العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ

الأخطبوط الخارق

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لم يكن ينقصنا بعد هرطقات الدجالين وخزعبلات قارئي الكف والمتنبئين بالمستقبل، سوى الأخطبوط الألماني بول الذي يسرح ويمرح في بيته الزجاجي بمتحف الأحياء المائية في مدينة أوبيرهاوزن الألمانية، فيما يتسابق الفنانون والساسة والرياضيون من أجل الظفر به وإن كلفهم ذلك ملايين الدنانير.

قبل مباريات كأس العالم التي انطلقت في يونيو/ حزيران 2010، لم يكن لهذا الأخطبوط وجود، بل إن اسمه عندما برز لأول مرة تفاجأ الكثيرون ممن كانوا يعتقدون أنه من المنجمين أو العرافين، وليس حيواناً بحرياً رخوياً على وشك أن يموت إثر انقضاء دورة حياته القصيرة.

قدرة الأخطبوط بول على توقع نتائج 8 مباريات صحيحة في كأس العالم، حركت الفقراء والبسطاء ومن تراودهم أحلام وردية بالثراء والشهرة والجاه - ربما طواعية أو بغير إرادتهم- باتجاه دائرة السعي المفرط لتملك الأخطبوط المعجزة، من دون التفكر والتأمل في قدرة الخالق وحده على صنع واقع الحياة ومفاصلها، بل تُركت الأمور جميعها لكائن حي يكاد لا يدرك ما يجري حوله، ولا يمتلك عقلاً أو بصيرة حتى يغير شيئاً من واقعه فكيف سيغير واقع الآخرين، إذ لو كان غير ذلك لما بقي حتى الآن حبيس الماء في غرفة زجاجية يطل عليه البشر من مختلف أقطار العالم ومشارب الأرض.

يكشف تعلق البعض بالأشياء التي تصور على أنها خارقة، عن وجود حالة من النقص والضعف في النفس البشرية، ويغذي ذلك رغبة جامحة في تغيير الواقع، لذلك لا غرابة في أن تبرز حالات نصب واحتيال أبطالها شركات متخصصة في نهب أموال الناس بحجة الاستثمار ومضاعفتها خلال فترة زمنية قصيرة.

وللأسف أن من خدعوا لا يزالون يعيشون الخديعة لحظة بلحظة، والمصارف تستقطع حصة مهمة من أموالهم شهرياً نظير القروض التي صرفتها لهم وتبخرت مع الرياح إلى غير رجعة، والأدهى والأمر في الموضوع أن أبطال هذا المسلسل الدرامي الكئيب يمارسون حياتهم اليومية بصورة طبيعية في دول مجاورة وأجنبية دون قيد أو شرط، وبالتالي نتساءل عن الاتفاقيات الأمنية التي وقعتها البحرين لجلب المطلوبين إلى العدالة؟ وما هو مستوى تعاون شرطة الإنتربول في هذا المجال؟ هل يذهب حق الناس فيما يتنعم النصابون بأموالهم فيشترون العقارات ويزاولون التجارة وتزداد ثرواتهم؟

لقد اضطر بعض من وقعوا في هذا الفخ إلى بيع بيوتهم وسياراتهم وأعز ما يملكون من أجل سداد الأموال التي أخذوها من أهاليهم بعد أن لعبوا دور الوسيط فكانوا أول الضحايا الذين يكتوون بنار الإساءة ويتلقون الألفاظ الجارحة.

وزارة الصناعة والتجارة قامت من جانبها بالكشف عن هويات عدد من الشركات الوهمية وأغلقت وشمعت وحذرت شركات أخرى، ولكن تبقى الحاجة لإجراءات رادعة تثني كل من تسول له نفسه المتاجرة بأحلام الفقراء قائمة، وإلا فلا عجب أن يزداد عدد الساعين حثيثاً وراء امتلاك الأخطبوط بول الذي لا يبدو أنه سيعمر طويلاً ليحقق رغبات الجميع في الحصول على حياة أفضل بعيداً عن المنغصات.

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً