العدد 2858 - السبت 03 يوليو 2010م الموافق 20 رجب 1431هـ

قوانين التكفير الباكستانية تحتاج للإصلاح

هوما يوسف - ويمشر بالتعاون مع كومند جراوند 

03 يوليو 2010

من المحزن أن العنف الذي وقع مؤخراً ضد طائفة الأحمدية، والذي نتج عنه مقتل ثمانين شخصاً كانوا يؤدّون الصلاة في أحد مساجد طائفة الأحمدية في لاهور ليس ظاهرة جديدة. فقد تعرضت الأقليات الدينية في الباكستان، وخاصة الأحمدية والمسيحيين والشيعة والهندوس، وبشكل متزايد في العقود الأخيرة للاضطهاد، ويجري وبشكل روتيني انتهاك حقوقهم على أساس أنهم غير مسلمين ويعتبرون بالتالي مواطنين من الدرجة الثانية.

وحسب الدستور الباكستاني، يتوجب على الحكومة الباكستانية وأية تعديلات في الدستور أن تلتزم بالمبادئ الإسلامية.

أجرى الرئيس الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو العام 1974، وتحت ضغوط من الأحزاب السياسية الدينية، تعديلاً دستورياً اعتُبِر أتباع الأحمدية بموجبه غير مسلمين على أساس اختلاف عقيدتهم في قضايا علوم الدين. يعتبر الأحمديون على سبيل المثال أن ميرزا غلام أحمد، مؤسس طائفتهم في القرن التاسع عشر نبياً، بينما يؤكد المسلمون أن النبي محمد (ص) هو آخر الأنبياء. وقد وضع هذا العمل سابقة لحرمان الأقليات الباكستانية دستورياً من حقوقها في حرية الإيمان والتعبير.

كما تم إدخال المزيد من التغييرات الدستورية المعادية للأقليات إبان الحكم العسكري الدكتاتوري للجنرال ضياء الحق من العام 1977 وحتى 1988. في العام 1982، جعلت إضافات إلى لائحة القوانين الجزائية الباكستانية من ارتكاب التجديف جريمة جزائية بحيث اعتُبر من ينتقد النبي محمد (ص) أو يعبّر عن عدم احترام تجاه القرآن الكريم مجرماً قد يُحكم بالسجن أو، نتيجة التعديل الذي صدر العام 1986 بالإعدام.

وليس من المستغرب أن هذه الأحكام، أو «قوانين التكفير» كما يشاع تسميتها، قد يسّرت عملية التمييز ضد الأقليات الدينية عبر السنوات. وقد قامت جماعات حقوق الإنسان وبشكل روتيني بتوثيق كيف استُغلّت التشريعات المضادة للتكفير من قبل بعض أعضاء الغالبية السنيّة الباكستانية لتبرير الرقابة وتصفية حسابات ثأر شخصية بل وحتى تنفيذ عمليات استيلاء على الأراضي، حيث يتهم مسلمون غير مسلمين من أصحاب الأراضي بالكفر والتجديف.

وفي توجه أكثر خطورة، عُرِف عن أحزاب دينية سياسية وجماعات متطرّفة، شجّعها قرار دستوري يعاقب من يرتكب فعل التجديف بالإعدام، قيامهم بأخذ القانون بأيديهم عند سماعهم ادعاءات متداولة بالتجديف. وفي يوليو/ تموز2009 قام عشرات من أتباع منظمة «سباع الصحابة» العنصرية الممنوعة بإحراق عشرات المنازل في غوجرا المسيحية في مقاطعة البنجاب، مما تسبّب بمقتل سبعة أشخاص. وقد نجحت المنظمة بتحريك مجموعات من الرعاع خلال ساعات قليلة بعد أن ادعت كذباً أن مسيحياً أهان القرآن الكريم أثناء حفلة عرس.

وقد فشلت قوات الأمن بشكل متواصل بقمع العنف ضد الأقليات. وقد تم منذ ذلك الوقت اعتقال ضباط شرطة من رتب عالية لوقوفهم متفرجين بينما قامت منظمة «سباع الصحابة» ببث دعاية سياسية معادية للمسيحية من مكبرات الصوت في المساجد في غوجرا قبيل بدء أعمال الشغب. كذلك تعرّضت شرطة البنجاب لانتقادات شديدة لفشلها في توفير الأمن المناسب في أعقاب هجمات لاهور ضد أتباع الأحمدية.

إلا أن ما يزعج أكثر من ذلك هو أن الحكومات المتعاقبة المنتخبة ديمقراطياً فشلت في الرد على اضطهاد الأقليات على مستوى وطني. ومنذ قدومها إلى السلطة العام 2008، أعلنت حكومة حزب الشعب الباكستاني في ثلاث مناسبات أن قوانين التكفير سوف يجري تعديلها. ولكن لم يبدأ سياسيو حزب الشعب الباكستاني إلا بعد هجمات لاهور ضد الأحمديين بصياغة تشريعات تنادي بعقوبات شديدة ضد الأشخاص الذين يتهمون غيرهم بالتجديف بدون دلائل وإثباتات راسخة. ورغم الترحيب به، إلا أن هذا التشريع يشكّل تذكيراً مزعجاً بأن تغييرات أكثر جذرية على الدستور، والتي لها حاجة ماسة، لن يتم تطبيقها في المستقبل القريب.

لم يُقصَد أن تكون قوانين الباكستان هكذا دائماً. فور انفصال الباكستان عن الهند العام 1947 أعلن محمد علي جناح رؤيته لباكستان علمانية: «مع مرور الزمن، يتوقف الهندوس عن كونهم هندوس، والمسلمون عن كونهم مسلمين، ليس من الناحية الدينية، لأن الدين هو العقيدة الشخصية لكل فرد، وإنما في المفهوم السياسي كمواطنين في الدولة».

كرّر القضاة محمد منير وإم آر كياني هذه الرؤية العام 1953. ففي أعقاب أول تململ ضد طائفة الأحمدية في لاهور حين أصبح أفراد الطائفة ضحايا لأعمال الفوضى، قام القاضيان بإصدار تقرير شكّل نقطة تحول مهمة حذّرا فيه من إدخال القضايا الدينية في عالم الدولة والقانون.

وقد بدأت نتائج الفشل في الانتباه لهذه النصائح عبر السنوات تظهر اليوم، فالمشاعر المعادية للأقليات منتشرة بشكل واسع ومعمقة وتتمتع بحماية الدولة.

من الأساسي أن تلغي الحكومة الباكستانية قوانين التكفير كخطوة أولى نحو حماية حقوق الأقليات الدينية. ثم هناك ضرورة بعد ذلك لإجراء تغيير كامل في المناهج التعليمية الوطنية، التي جرى التلاعب بها أثناء حكم ضياء الحق لإدامة الرؤى الخاطئة حول معتقدات الأقليات ورعاية ثقافة التمييز، بهدف التعامل مع عدم التسامح المتنامي في المجتمع الباكستاني

العدد 2858 - السبت 03 يوليو 2010م الموافق 20 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً