العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ

سبعة مخاطر تهدد الإنسان العربي

تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009

اعتمد تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2009 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (المكتب الإقليمي للدول العربية) صورة شجرة للغلاف. فالتقرير وهو الخامس من نوعه (الأول صدر في العام 2002) اتخذ الشجرة لتغطية موضوعاته المتنوعة عن مشكلات المنطقة العربية. فالشجرة رمز وتعني الاخضرار والنمو والثمار وهي حتى تستمر في العطاء تحتاج إلى عناية دائمة لتعطي الإنسان ما يحتاجه من لوازم وغذاء. والشجرة أيضاً ترمز إلى الفروع والأغصان والأوراق وتغير المناخ ومخاطره عليها (الجفاف والتصحر والتساقط) واحتمال تراجع الأمن الغذائي وانعكاساته السلبية على رخاء الإنسان واستقراره إذا استمر الإهمال وعدم الرعاية.

رمزية الشجرة أعطت العنوان الرئيس مادة خصبة للتشعب والتفرع إلى عناوين جزئية شملت تغير المناخ، عدم المساواة، التصحر، الجوع، العنف، التلوث، اللاجئون، البطالة، الفقر، ندرة المياه، سوء التغذية، التمييز ضد المرأة، أزمة الهوية، التدخل العسكري، النزاعات الأهلية، والاحتلال.

غلاف التقرير شكل مقدمة تصويرية لما أسماه تحديات أمن الإنسان. ومن مدخل الشجرة (الغلاف) بدأ التقرير خطوته الأولى بإعادة تعريف المفهوم. أمن الإنسان مفهومياً يشكل ركيزة التنمية البشرية. والركيزة هي صلة الوصل بين التنمية والأمن وحقوق الإنسان.

من خطوة إعادة تعريف مفهوم الأمن أخذت خطوات التقرير تتوالى انطلاقاً من تحديد المشكلات الخارجية التي حددها بالنقاط الآتية: التلوث البيئي، الإرهاب الدولي، النزوح السكاني، تدهور النظام المالي العالمي، تفشي الأوبئة، تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر.

المشكلات الخارجية بحسب التقرير معطوفة على المشكلات الداخلية وهي محكومة بالنقاط الآتية: ضعف الدول (أنظمة فاشلة)، عدم القدرة على ضمان الحقوق الاجتماعية والحريات السياسية، شيوع الفقر والبطالة، النزاعات الأهلية، الصراعات الطائفية والعرقية والقبلية، واضطهاد السلطة وقمعها للناس.

كل هذه العناصر الخارجية والداخلية تؤدي في المطاف الأخير إلى انعدام أمن الإنسان. وانعدام الأمن يساهم في تقويض التنمية البشرية ويهدد سبل العيش وموارد الرزق.

ما هو السبيل لمنع المخاطر التي تهدد أمن الإنسان (التنمية والحقوق) وما هي الوسائل المطلوب اتباعها للحد من النزاعات الداخلية والحروب الخارجية والتدخلات العسكرية وأحياناً التغيرات المناخية السريعة؟

التقرير في نسخته الخامسة حاول الإحاطة بالمخاطر وتقديم أجوبة ونصائح للسلطات المعنية للأخذ بالأسباب والتعاون على احتواء التداعيات والنتائج المتأتية عن التدهور العام. وبناء على معلومات جمعها فريق الرصد والبحث والمتابعة توصل التقرير في خواتمه إلى تحديد المشكلات في قنوات متوازية تطرقت عموماً إلى جوهر الأزمة المتمثلة في العناصر الآتية: الضغوط على الموارد البشرية، أداء الدولة في ضمان أمن الإنسان أو تقويضه، انعدام الأمن الشخصي للفئات الضعيفة، التعرض للمخاطر الاقتصادية والفقر والبطالة، الأمن الغذائي والتغذية، الصحة وأمن الإنسان، انعدام الأمن جراء الاحتلال والتدخل العسكري الخارجي.

تحت هذه العناوين حدد التقرير سبعة مخاطر على أمن الإنسان وهي:

أولاً، الناس في بيئة غير آمنة وتشتمل على الآتي: الضغوط السكانية (النمو الديموغرافي)، التوسع الحضري (كثافة سكان المدن)، ندرة المياه، التصحر، تلوث المياه، التغيرات المناخية، والاحتباس الحراري.

ثانياً، الدولة والمواطنون وانعدام الأمن وتشمل الآتي: الهوية والتنوع والمواطنة، عدم الالتزام بالعهود الدولية، الإخفاقات الدستورية، تقييد الحريات، تدابير الأمن القومي، عرقلة سير القضاء، أمن الدولة وعدم الشفافية في دعوات الإصلاح.

ثالثاً، الفئات الضعيفة الخافية عن الأنظار وتشمل مسألة العنف ضد النساء (الزواج المبكر، الاغتصاب، القتل بداعي الشرف)، وموضوع الاتجار بالبشر (معاملة الوافدين، الإقامات، قوانين العمل، التمييز العنصري)، ومحنة اللاجئين أو المهجرين داخلياً.

رابعاً، النمو المتقلب وما ينتج عنه من ارتفاع نسبة البطالة وتفشي ظاهرة الفقر الدائم وعدم القدرة على تجاوز مواطن الضعف الاقتصادي والاعتماد على المواد الطبيعية (المصدر الوحيد للثروة) والاكتفاء بموارد محددة للتنمية.

خامساً، انعدام الأمن الغذائي يساهم في سوء التغذية وتوسع رقعة الجوع (تراجع إنتاج محاصيل الحبوب، وتدني الاكتفاء الذاتي).

سادساً، تحديات الأمن الصحي وصلته بالأنظمة (الضمان) والتمويل والمخاطر المتأتية من تفشي الأوبئة وانتقال الأمراض المعدية.

سابعاً، التدخلات الأجنبية والاحتلالات العسكرية والاضطرابات الأهلية، وهي في مجموعها تتضافر لتهدد أمن الإنسان واستقراره واضطراره للنزوح الداخلي بحثاً عن ملجأ أو للهجرة إلى الخارج لضمان المعاش ومورد الرزق.

كل هذه المخاطر السبعة تشكل بحسب ما ورد تباعاً في التقرير مجموعة ضغوط تهدد أمن الإنسان العربي. وإعادة تعريف مفهوم أمن الإنسان يوفر الإطار المناسب لإعادة تركيز التعاقد بين الدولة والمجتمع على أساس الأولويات الحيوية الأكثر تأثيراً في رفاه المواطنين واستقرارهم.

حتى نتوصل إلى الشروط الضرورية لتوفير الأمن في معناه الشامل للإنسان العربي يقترح التقرير العمل على تحقيق الطموحات الآتية:

أولاً، المحافظة على الأرض وصونها ورعايتها وحمايتها من التجريف وتقلبات المناخ.

ثانياً، ضمان الحقوق والحريات وتوفير الفرص من دون تفرقة أو تمييز بين فئات المجتمع.

ثالثاً، حماية الفئات الضعيفة (المرأة، الأقليات، المجموعات الوافدة) من التسلط الرسمي أو المجتمعي.

رابعاً، التخطيط لتنويع مصادر الدخل وتدعيم القواعد البنيوية للاقتصاد (المعرفة وتوفير فرص عمل).

خامساً، محاربة الجوع والقضاء على سوء التغذية (الأمن الغذائي، الكفاية في توفير السلع الأساسية).

سادساً، تأمين الضمان الصحي والارتقاء بمستويات الخدمات الطبية ومحاربة الأوبئة والأمراض المعدية.

سابعاً، منع التدخلات الأجنبية والإقرار بمبدأ السيادة بشرط ألا يكون ذريعة لانتهاك حقوق الإنسان، واحتواء النزاعات الداخلية وما تسببه من اضطهاد ونزوح وهجرة من خلال الحث على تطوير خطط الإصلاح السياسي.

الاقتراحات السبعة التي قدمها التقرير لمواجهة ما أسماه المخاطر السبعة هي صحيحة في مجموعها ولكنها طموحة في تعاملها مع واقع متهالك أو متراجع يحتاج إلى قراءة تتجاوز حدود الوصف والتمنيات. فالتقرير على أهميته نجح في تصوير المشكلات وتوضيح العقبات وفشل في وضع آليات قادرة على نقل البرامج من إطارها النظري إلى مجالها العملي. وافتقاد التقرير إلى الآليات أدى إلى اقتصار معالجاته على مستوى مناشدة السلطات والقوى المعنية بالتجاوب مع الاقتراحات من دون الدخول في تفصيلات تشكل في النهاية تلك الحواجز الافتراضية التي تمنع التعامل الجدي مع التحديات وما تتعرض له البيئة من تعديات سيكون لها تداعياتها السلبية على موارد رزق الإنسان.

المناشدة من دون توضيح آليات التعامل مع الواقع يترك المشكلات واقفة في مكانها تتراكم زمنياً وتتفاقم يومياً بسبب الإهمال أو التراخي في معالجة الأزمات التي تتضخم سنوياً.

إلى ضعف الجانب الآلي في احتواء التحديات تغاضى التقرير عن الكثير من الأسباب التي تقف وراء انهيار اقتصادات الدول الفاشلة والضعيفة والصغيرة. فهناك مثلاً احتكار الشركات المتعددة الجنسية (العابرة للحدود) للأسواق الدولية وعدم مراعاتها لمشكلة البيئة والمناخ ومصادر الطاقة وثروات الأرض الطبيعية. وهذه الشركات تتحمل مسئولية كبيرة على المستويين: فهي من جهة تسيطر على ساحات الإنتاج وهي من جهة أخرى تتحكم بالسوق وتحدد الأسعار. وهذا الدور المزدوج في عملية الاحتكار يؤدي إلى تدني موارد الدول التي تعتمد على مصدر واحد للإنتاج ما يساهم في تراجع التنمية وتدني الدخل الوطني وارتفاع عجز ميزان التجارة واضطرارها إلى التورط في الديون لتغطية النقص في المدفوعات.

مسألة تراكم الديون وتضخم الفوائد نقطة إضافية غابت عن التقرير. وهذه المسألة التي تحولت إلى معضلة دولية أدت مراراً إلى خنق الدول ومصادرة موازنتها السنوية لتسديد فوائض الديون ماساهم أحياناً في إثارة الاضطرابات الاجتماعية وتشجيع الانقلابات العسكرية والحد من الحريات وملاحقة المعارضة واضطهاد المجتمع وتدفيعه ثمن أخطاء سياسة تحتكر السوق وتتحكم بالأسعار.

هناك الكثير من النقاط يمكن إدراجها لتوسيع دائرة التقرير الخامس الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلا أن المسألة ليست مهمة في النهاية مادامت الآليات غير واضحة في الموضوع. وهذه النواقص في النتيجة لا تتحمل مسئوليتها رؤى المنظمات الدولية بقدر ما هي مرتبطة بالسلطات ومدى استعدادها للتجاوب مع قضايا تشكل في جوهرها المشترك الإنساني بين الدول التي تعيش في عصر واحد ولم يعد بإمكانها أن تنعزل عن المجموع. فالزلازل والعواصف والأعاصير والأوبئة وتغير المناخ ونقص المياه والموارد وإفقار الطبيعة واستنزاف الثروات وانتشار الفوضى وتمدد العنف وعدم الاستقرار الأمني والأهلي والإنفاق على الحروب وصرف الموازنات على التسلح والتدخلات الأجنبية وازدواجية المعايير والتحايل على القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة وعدم ردع الاعتداءات على الشعوب... كلها تندرج في سياسة دولية كبرى تنعكس في سلبياتها وتداعياتها على الجميع من دون تفرقة أو تمييز في الألوان والجنسيات والأديان.

العدد 2854 - الثلثاء 29 يونيو 2010م الموافق 16 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً