العدد 2878 - الجمعة 23 يوليو 2010م الموافق 10 شعبان 1431هـ

ماذا يريدان؟ 1-2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في جلسة سادها الكثير من الحميمية والثقة والشفافية والمصارحة، وكان من بين الحاضرين فيها بعض قيادات التيار الوطني الديمقراطي، ألح على المشاركين في الحوارات التي دارت فيها سؤال، ربما نردده في أذهاننا، لكن ليس بهذا الوضوح وهو، ما الذي تريده السلطة التنفيذية من انتخابات برلمان 2010 ؟ وما الذي تنتظره من أعضائه الفائزين في تلك الانتخابات؟ وعلى وجه التحديد ما هو جوهر موقفها الصريح الملموس من مرشحي التيار الوطني الديمقراطي ؟ تنطلق هذه الأسئلة، بطبيعة الحال، من قناعة تامة تقوم على الدور الكبير المميز لهذه السلطة في تلك الانتخابات، إن لم يكن هو الدور الرئيس فيها، من جهة، وعلى الاندفاعة القوية لهذا التيار للمشاركة في هذه الانتخابات وأمله المشروع في الفوز ببعض المقاعد البرلمانية من جهة ثانية. والأهم من هذا وذاك قناعة الحاضرين بأن حضور قوى التيار الإسلامي، ولأسباب كثيرة مختلفة، لم يعد يحظى بذلك النفوذ والتغلغل الجماهيري الذي كان بحوزته في انتخابات 2006.

تداخلت الأصوات، وارتفع بعضها، وازدادت حدة البعض الآخر، وتفرعت المداخلات لتمس واقع جميع القوى السياسية وعلاقاتها القائمة بينها في إطار العملية الانتخابية القائمة. أحد الجالسين غير المنفعلين، باغت الجميع بسؤال معاكس قال فيه، لماذا يصر التيار الوطني الديمقراطي على الجلوس في المقاعد المخصصة لمن هم في ردة، ولا يغادرها، وهو قادر على ذلك، كي ينتقل وينظم إلى من يبادرون إلى الفعل، ومواجهة الآخرين، والحوار معهم، بمن فيهم السلطة التنفيذية؟ ما الذي يفتقده هذا التيار كي يرفع سؤالاً، وفي اتصال مباشر مع السلطة التنفيذية مثل: مالذي تريده منه كتيار وطني ديمقراطي؟ دون الحاجة إلى سماسرة سياسيين يتولون عقد «الصفقات» على حساب ذلك التيار ومن حصته السياسية، في حال اتمامها بين الطرفين: السلطة التنفيذية والتيار الوطني الديمقراطي.

كانت النقاشات غنية وساخنة في آن، وتمحورت حول مجموعة من القضايا، كانت أهمها وأكثرها حضوراً هي التي حاولت، قبل تناول الإجابة على السؤالين، تشخيص حالة العلاقة القائمة حالياً بين الطرفين، والتي تتسم بما يشبه القطيعة والصد اللذين يرقيان إلى مستوى الجفاء، والتي يمكن حوصلة أهم ما جاء فيها على النحو التالي:

1. ان السلطة التنفيذية، رغم ما تحاول أن تروج له عن نفسها بأنها أكثر اقتراباً من القوى الديمقراطية، لكنها في حقيقة الأمر تميل بدرجة أشد نحو القوى الإسلامية، بكل أطيافها دون أي استثناء، مبررة ذلك، وفيه الكثير من المغالطة والخطأ، أن الشارع السياسي هو اليوم ملك للتيارات الإسلامية، وهذه الأخيرة هي الوحيدة القادرة على تحريكه، متى ما شاءت ذلك. وعلى هذا الأساس، فليس هناك ما يدعو السلطة أو يجبرها على أن تستنفذ قواها في مخاطبة القوى «الهامشية»، طالما هي على اتصال مباشر، ومستمر مع تلك الأكثر تأثيرا، ومن ثم أكثر أهمية في ساحة الصراع.

2.ان التيار الديمقراطي يخشى، وهو مخطئ في ذلك، من أية محاولات جادة للاقتراب من أي طرف من أطراف السلطة التنفيذية، تحسباً من أية اتهامات قد يتلقاها، ليس من المواطن العادي، بل حتى من داخل التيار ذاته، من شأنها أن تطعن في وطنيته، وتشوه تاريخه، وتسيء إلى دوره النضالي. يصل الأمر هنا إلى وضع الحوار بينه وبين السلطة في مرتبة الخطوط الحمراء ودرجة المحرمات السياسية التي ليس من حقه الاقتراب منها ان هو أراد الحفاظ على «عذريته السياسية»، و»طهرانيته الوطنية»، التي ينبغي عليه، كما قال أحد ممثلي التيار ممن كان حاضرا، «إن يعض عليهما بالنواجذ، فليس هناك أي مجال للمساومة على أي منها».

