العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ

المنشآت الوهمية... والاتجار بالبشر

من الجميل أن تتناول الدول مناقشة موضوع التجارة بالبشر، فهو مطلب أخلاقي ديني من الدرجة الأولي وأخلاقي. فجميع البشر لهم كرامة يجب أن تصان وعليه يجب أن تشرع القوانين لصون إنسانية البشر كافة ومنع استغلالهم ماديا أو جسمانيا، ولكن الغريب أن هذه المطالب والدعوات لا تعد سوى للاستهلاك الإعلامي... ففي مملكة البحرين قد تم سن قانون يجرم الاتجار بالبشر وأوكل هذا القانون وزارة الخارجية إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، كما نص القانون على إنشاء لجنة تقييم وضعية الضحايا الأجانب للاتجار بالأشخاص! وعلى رغم هذه القوانين مازالت تمارس هذه التجارة البغيضة بشكل مختلف بعض الشيء، ففي البحرين هناك ما يسمي بالفري فيزا!

فهؤلاء أيضا من البشر وهم يتم جلبهم ويتاجر بهم مقابل بضعة آلاف من الدنانير! وهؤلاء يعملون بيننا وعلى المكشوف!

فالبعض منهم يمارسون غسيل السيارات في المواقف العامة وفي الطرقات! وهناك من ينتظرون عند مداخل المدن وفي الأسواق العامة وعند مواقف الباصات أو السيارات، وهم أيضا يعملون علي المكشوف، وهناك من يعملون في الفنادق وهم غالبيتهم من الإناث، وهؤلاء أيضا يعملون على المكشوف! فأين السلطات الرسمية من هذا كله؟

نعم هناك جهود تبذل من قبل شرطة الآداب ولكنها محصورة في كشف الفئة الأخيرة تحت تهمة الدعارة! فهناك خلل واضح في وزارة العمل وهناك خلل واضح في إدارة الهجرة والجوازات والإقامة وهناك خلل واضح في هيئة تنظيم سوق العمل، وهناك خلل واضح في الأمن بصفة عامة!

صرح مسئول في هيئة تنظيم سوق العمل (وهي هيئة مستقلة... ومستقلة جدا لكونها لا تتبع أى وزارة من وزارات الحكومة الموقرة) بأن هناك ما يزيد على 20 ألف منشأة وهمية في البحرين، أي ما يعادل وجود في المتوسط 4 أشخاص لكل مؤسسة وهمية أى أن هناك 80 ألف عامل يتم المتاجرة بهم أو الاتجار بهم واستغلالهم بسبب العوز والحرمان والفقر! أليس أصحاب هذه 20 ألف منشأة وهمية هم من ممارسي الاتجار بالبشر؟

من المؤكد أن هذه المنشأة لم تنشأ أصلا تعاطفا مع حالتهم البائسة الفقيرة!أو تنمية للاقتصاد الوطني أو التجاري! فمن المعلوم فقد بلغت قيمة تأشيرات العمل في السوق المحلي إلى -/1700 دينار للفرد الواحد، سعر مغري خاصة لأصحاب الجشع والاستغلال الفاحش الآدمي والبشري، تستخرج لهم تصاريح العمل مقابل مبالغ مالية كدفعة واحدة أو تستحصل منهم على دفاعات شهرية!

أليست هذه المنشآت مسجلة تسجيلا رسميا في وزارة العمل وفي هيئة تنظيم السوق وإدارة الهجرة والجوازات... فهذه المنشآت لم تنشأ من فراغ!

وأضاف المسئول في سوق تنظيم العمل أن هناك 126 منشأة في قطاع المقاولات قامت بتوظيف عمالة وطنية ومن ثم قامت بالاستغناء عنها! وهناك ما يقارب من 15 ألف بلاغ هروب أو ترك العمل! وهنا مجرد تساؤل لماذا هناك 20 ألف شركة وهمية على مسئوليتها أو كفالتها 80 ألف عامل في المتوسط؟ ولماذا هناك 126 منشأة قامت بتوظيف عمالة وطنية ومن ثم تم الاستغناء عنهم؟ ولماذا هناك حالات هروب أو بلاغات بترك العمل؟ هل هناك تجارة بالبشر؟ هل هناك إساءة لمعاملة العمالة الأجنبية ؟ ولماذا يتم الاستغناء عن العمالة الوطنية؟

إن قضية المتاجرة أو الاتجار بالبشر قضية أخلاقية من الدرجة الأولى ولكن على رغم وضوحها ومعرفة مرتكبيها رسميا، إلا أن تفعيل القوانين والتشريعات للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة مازالت شكلية أو نظرية وهي بالتالي تفتقد إلى الموضوعية وإلى الجدية، إن الجميع وكل صاحب فطرة سليمة ينبذ فكرة الاتجار بالبشر واستغلالهم بسبب العوز والفقرلكونها نوعا من العبودية البغيضة ولكن مجرد نبذ الفكرة وحدها أو إصدار القوانين والتشريعات واللجان الرسمية لن يكون ذا جدوى إن لم توجد الجدية والإيمان بهذه المبادئ السامية لصون كرامة الإنسان وحفظ أدميته!

هناك الكثير من الدعوات والتوجهات من الخارج ومن الداخل، ولكنها تظل حبيسة الأدراج والملفات وحبيسة بعض الأشخاص المتورطين فيها أصلا!

في مملكة البحرين تلك الدولة الصغيرة هناك الكثير من الحلول لحل هذه المشكلة غير الأخلاقية ولكن يغلب عليها كونها شكلية ومن! لماذا لا تقوم السلطات الرسمية بتشكيل هيئة تنفيذية أو جهاز تنفيذي يتكون من وزارة العمل والداخلية والنيابة العامة وهيئة تنظيم سوق العمل للبحث في وضعية المنشآت الوهمية، فهي أصل المشكلة وبالتالي تطبيق القانون العادل وعلى الجميع ومن دون استثناء أو محاباة أو محسوبية، فنظم المعلومات والبيانات الخاصة بهذه المنشآت من المفترض أن تكون متوافرة لدى الجهات الرسمية التي تشمل المؤسسات الحكومية والمؤسسة الخاصة التي تشمل هيئة تنظيم سوق العمل!

ومن ثم إنشاء فرق تفتيش قانونية لحل مشكلة الفري فيزا أو العمالة الهاربة التي كثر الكلام عنها وانعدمت الحلول سواء بقصد أو من دون قصد!

إن كرامة الإنسان سواء كان ذكرا أو أنثى، طفلا أو بالغا، يجب أن تصان وآدميته يجب أن تحفظ من الاستغلال البشع من قبل أصحاب النفوس الجشعة المنتشرة بيننان والتي يأخذ أصحابها حججا واهية مشبوهة تحت مسميات مختلفة تحت تنمية الاقتصاد والاستثمار والسياحة والرفاهية، إن الاتجار بالبشر بجميع أنواعه وتعريفاته ومصطلحاته يعد فسادا أخلاقيا وفسادا اجتماعيا وفسادا اقتصاديا وفسادا ثقافيا وفسادا سياسيا وبكل ما لهذا الكلمة من معني.

خالد قمبر

العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً