العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ

توثيق الانتهاكات يقوي موقف المجتمع المدني بمطالبة إنشاء لجان الحقيقة

مستشارة المركز الدولي للعدالة الانتقالية:

المنطقة الدبلوماسية - أماني المسقطي 

26 مارس 2009

ذكرت مستشارة قسم الشرق الأوسط في المركز الدولي للعدالة الانتقالية لين معلوف أن قيام مؤسسات المجتمع المدني بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقيام بمسح بشأن متطلبات الضحايا يقوي موقف المجتمع المدني بشأن مطالبة الحكومة بإنشاء لجان الحقيقة والإنصاف والمصالحة.

كما أكدت معلوف أن إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لا يعتبر بديلا عن إنشاء لجان الحقيقة، وإنما قد تكون الهيئة آلية لتنفيذ توصيات لجنة الحقيقة.

وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته «الوسط» مع معلوف، على هامش ندوة العدالة الانتقالية التي تنظمها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بدعم من المعهد العربي لحقوق الإنسان، والمركز الدولي للعدالة الانتقالية، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة لا سلام بلا عدالة، والتي تستمر في الفترة من 25 إلى 27 مارس/ آذار الجاري:

* ما هي المهمة الرئيسية لعمل المركز؟

- المركز يتعامل مع حكومات الدول ومؤسسات المجتمع المدني والأمم المتحدة، إذ يلبي طلبات الدعم التقني وبنية القدرات في مجال العدالة الانتقالية، وتوفير المعلومات والخبراء في المجالات المتنوعة في مجال العدالة الانتقالية.

* ما هو برنامج المركز في منطقة الشرق الأوسط؟

- لا يوجد برنامج معين، وإنما ما نقوم به أننا نتلقى طلبات استشارات من البلدان العربية، وفي البلدان العربية بخلاف المغرب لا يوجد بلدان قامت بسياسات رسمية للعدالة الانتقالية، ولذلك عملنا يكون مع الهيئات غير الحكومية على الأكثر. ومن هنا فإن عملنا يتمثل في دراسة المجالات التي يمكننا أن نقدم فيها مساعدات تقنية وخبرات، ولكن ليس لدينا إستراتيجية معينة في الشرق الأوسط، لأن العدالة الانتقالية في كل بلد لها خصوصية اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية، وكل بلد له متطلبات في كيفية مواجهة ماض مظلم، وكيف يمكن أن يتعلم المجتمع ليبني دولة قانون.

وما نقوم به كمركز يصب في خلق حوار مع المنظمات والحكومات التي تبادر بالتفكير في مسار العدالة الانتقالية، ونساعدهم على استخلاص دروس من التجارب الأخرى في بلدان أخرى.

كما يمكننا أن نناقش التحديات التي تواجه تشكيل هيئة الحقيقة والإنصاف، والمشكلات التي تواجهها بعد بدء عملها، وما يستخلص من دروس في حال وجود هيئة حقيقة في بلد أخرى.

ويجب الإشارة إلى أن لجان الحقيقة هي شق واحد من مسار العدالة الانتقالية، ومن المهم أن يتم التوعية بهذا الجانب، لأن ذلك يتضمن العدالة القضائية، ويجب أن تقوم لجان الحقيقة بتوعية المجتمع عن الانتهاكات التي حدثت والحقبة التاريخية التي أدت إلى حدوث هذه الانتهاكات، ووضع تصور للتغييرات التي يجب القيام بها لهذه الانتهاكات.

أما بشأن شق جبر الضرر، فيتم دراسة آلية تعويض الضحايا والذي خسروه في مسار هذه الانتهاكات، ودفع الدولة إلى تحمل مسئولية مواطنيها، واتخاذ الخطوات اللازمة التي تبين هذه الانتهاكات. ويمكن أن يكون جبر الضرر عبر تعويضات مادية، أو جبر ضرر معنوي كإنشاء النصب التذكارية للضحايا، وذلك حتى يكون للأجيال الجديدة علم بما مر به المجتمع من ألم، أو قد يكون جبر ضرر رمزي.

إضافة إلى الإصلاح الإداري، الذي نحتاجه في مجتمعاتنا العربية، وخصوصا في الهيئات المخابراتية والجيش والأمن، ومثل هذا الإصلاح ضروري بين الإدارات لإعادة بناء الثقة بين المواطن وهذه المؤسسات التي يجب أن تكون لحماية المواطنين لا لاضطهادهم. وكل ذلك يأتي في مسار يشمل هذه الأمور باتجاه الانتقال من حالة غير قانونية إلى حالة بناء دولة قانون.

* أكد عدد من المشاركين البحرينيين في ندوة العدالة الانتقالية ضرورة تعديل القوانين البحرينية لتحقيق العدالة الانتقالية، فهل يعد ذلك كافيا؟

- مسار العدالة الانتقالية تأتي معه اقتراحات لتعديلات هذه القوانين، وقد تكون هناك اقتراحات للإصلاحات القانونية، وخصوصا إذا ساهمت هذه القوانين في انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، ومن هنا تأتي ضرورة تغيير هذه القوانين التي أسهمت في حالة اللا قانون.

