي عبدالله الخان.

حسين المحروس، هل لك أن تعرف قراء الوسط على كتابك (ديمقراطية 73 الشعب في التجربة)

- هذا السؤال طويل بطول المشروع كلّّه. كنت أعمل في مشروع بصري آخر له علاقة بالعمارة. رحت أجمع المصطلحات والكتب القليلة جدا في هذا المجال. وهذه طريقتي عند كل مشروع، وقبل أن أفتح ورشتي على الصور وتفاصيلها، أفهم الجهة التي تنتمي إليها، عالمها، مجالها، طقسها، قبل الدخول في سياقات الصورة وزمنها والحدث فيها. في هذه المرحلة فطن صديقي عبدالله الخان هذا المصور الذي لن يتكرر هنا، فطن إلى أن المشروع سيكون طويلاً ولن ينتهي عاجلاً، فعاجلني بمشروع آخر. حدث بيني وبينه جدال حول الانتقال للمشروع الجديد فسألته وكنا عائدين من رحلة تصوير في أواخر العام لماذا كلّ هذه العجلة؟ فيقول: «حسين... أنا في سباق مع الزمن ولستُ مثلك... أنا أحارب الزمن كلّ يوم وأخشى أن يصرعني وفي بالي مشاريع كثيرة لم تتحقق بعد». ينتهي من هذه الجملة فيعمّ الصمت فترة. لا أظنني أفهم حربه تلك كما يفهمها. بعدها قال: عندي مشروع آخر لن يحتاج وقتاً طويلاً لكي تنجزه، لدي ملفات صور المجلسين التأسيسي والوطني بالأسود والأبيض... ما رأيك؟

- وهذا المشروع؟

- نؤجله، نجعله المشروع الثالث، ما رأيك؟

الصور بالأسود والأبيض وحدها مغرية، لا يملّ الناظر فيها. إنّها فعلاً تستحق أن توضع في كتاب يليق بها. اتفقنا على المشروع الجديد وتأجيل الآخر على الرغم من أهميته الفنيّة.

لقد ذكرت تفاصيل هذه القصة في مقدمة الكتاب. على كل حال لقد تمّ فتح الورشة: مضابط المجلسين التأسيسي والوطني... لابدّ من قراءتها كلها، كنتُ كمن يغالب المقارنة مع هذا المجلس الحالي، أعني تجربة البرلمانية حتى الآن، لا فائدة، إنّه أمر طبيعي ويحدث وليس من الصواب مقاومته فلا يمكن القيام بالفصل، ولا يمكن الذهاب إلى تلك التجربة وقراءتها بمعزل عن تجربة عشناها وبانت هشاشتها، وضعف - بالنسبة لي - كلّ شيء فيها.

الصور على الطاولة، لا يمكن فهمها أحيانا بالمضابط وحدها على الرغم من غناها. لابد من إجراء لقاءات مع مَنْ بقي من المجلسين. رحت أبحث عن الأحياء منهم: محمد حسن كمال الدين، علي فخرو، عبدالهادي خلف، محمد سلمان المحامي، وعلي ربيعة الذي طردني لما حاولت معرفة المزيد عما حدث في دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الأوّل. وهو الدور الأخير أيضاً فقد استقالت الحكومة في أغسطس/ آب 1975 بعد أن تغيبتْ عن حضور المجلس ثلاثة أسابيع بعد جدل طويل حول قانون تدابير أمن الدولة. ولا شيء في الدستور يوضح كيف يمكن التعامل مع موقف من هذا النوع. وفي يوم 26 أغسطس 1975 صدر عن المغفور له أمير البلاد بقصر الرفاع مرسوم رقم (14) لسنة 1975 يقضي بحلّ المجلس الوطني، كما صدر أمر أميري رقم (4) لسنة 1975 بتأجيل انتخابات المجلس إلى أن يصدر قانون جديد. لقد دخلت في صلب كتاب ربيعة القادم. رفض إعطائي المزيد فلجأت إلى الاستفزاز الذي نجح إلى حدّ ما. فلما تبين له قال «شكلك بتخرفني خراف؟ قوم قوم اطلع قوووم. ههههه» وضحكنا معا، حصلت على معلومات مهمّة.

