نحن الآن - أيها السادة - لا نعير اهتماما لما تقولونه في قنواتكم الفضائية، فالوقت من ذهب، ولا وقت لدينا إلا للخروف "جيرك" الذي هرب منذ 6 سنوات ليعيش داخل غابات نيوزيلندا. ست سنوات من العيش بحرية وسط الخضرة، يأكل منها وينام عليها، وربما يحلم من خلالها. ولم يكن في حسبان "جيرك" أن القدر ظل يناصبه العداء منذ أن أراد اختيار حريته ولو بعيدا عن القطيع.
في الأسبوع الماضي عثر على "جيرك" في أحد المراعي. كان منفوخا من السمنة، وصوفه يسحل من ورائه. لم يضيع صاحبه فرصة واحدة، بل أخذه إلى المسلخ بعد أن دعا مصوري الصحف والتلفزيون لتسجيل لقطات تاريخية من عمر "جيرك". وكان له ما أراد، فقد جز 27 كيلوغراما، وهو أعلى وزن تسجله موسوعة "غينيس" لخروف. خسر "جيرك" حريته مقابل شهرة صاحبه الذي أصبح نجم التلفزيون النيوزيلندي لأربعة أيام متتالية.
نحن الآن - أيها السادة - لا نعير اهتماما لما تقولونه في قنواتكم الفضائية، ولا نهتم بتلك الحوارات التي يديرها أناس متخصصون في تسريب نظرية المؤامرة إلى الآخرين. نحن - أيها السادة - لا نصغي لما يقوله الناطق باسم مجلس الحكم العراقي الذي كلما ألقوا عليه سؤالا قال: "أنتم العرب لا تحبون العراقيين، ولا تريدون دعم مجلس الحكم الذي انطلق من الشعب وإلى الشعب".
نحن - أيها السادة - نتفرج الآن على الأخبار، إذ الخبر الأول زيارة رئيسة وزراء نيوزيلندا هيلين كلارك للخروف "جيرك" والتقاط الصور التاريخية معه. نحن - أيها السادة - لا نعير أذنا لما تقولونه في أخباركم، إذ تسمون الشهداء في سبيل الوطن أمراء الجنة، وتنسون أننا مازلنا نعاني من الأمراء على الأرض. نحن - أيها السادة - لم نعد نفكر بجنتكم وأمرائكم، فالجنة التي خلقتموها غير جنة رب العزة التي وعدنا. جنتكم فيها الأمراء، والأمراء يحتاجون إلى رعية، والرعية تحتاج إلى سائس، وبعض "السائسين" تغريهم المؤامرات والانقلابات على الأمراء.
نحن الآن - أيها السادة - لا نعير اهتماما لما تقولونه في قنواتكم الفضائية، فقد بلغ السيل الزبى، ولم تعد عبارة "ذات الاهتمام المشترك" تحرك فينا إلا مشاعر الكره لكم ولوجوهكم المغبرة. لا نريد منكم أن تغازلونا بأخباركم، إذ لا يمكن أن يستقبل رئيسكم رئيس دولة جاء من أقصى أقاصي الأرض لتقولوا: "إن الرئيسين بحثا القضايا ذات الاهتمام المشترك". لماذا لم يبحثوا هذه القضايا على الهاتف إذا كانت على هذه الدرجة من السذاجة. اتركونا مع الخروف أيها السادة! ودعونا نحلم بصوفه الوفير، وكيف سنصنع منه ما يستر جسمنا ويقيه من برد الشتاء المقبل، وهو برد لا يشبه إلا مزاج السائسين في حدته، فهو جاف يغور في العظم في جنوب العراق، ورطب يجعل من انكماش عضلات الجسم غاية في العادية عند أهل شمال العراق. أما قلت لكم إن صوف المستر "جيرك" سيفعل مفعول السحر لدى شيعة وسنة وتركمان وأكراد العراق؟ البرد هناك لا يعرف مرتبة خاصة لأصحاب الكراسي، ولا ميزة لأهل الفتنة، إنه يغزو عظامهم كلهم من دون استثناء، إلا أولئك الشهداء الذين راحوا ضحية اللئيمين من أهل البلاد وزوارها، فهم لا يريدون البرد لأنهم لا يدرون ما هو، الذي يدرونه أن جنتهم هناك، الجنة التي وعدهم الله وليست جنة الأمراء.
محمد الرديني
العدد 876 - الجمعة 28 يناير 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1425هـ