* ما المطلوب من مؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الرسمية لإنشاء لجان الحقيقة والإنصاف والمصالحة؟

- إذا كانت مؤسسات المجتمع المدني تطالب بإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة فينبغي عليها أن تبدأ بعقد حوار مع السلطات السياسية في البلد من أجل تفسير أسباب سعيهم لتشكيل هذه اللجنة، وخصوصا إذا كانوا مقتنعين بأن الماضي لم ينتهِ وأن الانتهاكات مستمرة، وأن ضحايا الماضي لم ينسوا ولم يغفروا، ويريدون أن يكون المجتمع على وعي بالانتهاكات التي حدثت. وحينها من المفترض بالسلطات السياسية أن تبدي استعدادا لإنشاء مثل هذه اللجنة، لأنه ليس على المجتمع المدني أن ينشئ مثل هذه اللجان وإنما على المؤسسات الرسمية أن تبادر لذلك.

أما دور المجتمع المدني فيقوم على توثيق الانتهاكات وتشكيل جماعات الضغط «اللوبيات» وبناء القدرات في مجال العدالة الانتقالية.

* تحدثتِ في اليوم الأول من أعمال الندوة عن دور الضحايا في تحقيق العدالة الانتقالية، فما هو الدور الذي يمكن أن يقومون به؟

- كل المجتمع معني بمسار العدالة الانتقالية، ويجب في مدخل هذا المسار العمل من منظور الضحايا، باعتبار أن الهدف من العدالة الانتقالية هو إعادة العدل للضحايا الذين انتهكت حقوقهم، والهدف الآخر هو العمل على منع إعادة تكرار الذي حدث في الماضي، وهنا يأتي دور التوعية بما حدثت والظروف التي ساعدت لحدوث هذه الانتهاكات، وتصور المجتمع لتغيير هذه الشروط.

وهذا يعني أن الدور ليس على الضحايا وإنما دور الدولة التي يجب أن تأخذ مسئوليتها تجاه الضحايا. فالضحايا دفعوا الثمن في الماضي، وليس المطلوب منهم القيام بشيء، إذا الهدف هو مصالحة المواطن مع دولته، وقد تحدث أو لا تحدث.

* ما هي البرامج التي يمكن أن تقوم بها لجان الحقيقة والإنصاف؟

- اللجان هي مبادرة رسمية، وإذا كان لديها صدقية وفاعلية فيجب أن يكون تكوينها من فئات المجتمع المدني والضحايا وممثلون عن الدولة وتشريعيين وخبراء. ويكون عملها بإظهار الحقيقة عما مضى، وخصوصا أن كل البلدان التي عانت من انتهاكات سياسية، يعيش المجتمع فيها مغلقاَ عينيه وأذنيه وكأن شيئا لم يكن. بمعنى أنه إذا كانت هناك انتهاكات معينة في البحرين ضد فئة، فإن الفئة الأخرى تكمل حياتها كما يرام.

ومن الناحية الأخرى فإن اللجنة تضع برنامجا وتصورا لدولة قانون على مدى الأعوام التالية، وتقدم في نهاية عملها تقريرا يتضمن توصيات، وجبر الضرر في أكثر الأحيان يأتي من خلال هذه التوصيات. وعادة لا تتجاوز مهمة عملها 3 أعوام، ومن ثم ملاحقة التوصيات التي يقع عبء تنفيذها على عاتق الدولة.

* في كثير من الدول قد لا تجد مطالبات المجتمع المدني بإنشاء لجان الحقيقة تجاوبا من الحكومة، فهل ترين أن إنشاء هذه اللجان من قبل مؤسسات المجتمع المدني قد تفي بالغرض؟

- هدف اللجان غير الرسمية هو تسليط الضوء على حقيقة ما، ولكنها لا تملك الثقل والرمزية بالاعتراف الرسمي بهذه الانتهاكات.

وفي المغرب كانت هناك لجنة غير رسمية تواكب اللجنة الرسمية في عملها، لأن اللجنة الرسمية كانت لديها مشكلة في مسألة تسمية أسماء الجلادين في الجلسات المفتوحة، بينما كانت مجموعة من المنظمات تدين الأمر وتصر على ذكر الأسماء.

* كيف ترون خطوة إنشاء التحالف الوطني في البحرين من أجل الحقيقة والإنصاف والمصالحة؟

- من المهم جدا أن يكون هناك إجماع بين أكبر فئة من المجتمع المدني لإبراز أهمية المطلب الذي لديهم، وللعمل سويا على صعيد تشكيل «اللوبيات» في التعامل مع الجهات السياسية لتسليط الضوء على شرعية هذا النوع من المشروع.

إذ يجب أن تلاقي الجهات السياسية مؤسسات المجمتع المدني في هذا المطلب، وألا يحمل المجتمع المدني على عاتقه تشكيل مثل هذه اللجان. وأعتقد أنه من المهم جدا استمرار التحالف بالمشاركة في تقديم مثل ورش العمل هذه، ووضع تصورهم للصلاحيات والتكوين للجنة كهذه إذا في يوم ما قررت الجهات السياسية القيام بمبادرة من هذه النوع.

* ما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها التحالف للوصول إلى مرحلة إنشاء هيئة الحقيقة والإنصاف، وخصوصا في ظل ما ذكره الناطق باسم التحالف عبدالله الدرازي في اليوم الأول من أعمال الندوة من معوقات تواجه عمل التحالف، أبرزها عدم وجود الإرادة السياسية وشح الموارد المالية؟

- ننصحهم بأن يكملوا عملهم التوثيقي، وعلى كل جمعية أن تقوم بتوثيق الانتهاكات حتى تستطيع أن تبني اللجنة في حال شكلت في المستقبل عملها عليه. كما يجب العمل على نوع من المسح مع الضحايا للتعرف على متطلباتهم، وما إذا كانوا يطالبون باعتذار أو جبر ضرر أو حقيقة أو إصلاح قانوني، إذ قد لا يحتاجون إلى إنشاء لجنة للحقيقة.

وفي حال توافر هذا النوع من المعلومات سيكون حوار مؤسسات المجتمع المدني مع السلطات السياسية أقوى، إذ بإمكانهم أن يتحدثوا بصوت الضحية، كما يجب عليهم أن يتفقوا على الحقبة التاريخية وأنواع الانتهاكات التي ستضطلع بها اللجنة.

* في البحرين ينتظر إنشاء هيئة حقوق الإنسان، فهل يمكن أن تقوم هذه الهيئة بدور لجنة الحقيقة والإنصاف؟

- يمكنها أن تواكب عمل اللجنة، باعتبار أن عمل اللجنة سيكون محدود الوقت وفيها ممثلين عن الجهات الرسمية وعن المجتمع المدني، ولكن لا يمكن أن تحل هيئة حقوق الإنسان محل عمل اللجنة، وإنما يمكن أن تكون معنية بتنفيذ التوصيات التي ينتهي إليها عمل اللجنة.


في ندوة «العدالة الانتقالية»

الاستقرار السياسي شرط لإنشاء لجان الحقيقة

أوصى المشاركون في ندوة «لجان الحقيقة: الآفاق والرهانات والتحديات في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط والخليج» خلال أعمال الندوة يوم أمس (الخميس)، بأن تنشأ لجان الحقيقة في ظل استقرار سياسي وعدم إنشائها في حالات الاضطراب السياسي، باعتبار أن إنشائها يتعلق بغلق مرحلة وفتح أخرى، وأنه في حال استمرارية الانتهاكات فإنه من غير الممكن تشكيل مثل هذه اللجان.

كما أكد المشاركون ضرورة إحداث تغيير في النظام السياسي وتوافر الإرادة السياسية للدولة لإنشاء لجنة الحقيقة، ناهيك عن التوافق بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، باعتبار أن إنشاء اللجنة لا يمكن أن يتم عبر فرضه من قبل طرف من دون الآخر، وإنما يحتاج إلى توافق مجتمعي حتى بين مؤسسات المجتمع المدني.

وذكر المشاركون أنه لكي تتوافر الإرادة السياسية، فلا بد من وضوح رؤية الجمعيات للضحايا والنضال الحقوقي للوصول إلى الإرادة السياسية كمكسب، لافتين إلى الترابط الجدلي بين الشروط، باعتبار أن الضغوطات الخارجية من قبل دول أو منظمات حقوقية من شأنه أن يسمح بإنشاء لجان الحقيق أو عرقلتها.

أما فيما يتعلق بتشكيل اللجنة، فأكد المشاركون ضرورة أن يكون هناك توافق عليها من قبل الدولة والمجتمع والأطراف المعنية بالموضوع، الذين يمثلون الضحايا والجمعيات السياسية والحقوقيين والنشطاء، ناهيك عن الاستقلالية في سير أعمالها، وبأن يكون أعضاؤها من المعروفين بالنزاهة والاستقامة والضمير، وأن يمثلوا طيفا واسعا من المجتمع رجالا ونساء، وبمختلف المستويات التعليمية والشباب والبالغين وذوي الاختصاصات المختلفة والحقوقيين والأطباء النفسيين والاجتماعيين والسياسيين.

كما دعا المشاركون إلى تحديد جدول زمني معين وجدولة بالمهام المراد إنجازها في إطار عمل اللجنة، وتحديد أهدافها، وبأن يكون لها صلاحيات التحري والتحقيق.

أما بشان التوثيق، فاتفق المشاركون على ضرورة القيام بمسح عام يضم المناطق المتضررة، وكذلك اللجوء إلى تخصيص ملف لكل ضحية وفق معايير معينة، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات حديثة ومتطورة، وإنشاء أرشيف وطني بعد انتهاء أعمال اللجنة يكون ملكا للشعب.

العدد 2394 - الخميس 26 مارس 2009م الموافق 29 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً