العدد 2882 - الثلثاء 27 يوليو 2010م الموافق 14 شعبان 1431هـ

مرحباً بالغرفة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تصريح صحافي حمل الكثير من المعاني والمدلولات، أفصح رئيس مجلس إدارة الغرفة عصام عبدالله فخرو عن عزم غرفة تجارة وصناعة البحرين على أن تكون، وبطريقتها الخاصة، أحد اللاعبين في انتخابات 2010.

شخص فخرو في ذلك التصريح، وباقتضاب شديد لكنه غني، رؤية التجار لخريطة العمل السياسي المقبلة، وتوخى بحذر ملموس الدخول في التفاصيل، وفضل عوضاً عن ذلك، تناول القضايا، ذات الأبعاد الإستراتيجية العامة، وفي القلب منها المسائل الاقتصادية.

بشكل تلقائي، ودون الحاجة إلى قراءة متمعنة في ما جاء في ذلك التصريح، لابد لنا من أن نرحب به، ورؤيته في نطاقه الإيجابي، والنظر له على انه خطوة إيجابية تقدم عليها الغرفة كي تكون، وبشكل علني رسمي، جزءاً من خريطة العمل السياسي البحريني، بمعناه الواسع الذي يمزج، بديناميكية بين الاقتصاد والسياسة، ويبحث بنظرة ثاقبة عن الخانة التي ينبغي لتجار البحرين أن يحتلوها، والدور الذي يجب عليهم ممارسته في المرحلة المقبلة، التي تمتد حتى الإعلان عن نتائج انتخابات 2010 في الحدود الدنيا، وما هو أبعد من ذلك في نطاق الدور الإستراتيجي المتكامل للتجار، في الإطار الأقصى.

يعبر التصريح عن مجموعة من المدلولات التي يمكن حصر أهمها، وأكثرها تأثير على المستوى السياسي، في النقاط التالية:

1. اقتناع التاجر البحريني الراسخ، بأن مكانه السياسي الصحيح هو في ميدان الصراع، وليس على مقاعد المتفرجين على المتسابقين فوق حلبته. وأن خوفه من الانخراط في العمل السياسي لم يوفر له أي شكل من اشكال الحماية من سطوة السلطة التنفيذية، التي لم يتورع بعض رموزها الرئيسية عن اضطهاد ذلك التاجر اقتصادياً، من خلال استغلال نفوذهم لمنافسته في عقر داره، وسرقة لقمته من فمه، وعلى الصعيد السياسي، عن طريق إذلاله بتهميش حضوره بشكل متعمد في مؤسسات الدولة ومحافلها وهيئاتها، وتقليص مكانته الاجتماعية، بتجاوبها مع محدثي النعمة التي خلقتهم، وإهمال رجالات البلاد ممن احتلوا مواقعهم الاجتماعية بجدارة وحق، وحرصوا على توارثها على مدى أجيال متعاقبة.

2. إدراك مجتمع الأعمال البحريني، إن كان ذلك قد تم بشكل بطيء وتدريجي، لذلك الترابط الوثيق بين السياسة والاقتصاد، والتأثير العميق المتبادل بينهما. فغياب التجار عن الساحة السياسية، أفقدهم نسبة عالية من قدرتهم على الدفاع عن مصالحهم، وجردهم من حق التصدي لسياسات تهميشهم، وأطلق يد الآخرين كي تعبث بمقدراتهم، خاصة في المرحلة البرلمانية الحالية، من خلال تمرير مشروعات القوانين التي من شأنها إلحاق الضرر بتلك المصالح، التي تمتد كي تشمل البلاد برمتها.

3. تيقن التجار أنهم لن يستطيعوا وحدهم دخول حلبة العمل السياسي، بما فيه النشاط البرلماني، وإنهم في أمسّ الحاجة إلى نسج التحالفات، ومد جسور التعاون، مع القوى التي ترى في العلاقة معهم، أحد القنوات الرئيسة التي يمكن من خلالها التأسيس لبناء مجتمع وطني ديمقراطي، تختفي فيه العصبيات الطائفية، وتختفي من على مسرحه النزعات الهادفة إلى جر المجتمع نحو الخلف، كي يفقد الكثير من ديناميته، ويخسر نسبة عالية من طاقته على التحول نحو مجتمع معاصر يتعايش فيه الجميع تحت مظلة الدستور، دون ان يعطي أي من أفراده الحق في نفي الآخر، أو مصادرة حقه في ممارسة أنشطته الفكرية والتجارية على حد سواء.

وبقدر ما تثير هذه الخطوة الارتياح في صدور القوى الوطنية الديمقراطية التي ترى في التجار حليفاً طبيعياً لها في عمليات التحول نحو ذلك المجتمع المعاصر، بقدر ما تشيع الخطوة ذاتها، موجة خوف وترقب في صدور من يتمنون لها النجاح للأسباب التالية:

1. حصر التجار دورهم التحالفي في نطاق ضيق لا يتجاوز عمليات تمويل حملات هذا المرشح، أو تزويد آخر بحفنة من الدنانير، بغض النظر عن كميتها. هذا يحول التجار من قوة سياسية تؤخذ في الحسبان، إلى مجرد صراف يجلس على مقعد وراء نافذة الدفع كي يتولى إنهاء عمليات البيع والشراء. هذا لا يعني عدم استفادة التجار من ثقلهم المالي، لكن هناك فرق كبير بين ان يكون المال احد قنوات نسج التحالفات، وبين ان يكون القناة الوحيدة اليتيمة التي تبنى من خلالها، وعلى أساس علاقات التحالف.

2. ذيلية التجار لأي من مؤسسات السلطة التنفيذية، والسير تحت عباءتها، وهنا ليس المقصود من ذلك عزوف التجار عن بناء أية علاقة مع أي من تلك المؤسسات، لكن هناك أيضا فرق شاسع بين الحوار القائم على الندية والاحترام المتبادل، وذلك الذي تسيطر عليه روح الذيلية والدونية. فلو نظر تجار البحرين إلى انفسهم في مرآة العمل السياسي البحريني، فلربما يكتشفون، أنهم من بين أكبر القوى السياسية المنظمة، وأكثرها تأثيراً في الحراك المجتمعي، اقتصادياً كان أم سياسياً، وأنهم، بوعي او بدون وعي، جردوا انفسهم من الدور الذي يستحقونه، لكنهم لا يزالون قادرين على استعادته، وفي وسعهم، متى ما قرروا ذلك، ممارسته وبكفاءة عالية.

3. دخول التجار، وبدون قرار مسبق في تعارض غير مقصود مع، أكثر كتلة قرباً منهم، وقدرة على التعبير عن مصالحهم، والتناغم معها، وهي الكتلة الوطنية الديمقراطية، وبالتالي، وعوضاً عن مد أيديهم لبعضهم البعض، سيجدون أنفسهم، يخوضون في صراعات ثانوية أحدهما ضد الآخر، مما سيدفع الطرفين نحو تحالفات أخرى خارج أطرهما تعمل ضد مصالحهما، المنظورة والآنية، وغير المنظورة ذات المدى البعيد.

نأمل أن تكون تصريحات فخرو هي البداية، ونتطلع إلى رؤية الغرفة كمؤسسة، والتجار كقطاع له مكانته السياسية، وقد أخذا مواقعهما الصحيحة التي تليق بهما، ونجحا في نسج التحالفات السليمة التي تعزز من مواقعهما وتثبت أقدامهما، في معركة ربما تساعدهما على اكتشاف حلفائهما الحقيقيين، وتزيل عن عينيهما غشاوة أوهام كانت هي القوة المحركة وراء ما عانيا منه خلال السنوات الخمسين المنصرمة، من ظلم اقتصادي، ومصادرة لدورهما السياسي، وتحطيم لصورتهما الاجتماعية. لكن، وكما يقول المثل، أن تأتي متاخراً أفضل بكثير من عدم المجيء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2882 - الثلثاء 27 يوليو 2010م الموافق 14 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً