العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ

الملف الفلسطيني والانقسام اللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الانقسام الطائفي الذي خرج إلى العلن في جلسة مجلس النواب اللبناني بشأن ملف الحقوق الاجتماعية للفلسطينيين أعاد تذكير الناس بهشاشة الهدنة الطائفية في بلاد الأرز ومدى صعوبة احتواء الفروقات السياسية التي تخترق أحياناً التحالفات المؤقتة بين المجموعات الأهلية. فالانقسام أعاد فرز 8 و14 آذار إلى تكتلات هي أقرب إلى تمثيل الشارع الطائفي مما هي تعكس رؤية سياسية تتعامل مع الواقع بعقلانية تتجاوز مخاوف مفتعلة وغير دقيقة في تصوراتها.

ملف حقوق الفلسطينيين في لبنان المسكوت عنه منذ النكبة في العام 1948 يشكل أحد وجوه الأزمة الطائفية في بلد تتعايش الأقليات الكبيرة والصغيرة على أرضه منذ تأسيس دولته في العام 1920. فهذا الملف تعرض للتأخير والتأجيل والتسويف على مدى عقود لأسباب طائفية تتصل مباشرة بالتوازن الديموغرافي واحتمال تأثيره على نظام يعتمد معادلة المحاصصة في توزيع المواقع والمناصب. وبسبب هذا الهاجس الديموغرافي الذي يفضي تعديله إلى غلبة طوائف مسلمة على طوائف مسيحية تم الاتفاق الضمني على تجاهل الملف الفلسطيني حتى لا تتورط بلاد الأرز في مشكلة تزعزع استقرارها الأهلي.

التأجيل لم يكن لمصلحة لبنان لأن التهرب من المسئولية ساهم في مفاقمة المشكلة وتحويلها إلى نقطة ضعف في هيكل الدولة ما فتح ثغرة في جدار الطوائف ودفع القوى السياسية المحلية إلى الدخول في تجاذبات أهلية وصلت إلى مواجهات مسلحة محدودة ثم تطورت إلى حروب داخلية - إقليمية دمرت الاقتصاد والموقع والدور وأنهكت المناطق بالمجازر والمذابح المتنقلة من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت إلى البقاع.

الملف الفلسطيني في لبنان كان أحد المسببات التي أدت إلى الانفجار الأهلي في العام 1975 وذلك لعوامل بعضها خارج عن إرادة اللبنانيين (احتلال فلسطين وطرد أهلها) وبعضها الآخر يتحمل اللبنانيون جزءاً من المسئولية بسبب الإهمال وعدم تعاطي الدولة عقلانياً مع مسألة طارئة وتحتاج إلى حلول واقعية لاحتواء تفرعاتها وتداعياتها.

آنذاك تعاطت السلطة اللبنانية مع ملف النزوح الفلسطيني بوصفه مسألة مؤقتة مراهنة في رؤيتها على أن موضوع العودة لن يتأخر دولياً باعتبار أن الأمم المتحدة أصدرت قرارات واضحة بهذا الشأن.

بسبب هذا الخطأ في التقدير استمر الملف الفلسطيني يتأرجح بين المؤقت والدائم وأخذت السنوات تمر وتتعاقب الأجيال من دون التوصل إلى حيثية قانونية تعالج أزمة إنسانية تحتاج إلى حلول بعيدة المدى تستوعب نمو الحاجات واتساع المتطلبات الناجمة عن الولادات وما تعنيه من ضمانات اجتماعية (تربوية وصحية).

النمو السكاني الفلسطيني الذي تحاصر في مخيمات صغيرة لا تتوافر فيها الحد الأدنى من الرعاية الإنسانية ساهم لاحقاً في توليد أحقاد كان بالإمكان تجنبها لو أحسنت الإدارة الرسمية اللبنانية التعامل معها من موقع الحرص على الاستقرار الأهلي. وأدى إهمال الملف إلى تضخم المشكلة وانفجارها سياسياً في سلسلة معارك جانبية وجزئية أخذت تتواصل حلقاتها من العام 1968 إلى أن انفجرت أهلياً بسبب توزع الطوائف بين مؤيد للمقاومة الفلسطينية ومعارض لها.

الانقسام اللبناني الذي توالد منذ العام 1975 تأسس على مجموعة عوامل ودوافع لا تختزل بالعنصر الفلسطيني. إلا أن ملف المخيمات شكل أحد الأسباب التي ساهمت في جرجرة الطوائف إلى ساحات الاقتتال الأهلي وما أنتجته لاحقاً من تدخلات دولية وإقليمية تتوجت في العام 1982 باجتياح إسرائيلي أدى إلى احتلال بيروت وإخراج جيش التحرير الفلسطيني من العاصمة وارتكاب مجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا.

الخروج الفلسطيني الرسمي (القيادة والجيش) من لبنان بإشراف دولي لم ينه المشكلة، لأن ملف الحقوق الإنسانية والاجتماعية استمر يتفاقم طبيعياً في مخيمات لا تتوافر فيها الحد الأدنى من المتطلبات التي تلبي حاجات أجيال قيض لها أن تولد في بلاد الأرز. فالخروج المسلح لا يعني العودة وكذلك لا يوفر بالضرورة تلك المتطلبات المدنية التي تحتاجها عائلات تنتظر العودة وفي الآن لها حقوق بسيطة تتصل بتلك الضمانات الصحية والاجتماعية وحق العمل والتعويض وغيرها من فرص تتعلق بالدراسة والتنقل والإقامة والسفر والسكن.

الملف الفلسطيني في لبنان دخل الآن طور الجيل الثالث من الولادات ولاتزال الإدارة الرسمية تتعامل معه بصفته مسألة طارئة ومشكلة مؤقته ومجرد موضوع بسيط يحتاج إلى قرار دولي يسهل العودة إلى ديارهم. وما يزيد الأمر تعقيداً نمو حالات من القلق والتوتر والغضب حين تبادر بعض الأطراف إلى طرح الملف للعلاج. وأسباب المخاوف المتنامية تعود في معظمها إلى هواجس طائفية تؤرق زعماء تكتلات نيابية تتردد في اتخاذ خطوات شجاعة قد لا تفهم بشكل صحيح في الشارع الذي تمثله سياسياً. والفهم غير صحيح لأنه دائماً يربط الضمانات الاجتماعية بمسألة التوطين (التجنيس) وعدم العودة. وهذا الربط الخاطئ الذي ساهم سابقاً في انقسامات طائفية وأدى إلى تسهيل اندلاع الحرب الأهلية يبدو أنه لايزال يلعب دوره في الفرز السياسي وكأن الشعب اللبناني لم يتعلم تلك الدروس التي وفرتها ساحات الاقتتال على امتداد ربع قرن.

ملف حقوق الفلسطينيين لابد أن يعالج وبسرعة لأنه أصلاً يتجاوز مسألة التوازنات الطائفية ويتصل مباشرة بسمعة لبنان وتجربته «الديمقراطية التوافقية» كذلك يتعلق بموضوع الحاجة الإنسانية والتطور الطبيعي للأجيال والولادات وما يتطلبه من أمور بسيطة تساعد على الحد من الاحتقان وتفتح قنوات تصريف الكراهية وتمنع الانفجار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2843 - الجمعة 18 يونيو 2010م الموافق 05 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:43 ص

      عبد علي عباس البصري

      شكرا وليد انويهض على هذا الاستقراء المتوازن في القضيه الفلسطينيه على المستوى اللبناني ، بس القضيه لها محفزات خارجيه من الناحيه العربيه الانهزاميه ، ومن الناحيه التركيه والايرانيه واللبنانيه التقدميه ، (والصنكل )كما نسميه بالهجه العاميه اي السلسله حلقاتها تتبع بعضها بعضا لانها من نفس التدوير ومترابطه بنفس التشكيله نتج عنها قضيه فلسطينيه كمالها وتمامها حلقات من ايران والعراق وتركيا وسوريا ولبنان، فسلام على النائمين (نامو ولا تستيقضوا ما فاز الى النومو)

اقرأ ايضاً