3.ان الوقت بات الآن متأخراً بعض الشيء، فحوار بهذا الأفق بين الطرفين، كان من المفترض أن يتم قبل أشهر، إن لم يكن قبل سنوات، فالملفات الحالية الساخنة التي تقف في منتصف المسافة بين الطرفين، لاتسمح في الوقت القصير المتبقي والمتاح، لحوار ناضج ومفيد، حيث تتركز قوى الجميع اليوم على المعركة الانتخابية، والحرص على حصد أفضل النتائج الممكنة منها، وبالتالي فإن خطوات بمثل هذا المستوى والأهمية ينبغي أن تؤجل إلى مرحلة أخرى مقبلة بعد الانتهاء من المهمة الأكثر إلحاحاً اليوم، وهي الانتخابات.

بعيداً عن شكل من أشكال «الأبوية»، يكتشف من شارك في تلك الجلسة العفوية وغير المعد لها سابقاً، أنه غاب عن أذهان الجميع، وهم في غمرة النقاش بعض أساسيات العمل السياسي، وعلى وجه التحديد، مسألة فن ومدلولات إدارة الحوار بين القوى السياسية العاملة في ميدان واحد، متنافسة كانت أم متآلفة، والتي يمكن إدراجها بتكثيف شديد في النقاط التالية:

1.انه في مرحلة التحول السلمي للتأسيس لمجتمع مدني متحضر، تفرض لغة الحوار نفسها بوصف كونها اللغة الأكثر رقياً وحضوراً وجدوى، من أجل التوصل إلى أفضل الحلول، وأكثرها إمكانية للتنفيذ، وبأقل التضحيات ثمناً.

2.ان القبول بمبدأ الحوار، هو ظاهرة صحية تعكس نضج الأطراف المشاركة فيه سياسياً، وتؤكد ثقتها في نفسها تنظيمياً، فهو في حد ذاته تأكيد للتباين في وجهات النظر فيما بينها، والذي تكشف عنه بوضوح برامجها السياسية، وخططها التنموية، ومشروعاتها الوطنية، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الحوار، دون سواه، وسيلة فعالة للتقارب، وقناة مجدية للتفاهم. ومن هنا فالحوار ليس الماسحة التي يمكن أن تمحو تلك الخلافات، أو الغطاء الذي بوسعه أن يموه الخطوط المميزة لكل منها.

3.ان الحوار لا يعني موافقة أحد المتحاورين على كل ما يقوله الآخر، والخضوع لكل ما يدعو له، بقدر ما هو وسيلة كي يتبادل الطرفان، وبشكل حضاري مباشر، وبدون الحاجة إلى وسيط بينهما، وجهات النظر حول الموضوعات والقضايا المطروحة في الساحة السياسية، في مرحلة معينة، دون ان يعني ذلك بأي شكل من الأشكال اضطرار أي من المتحاورين إلى تقديم تنازلات لا يجدها ضرورية، أو يعتبرها تمس جوهر المبادئ التي يناضل من أجل تحقيقها.

4. ان الحوار على ضرورته، لا يعدو كونه الخطوة الأولى، وبالتالي، وعلى الرغم من أهميته، لكن يبقى هناك ما هو أهم منه وهو ما سوف يعقبه، سواء كان ذلك سلوك المتحاورين، أو مدى قدرة كل واحد منهم على حدة على التمسك ببرامجه، وعدم التفريط بالقضايا المركزية فيها، او المساومة على الاستراتيجية منها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2878 - الجمعة 23 يوليو 2010م الموافق 10 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:28 ص

      حرب نفسية

      يبدو يا حضرة الكاتب أن "جياد العمل الوطني" التي ليست بحاجة سوى لقيادات وطنية تضع السروج عليها وتمتطيها لم تعد تنتظر أن تتقدم التنفيذية لتركب ظهورها ، وإنما بدأت تشجع السلطة لكي يركبها . أعتقد أن الكاتب تيقن بأن المعارضة الإسلامية لم تصغ لنصيحته الغير سليمة بنظري ، و عليه فلم ير الكاتب بدا من تشجيع المعارضة العلمانية (و التحدث باسمها بعض الأحيان)على تهديد حلفاءها بأنها ستغير مواقفها إن هي لم تحصل على بعض العظام ، وهذا المقال جزء من الحرب النفسية التي تشن على المعارضة الإسلامية.

اقرأ ايضاً