حدثني علي فخرو بصياغات ومصطلحات وأسلوب مداخلاته في مضابط المجلسين. قال لي معلومات فتحت لي بعض إشكالات المضابط وخصوصا قضيتي الاختلاط وتوليد الرجال للنساء. كثفتهما في الكتاب مع تعليقات علي فخرو وبعض ما جاء في صحافة تلك الفترة. وهذا المصدر المهم الآخر الذي لجأت إليه الصحافة، الصحف والمجلات.

محمد سلمان حماد المحامي سرد عليّ قصة النزاع في حي النعيم بين المتدينين واليسارين وتفاصيل كثيرة لا يحتملها الكتاب، كما حكى لي قصته مع رئيس المجلس الوطني حسن الجشي حول الشاي والبسكويت في استراحات المجلس، كرهت ذكرها في الكتاب. محمد حسن كمال الدين العليم بالمجلس التأسيسي وأعضائه وبعض مما حذف من تلك المضابط جلست معه ثلاث جلسات في بيته.

أحد الوزراء الذي كان عضواً في المجلسين وعدني بعد أن استلم نسخة مصغرة من الصور بسرد قصة لكلّ صورة، لكنه طبعاً لم يفعل وحين طالبت باسترجاع الصور التي على بعضها ملحوظاتي رفض حتى تسليمي نسخة أخرى من الصور. لقد تصرف بهذا الشكل.

لكن المفاجأة الأجمل لقائي بجاسم عبدالرحيم الحمراني وكيف عمل في تأسيس المكتب الأول المنوط به الإعداد لانتخابات الملجس التأسيسي المكلف بوضع دستور للبلاد. هنا عرفت التفاصيل الأولى لأهم حدث بعد الاستقلال. لقد حدثني عمّا لا يعرفه أحد عن إبراهيم العريض.

كيف بدأت حكايتك مع المصور الفوتوغرافي عبدالله الخان؟

- عبدالله الخان هذا الإنسان أكاد أجزم أحياناً أن لا أحد يعرفه. عفوية لا حدود لها، وهذا العصر لا يناسبها. استفاد من عمله في بابكو، ومن دراسته في انجلترا فصار منظماً حدّ الإحراج. لم أقو على مجاراته في كلّ هذا الترتيب والنظام قطّ. لم أقو على فهم حيويته أيضاً. رقيق مع القريبين منه، عطوف عليهم، مراقب لتصرفاتهم وخصوصاً ما اعوجّ منها. كثيرون لم يفهموه. ينام والكاميرا في يده. يحبّ كلّ جديد، ولم يتأخر كثيراً في قبول الانتقال من التصوير الفيلمي إلى التصوير الرقمي. قال لي مرّة «هذا سحر كبير، وإن التصوير الرقمي خدم البيئة خدمة غير عادية» ثمّ مضى في التفاصيل. كنت أكتب وأدون كلّ شيء يقوله لي عن التصوير. التفت مرة وكنا في شنغهاي وقال «لو أنّي دونت - مثلك - كلّ شيء لكان تاريخ التصوير في البحرين بكل تفاصيله هنا. فكيف تفعل أنت ذلك ولا تملّ؟»

في العام كنت في مكتب الصديق حسين علي في مبنى «مؤسسة الصقر» وذلك حسب موعد مبرم مع الخان لبدء تدوين سيرته كفصل مهم في مشروعي «سيرة الصورة الفوتوغرافية في البحرين» من العام حتى الذي أنجزت منه الكثير. دخل علينا المكتب وقال: «أنت حسين المحروس. أنا عبدالله الخان» وقبل ترحيبي به ومازلنا وقوفاً قال: «شوف أخوي حسين. أنا لا أحبّ أن يعرف أحد أنّي مصور فوتوغرافي. ولا أؤيد تدوين سيرتي في التصوير. ولا أريد أن يتعلم أحد من أولادي التصوير. وهذه الصور التي عندي سوف أحرقها، زين، زين؟ مع السلامة»

غادر المكتب وظللت واقفاً مدّة... لم أكن مهيأً لهكذا موقف. كان مزاجه في ذلك اليوم سيئًا للغاية، أضف إليه حساسية مبدع مثله. لكني لست الذي ينسحب من مشروع يعشق العمل فيه. أكره اليأس وأنهض في وجهه مراراً ولا أيأس في أن البطة يمكن أن تصبح حمامة في يوم ما... كفاءة المرء في نهضته في وجه اليأس. ظللت أتابعه وأترقب موعداً آخر فيه الكثير من التفاؤل. وكان. اقترحت في العام إقامة معرض فوتوغرافي للخان في مركز الفنون بترتيب من إدارة الثقافة والفنون أتولى أنا مسئوليته ومتابعته. وطبعاً هذا المعرض يحتاج كتابا تعريفياً بعبدالله الخان فكانت سيرته «عبدالله الخان... الضوء عيون» التي ترجمت لاحقاً إلى الإنجليزية من قبل فاطمة الحلواجي للنشر في كتاب منفرد لاحقاً يجمع المادتين. كنا نلتقي يومياً في مكتبي في إدارة الثقافة ندون ونسجل السيرة. في اليوم الأخير استخرج كاميرا صغيرة وصورني صورتين. من هنا توثقت علاقتي بالخان وبدأنا في مطلع العام العمل على أوّل المشاريع «المحرق... وردة البحر». أنا فخور بهذا الإنسان، وتجربته مع التصوير غير عادية. ملازمتي له أكسبتني الكثير. أنا محظوظ.

كيف كانت رحلتك مع الصورة وخصوصا أنها تمثل ذاكرة ربما تلاشى الكثير من تفاصيلها، وقد حاولت أن تقبض على ما تلاشى من المضابط بما تبقى في الذاكرة؟

- هذه حكاية طويلة يا صديقي. عندما تكون الصورة تاريخاً بهذا الحجم وتجربة بهذا الشكل عليك أن تتأنى كثيراً في النظر إليه، وتهتم حتى بشكل الأزياء فيها، وحركة الشخص، وسلوكه. لكن ليس بالضرورة أن تعينك الصورة على إيضاح حدث ما في التاريخ. الذين يتصورون ذلك ويعتقدونه موهومون. سوف تقرأ الكثير في الصور. فعندما تقرأ حكاية «توليد الرجال للنساء» التي أبلى فيها علي فخرو بلاء غير عادي وكان هو الفاعل الأكبر في إفشال سن قانون «منع الاختلاط» في الصحة والتربية الذي تقدمت به الكتلة الدينية. عندما تقرأ تفاصيل ذلك تتصور عناء فخرو ثمّ تنظر إلى صورته مهموماً شارداً يقلب ملفاته في المجلس تدرك ولو بشكل يسير أن القضية أخذته عن كلّ شيء. وعندما تنظر لرئيس المجلس الوطني حسن الجشي وهو يهوي بمطرقته منزعجاً سوف تأخذك هذه الصورة للشيخ إبراهيم بن سلمان آل خليفة وهو يزعج الرئيس ويسأل عن خلو مقعد عبدالهادي خلف منه ويطالب بوضع موضوع إسقاط عضويته للمناقشة فيصرخ الرئيس «ليس لدينا موضوع اسمه عبدالهادي خلف» وما حدث لاحقاً من جدل.

ما أردت أن أعنيه أنه عندما تعمل في مشروع من هذا النوع سوف يرميك النص على الصورة، وتخدعك صورة أخرى بمناسبتها لجدل ما في المجلسين. سوف تكون لعبة. وعليك الحذر والتقليل من الربط بينهما، والتواضع.

ما أهم الصعوبات التي واجهتكما في صناعة الكتاب؟

- فهم ما حدث في المجلسين وتجربتهما في سياقهما الزمني. غياب أرشيف بحريني منظم يمكن أن ترجع إليه. محاولة البحث عن المواقف والحكايات الإنس

العدد 2827 - الأربعاء 02 يونيو 2010م الموافق 19 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً