العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ

الكُلفَة الحقيقية لحرب العراق (1)

حرب الثلاثة تريليونات دولار

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مازالت حرب العراق تثير جدلاً غير مُنتَهٍِ. ورغم مُضي سبعة أعوام على سقوط بغداد، وتشكّل مجلس الحكم (12 يوليو/ تموز 2003 – 01 يونيو/ حزيران 2004) ثم وزارة إياد علاوي (28 يونيو 2004 – 06 أبريل/ نيسان 2005)، وإبراهيم الجعفري (07 أبريل 2005 – 20 مايو/ أيار 2006) ونوري المالكي (20 مايو 2006 وإلى الآن كحكومة تصريف أعمال) على التوالي إلاّ أن ظروف العراق الصعبة عادة ما يتمّ إرجاعها إلى المربّع الأول القائم على هذا السؤال الجوهري: هل قرار احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين كان صحيحاً؟.

بطبيعة الحال، ولأن أوضاع العراق مُعقّدة جداً، فقد تنوعّت مسائل الإشكال حول الإجابة الوافية على ذلك التساؤل ما بين سياسية واقتصادية وحتى دينية بعد اشتعال الحرب الطائفية عقب تفجيرات سامرّاء المشئومة. لذا، فقد نال القائمون على قرار الحرب نقداً لاذعاً قبل ابتدائها في 19 مارس/ آذار 2003، ثم زاد ذلك النقد بعد ظهور النتائج الكارثية التي أعقبت سقوط بغداد، مُنسحباً ذلك حتى على الحلفاء داخل اليمين الأميركي، فضلاً عن الدراسات النقدية لجوقة غير قليلة من الباحثين وأساتذة الجامعات سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا.

باعتقادي، وحسب الادّعاء بمتابعة ما كُتِبَ ويُكتَب عن العراق ما بعد الاحتلال، فإن أهم تلك الدراسات كان بحث البروفيسور جوزيف ستيغلتز أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، والدكتورة ليندا بيلمز أستاذة السياسة العامة والموازنة بكلية كينيدي في جامعة هارفارد والمُعنوَن بـ «حرب الثلاثة تريليونات دولار... الكُلفة الحقيقية لحرب العراق». وهو كتاب ثرِي يقع في 358 صفحة من القطع الكبير، ويُعالج أكلاف الحرب الاقتصادية وأيضاً الاجتماعية، سواء على الولايات المتحدة أو على العالم بأسره.

ونظراً لأهميّة تلك الدراسة، فقد قمت بـ»إعادة قراءة» لما جاء في الكتاب، وتظهير أهم الأفكار بالاعتماد على نصوصه القيّمة، والتدعيم اللازم للإحصائيات المُذهلة التي صاحبته. مستعيناً برؤية شخصية «مُعَقِّبَة» على النصوص وراء كلّ عنوان وفكرة. وهو في حقيقته مسعىً جاد، أردت من خلاله إطلاع القارئ على الوجه الآخر لهذه المأساة، والتي كَتَبَ عنها أصحابها، أو من يصِلونهم في القومية والانتماء السياسي، لكي يقِف الجميع أمام تجربة «بحثية فريدة» يستطيع القارئ من خلالها تكوين رؤية موضوعية لتجربة ما بعد احتلال العراق، بدون زيادة أو نقصان.

ولأن الباحثَيْن هما من روّاد علم الاجماع، ومتخصصان في الاقتصاد وإعداد الموازنات «علمياً» فقد اعتمدا على عنصر»الصّدمة العدديّة» مع التصدير للكتاب بعدد من التساؤلات المُجابَة بالأرقام. ماذا تُنفِق (وماذا أنفقت) الولايات المتحدة على حروبها. ثلاثة تريليونات (رقم واحد وإلى جانبه 12 صفراً) هي أكلاف الحرب، وستة تريليونات أخرى خسائر العالم جرّاء الحرب على العراق. 4.3 مليارات دولار تُنفقها على شكل تعويضات مالية ومعاشات تقاعد وإعاقة لأكثر من 200 ألف جندي مُسرَّح قاتلوا في حرب الخليج الثانية. وهكذا دواليك.

يتضمّن هذا السِّفْر، ثمانية فصول، يتحدّث في الفصل الأول عن كيفية المسار العلمي الذي من خلاله توصل الباحثان فيه إلى الرقم: ثلاثة تريليونات دولار ككُلفَة حقيقية علمية للحرب. وفي الفصل الثاني عن الكُلفَة على موازنة الولايات المتحدة. وفي الفصل الثالث عن كلفة العناية بالجنود المُسرّحِين، وفي الفصل الرابع عن الأكلاف غير المرئِية للحرب، وفي الفصل الخامس عن الآثار الماكرو - اقتصادية، وفي الفصل السادس عن آثار الحرب على العالَم. أما في الفصلَيْن السابع والثامن، فقد خُصِّصا للحديث بإسهاب عن فشل التجربة الأميركية السياسية والمعنوية في الحرب.

مدخل

يُثبِت الباحثان بأن العمليّة الحسابية لوضع الموازنات التي تعتمدها الولايات المتحدة الأميركية لاحتساب التكاليف هي «طريقة رديئة». وهي عملية حسابية خادِعة ومُضلّلة لا تعتمدها أيّ مؤسسة عامة خشية عرضها على «هيئة الأوراق المالية والبورصة الـ (SEC) نظراً لفداحة التضليل الذي يُفضي إلى نتائج مالية وحسابية غير حقيقية وغير واقعية. لذا فقد اعتمد الباحثان على خارطة علمية «مُحَكَّمة» للخروج بقيمة موضوعية حقيقية للكلفة.

إطار العمل

كانت العملية الحسابية المُتّبعة لإنجاز البحث تقوم على 10 خطوات. (1) إجمالي الاعتمادات/ النفقات ذات الصلة بالعمليات العسكرية حتى تاريخه. (2) إضافة نفقات العمليات والمُدّخرات المستترة داخل بنود أخرى في موازنة الدفاع. (3) تصحيح الأرقام على ضوء التضخم والقيمة الزمنية للمال. (4) إضافة النفقات التشغيلية المستقبلية. (5) إضافة أثمان الإعاقة الجسدية المستقبلية (والحالية) ونفقات العناية الصحيّة بالجنود.

(6) إضافة الأكلاف المستقبلية لاستعادة القوات المُسلّحة قدرتها التي كانت لها قبل الحرب، واستبدال الأسلحة المهستلكة بأخرى جديدة، وتصليح وترميم المُعدّات التي أرجئت صيانتها. (7) إضافة أعباء الموازنة الواقعة على أقسام الحكومة الأخرى. (8) إضافة الفوائد. (9) تقدير الكُلفة المترتبة على الاقتصاد. (10) تقدير الآثار الماكرو – اقتصادية وهو الاقتصاد الكلّي والشامل والأكبر في قبالة الاقتصاد الأصغر.

سيناريوهان وأربع خطوات

لقد اعتمد الباحثان على سيناريوهين محتمَلَيْن للوصول إلى النتائج. الأول: وسمّياه بـ «سيناريو الحالة الفُضلَى» وهو الذي يتحدث عن الكُلفة الدنيا للحرب. والثاني: هو «السيناريو الواقعي المعتدل» المحافظ الذي لا يعكس الكلفة الحقيقية. ثم قسّما الكلفة الميزانية إلى أربع فئات. (1) المال المصروف مباشرة. (2) التكاليف المستقبلية لمواصلة الحرب. (3) النفقات المستترة؛ كالزيادات الطارئة. (4) كلفة الفائدة على كلّ تلك الأموال المستقرضة لخوض الحرب.

بالتأكيد فإن الباحثَيْن لا يتكلمان عن حالة إفلاس للولايات المتحدة بقدر الإجابة على تساؤل اقتصادي وجيه: ما هي نفقة الاختيار؟ (Opportunity Cost). بمعنى أن الأولى كان غير الذي حَدَث. كان مبلغ بحجم ثلاثة تريليونات كافٍ لبناء ثمانية ملايين وحدة سكنية داخل الولايات المتحدة. وكان قادراً على توظيف 15 مليون مُعلّم. والإنفاق على 120 مليون طفل للدخول في مدارس إعدادية خاصّة. وضمان 530 مليون طفل صحياً. وتأمين منح مدرسة لـ 43 مليون طالب في الجامعات الأميركية طوال أربع سنوات.

ضياع العقول والقلوب

لقد ضاع حُلم «نموذج» مارشال في الشرق الأوسط والذي كان سيُكسِب الولايات المتحدة قلوب وعقول الشعوب. كيف ضاعت تلك الأموال وكأنها «صُبَّت في بالوعة» في الوقت الذي كانت الاستطاعة موجودة لدى البيت الأبيض والكونغرس في جعل جزء من الناتج الإجمالي للولايات المتحدة وهو 0.7 مُخصّص لأؤلئك البشر المُستَهدَفين. ولم يعد إنفاق 5 مليارات دولار في إفريقيا (والتي تساوي عشرة أيام قتال في العراق فقط) كافية لتحسين صورة الولايات المتحدة هناك. أو تخصيص ذلك للمساعدات الخارجية لثلث قرن قادم. فالحرب قد أعادت الأمور إلى أسوأ مما كانت فيما خصّ الحضور الأميركي «النموذجي» في العالَم.

ربما عجِزت الولايات المتحدة عن إدراك ذلك لِسكرتها جرّاء النصر الواهم والواهِن في بداية الغزو. فإذا كان الجيش العراقي قد دخل في حرب هالكة ومُهلِكَة مع إيران طيلة ثمانية أعوام، وخسر بعدها بعامين فقط 105 آلاف جندي في حرب الخليج الثانية، ثم أجهِزَ عليه ببطء عبر حصار خانق وظالم طيلة 12 عاماً، فمن السُّخف أن يرفع الأميركيون شعار «المهمّة أنجزَت» ولما يمضي على الحرب ستة أسابيع. فهذه لم تكن معركة، وإنما سعلتها الأولى. (وللحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:03 ص

      عشنا او شفنا

      كل الخسائر الامريكيه متمثلتا بثلاثه ترليون دولار والاوضاع المترديه من بعد سقوط بغداد 2003 الى الان لهي اكبر خساره للبشريه من حروب لان احصائيات الحرب الفيتناميه اقل خساره من جميع النواحي الماليه والبشربه والبيئيه ولكن سبي الله ونعم الوكيل على الخونه من سهل فتح الحدود العراقيه للجيوش وخانوا بلدهم ,هذا مردود الخيانه قتل وسلب ونهب وتهجير وعدم الامن والضحايا بالالوف ؟ والحرب على افغانستان من 2000 وليس من 2003 ولكن مقارنتا باوضاع العراق النسبه لاتقارن والسبب ام تكن فيها خيانات من الداخل في افغانستان.

    • زائر 3 | 4:55 ص

      تناقض2

      الولايات المتحدة التي حاربت بريطانيا من اجل الاستقلال تأتي اليوم وتحتل بلاد العالم من بنما وحتى العراق وافغانستان! الولايات المتحدة التي تدعو الى ايجاد نظام صحي عادل للفقراء تمتنع عن التوقيع عن كل اتفاق يدعو الى خفض التلوث الصناعي! ما هذا التناقض

    • زائر 2 | 4:53 ص

      تناقض

      الولايات المتحدة بلد النظام والقانون تتورط في حرب بمثل هذه الخسائر والتضليل! الولايات المتحدة بلد حقوق الانسان تتورط في عمليات التعذيب والايهام بالغرق! الولايات المتحدة بلد الانتخابات وحرية الصحافة تقوم بقصف مكتب قناة الجزيرة في أفغانستان! وتريد ضربه في الدوحة او شرائه من الحكومة القطرية!

    • زائر 1 | 3:46 ص

      تقدير

      شكرا للكاتب على هذا العرض متمنيا عليه ان لا يغفل تغطياته الشيقة والموضوعية عن الملف الايراني فهو ايضا مهم ليس لنا فقط وانما للعالم اجمع

اقرأ ايضاً