العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ

موقفنا النهائي بعد صدور القانون الجديد بصورة رسمية

ارتفاع التحفظات على "المجلس الأعلى" تتحدد بموضوعاتها

السيد عبدالله الغريفي comments [at] alwasatnews.com

إننا على أعتاب عاشوراء. .. الذكرى التي روت قصة المأساة الكبرى، قصة الفاجعة العظمى، قصة الإمام الحسين بن علي سبط رسول الله "ص"، يوم وقف وحيدا فريدا مرتديا عمامة جده رسول الله "ص" متقلدا سيفه. وخاطب القوم: أنشدكم الله انسبوني من أنا؟

قالوا: أنت الحسين سبط رسول الله.

أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة بنت محمد؟

قالوا: اللهم نعم.

أنشدكم الله هل تعلمون ان أبي علي بن أبي طالب؟

قالوا: اللهم نعم.

أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله أنا متقلده؟

قالوا: اللهم نعم.

أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟

قالوا: اللهم نعم.

فبم تستحلون دمي؟

قالوا: قد علمنا ذلك كله، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.

هكذا استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله... فامتدت الأيدي الآثمة لتسجل الجريمة الكبرى، وهوت السيوف الغادرة لتقطع الجسد الطاهر وطاشت السهام المجنونة فمزقت قلب الحسين وتسابقت الخيول الحاقدة فهشمت صدر الحسين... انها عاشوراء... الذكرى التي روت لنا قصة الشبان من أبناء رسول الله "ص" الذين سقطوا مضرجين بدمائهم فوق ثرى كربلاء، وروت لنا قصة فتيان الرسالة الذين عانقوا الموت بصبر وبثبات.

وروت لنا قصة الاطفال الصغار الذين لم يفطموا الا بسهام ذبحتهم من الوريد الى الوريد.

وروت لنا قصة رجال عاهدوا الله على الموت والشهادة فنالوا أشرف وسام... انها عاشوراء.

الذكرى التي روت قصة الحوراء زينب ابنة فاطمة، الصابرة الصامدة، التي عاشت حوادث كربلاء، وأثقلت قلبها هموم المأساة، وأتعبتها قسوة السياط، وابهضتها مسئولية النساء والأيتام، وأبكت جفونها شماتة الاعداء.

إنها عاشوراء...

الذكرى التي روت قصة عليل كربلاء، بقية النسل الطاهر، علي بن الحسين زين العابدين، وقد أرهقته أثقال القيود، وأتعاب الأسر، وذكرى المأساة، والمشاهد الاليمة، إذ الاجساد الطاهرة والاشلاء المتناثرة والدماء التي صبغت رمال كربلاء، والخيام التي حاصرتها النيران... وفرار بنات الرسالة، وأطفال النبوة... هذه لقطات عاجلة من مأساة كربلاء.

أيها الأحبة، يا عشاق الحسين: اننا على أعتاب عاشوراء، عاشوراء الحزن والألم والفجيعة، وعاشوراء القيم والمثل والمبادئ، وعاشوراء الجهاد والصمود والشهادة، وعاشوراء هي خطاب الامام الحسين إلى كل الاجيال في كل الاعصر والأزمان.

ان مسئولية كل جيل ان يحمل خطاب الامام الحسين الى الأجيال اللاحقة... لقد حمل أجدادنا وآباؤنا هذا الخطاب الينا... ومسئوليتنا ان نحمل الخطاب الى الأبناء والاحفاد، ومسئوليتهم ان يحملوه الى الأجيال القادمة بعدهم. وهكذا حتى يأتي يوم الظهور الأكبر فيتسلم الخطاب بقية الله في الأرض الامام المهدي المنتظر "أرواحنا فداه".

ان ذكرى عاشوراء تعني ان نجسد المسئولية في حمل خطاب الامام الحسين، وبمقدار ما نحقق نجاحا في هذا التجسيد يكون التعاطي أصدق مع عاشوراء الحسين.

ان الانسان العاشوري الحق هو الذي يجسد مسئولية الخطاب الحسيني... ربما نبكي كثيرا ونلطم كثيرا، ويتعالى الضجيج عندنا ولكننا نبقى الأبعد عن خطاب الامام الحسين... المقياس في الاحياء الحقيقي لعاشوراء كم هو القرب أو البعد من خطاب الامام الحسين، وكم هو التجسيد أو التخلي عن هذا الخطاب.

ان مسئوليتنا في حمل الخطاب الحسيني تفرض علينا:

أولا: أن نملك وعيا وبصيرة بهذا الخطاب: فكلما أرتقى مستوى وعينا وبصيرتنا وفهمنا لمضامين الخطاب الحسيني ودلالاته ومكوناته كنا أقدر على التعبير السليم عن هذا الخطاب.

ان بعض الممارسات العاشورية تكشف عن جهل واضح بأهداف الخطاب الحسيني وبدلالات هذا الخطاب... ان مستويات التعبير العاشوري تتفاوت بتفاوت مستويات الوعي والبصيرة والفهم، ربما يكون هذا التعبير او ذاك تعبيرا صادقا وتعبيرا يحمل حرارة الا انه ليس بالضرورة يكون تعبيرا ناضجا وبصيرا... وقد أدى غياب الوعي والبصيرة عند نسبة من الجمهور العاشوري الى بروز ألوان من الممارسات والتعبيرات خالية تماما من الدلالة على الهدف الحسيني الكبير. وربما شكلت هذه الممارسات والتعبيرات حالات متنافية مع ذلك الهدف، وحالات تسيء الى المعاني الكبيرة التي تحملها ثورة الامام الحسين "ع".

ولا أريد هنا ان أسمي بعض تلك الممارسات، فالجميع يعلم ان مساحة من ممارسات عاشوراء في حاجة الى مراجعة ومحاسبة وهذا موكول الى ذوي الشأن من العلماء والمتخصصين والمعنيين بأمور المراسم العاشورية.

اننا ندعو الى ان تكون مراسم عاشوراء صورة مشرقة لأهداف الثورة الحسينية، وصورة مشرقة لهذا الخط المبارك الذي ينتمي الى مدرسة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وفي هذا السياق فاننا نثمن الخطوات الجادة والهادفة الى ايجاد "صيغ جديدة مشروعة" للتعبير عن خطاب عاشوراء في هذا العصر الذي تطورت فيه الوسائل والاساليب، فلابد من الاستفادة من وسائل العصر وأساليبه في ايصال صوت الامام الحسين وصوت عاشوراء الى كل العالم مع تأكيد ضرورة الالتزام بالضوابط الشرعية فيما يعتمد من وسائل وأساليب.

ثانيا: كما تفرض علينا مسئوليتنا في حمل الخطاب الحسيني ان نتمثل عمليا مضامين الخطاب، لا يكفي ان نتفاعل عاطفيا مع خطاب الامام الحسين ومع خطاب عاشوراء، وان كان هذا التفاعل هو الذي يمنحنا الحرارة والوهج والانصهار مع أهداف الثورة الحسينية، فالانفتاح العقلي الفارغ من النبض العاطفي انفتاح راكد وخامد وبمقدار ما نؤكد أهمية الوعي في التعاطي مع خطاب عاشوراء فإننا نؤكد العاطفة الحسينية المتأججة، فلا قيمة لوعي لا ينبض بالحرارة والوهج العاطفي، ولا قيمة لعاطفة لا تحمل جرعات كافية من الوعي والبصيرة، فالوعي الخالي من العاطفة وعي مشلول وثقافة مسترخية خاملة... والعاطفة المفرغة من الوعي عاطفة عمياء وشعور لا يملك بصيرة، وكم قادت العواطف العمياء والمشاعر غير البصيرة الى الانحراف والتيه والابتعاد عن الأهداف الأصيلة.

فالعاطفة الحسينية ضرورة في التعاطي مع خطاب عاشوراء.

والوعي الحسيني ضرورة في التعاطي مع خطاب عاشوراء والوعي والعاطفة، لا يكفيان اذا لم يتحول الخطاب العاشوري الى سلوك والتزام وتجسيد وتطبيق. القيمة الحقيقية لهذا الخطاب ان يكون قادرا على صنع "الانسان العاشوري" و"الجمهور العاشوري".

ما مواصفات الانسان العاشوري؟ وما مواصفات الجمهور العاشوري؟

اذا كانت العاطفة العاشورية جزءا مهما من مكونات هذا الانسان ومن مكونات هذا الجمهور واذا كان الوعي العاشوري جزءا من مكونات هذا الانسان، ومن مكونات هذا الجمهور فإن الالتزام العملي بمضامين الخطاب وأهدافه هو العنصر الأهم في تكوين الانسان العاشوري وفي تكوين الجمهور العاشوري.

من المؤسف جدا أن الكثيرين ممن يحملون عواطف عاشوراء في أعلى درجاتها وان الكثيرين ممن يحملون وعي عاشوراء في أرقى مستوياته... من المؤسف ان هؤلاء لا يجسدون أهداف عاشوراء ولا يلتزمون مبادئ عاشوراء، ولا يعيشون قيم عاشوراء.

فالانسان العاشوري هو الذي يجسد أهداف عاشوراء، ويلتزم مبادئها، ويعيش قيمها، والجمهور العاشوري كذلك.

وبالمناسبة فإن المجلس الاسلامي العلمائي طرح شعارا لهذا "الموسم العاشوري" وهو شعار "نحو أسرة حسينية ملتزمة" والمجلس العلمائي يدعو خطباء المنبر الحسيني إلى ان يحركوا هذا الشعار من خلال محاضرات هذا العام.

فما أحوجنا في هذا العصر وقد أصبحت أسرنا مهددة من داخلها، اذ وسائل العبث بالقيم والاخلاق ومنتجات الفساد والانحراف باتت تقتحم اجواء كل الأسر والبيوت، ولا ينجو من تأثيراتها وتهديداتها المرعبة، الا من عصم الله تعالى... ما أحوجنا إلى ان نحصن أسرنا في مواجهة هذا الغزو الخطير، وفي مواجهة هذا الطوفان المدمر.

قيم عاشوراء قادرة على ان تحصن أسرنا اذ صدقت النوايا في التعاطي مع هذه القيم وتعلمنا من مدرسة عاشوراء إرادة الصمود والتحدي والمواجهة، وتعبأنا من عنفوان كربلاء مواقف الرفض الباطل والفساد والضلال.

كن أبا حسينيا، وكوني أما حسينية، تصنعا أسرة حسينية ملتزمة بمبادئ الاسلام وأحكام الشريعة وقيم الدين، وتعاليم القرآن.

واذا كانت خطابات هذا العصر، ومؤتمرات هذا العصر، ومؤسسات هذا العصر تحمل شعار الدفاع عن المرأة وحماية الأسرة، ورعاية الطفولة... فإن اسلامنا ومبادئنا وقيمنا وشريعتنا هي الأقدر على تحقيق ذلك، وهي الأصدق في تحريك هذا الشعار.

اننا نريد لخطاب الحسين ان يكون حاضرا في كل واقعنا الروحي والاخلاقي والأسري والاجتماعي والثقافي والسياسي.

اننا نريد لعاشوراء ان تصنع كل وجودنا الفكري والنفسي والسلوكي وان تتحرك في كل مفاصل حياتنا.. لتكن تجربتنا في هذا العام مع خطاب الحسين ومع عاشوراء ان ننجح في خلق "الأسرة الحسينية" لا في العواطف فقط، ولا في التوشح بالسواد فقط، ولا في الشعارات فقط، وكل ذلك مهم، ولكن في تمثل الاهداف والمناهج والمبادئ والقيم الحسينية، بما تحمله من أصالة الاسلام ونقاوة الدين وطهر الشريعة.

امتحنوا ولاءكم للحسين، وولاءكم لعاشوراء الحسين من خلال وقفة جادة وصادقة مع أسركم لتكتشفوا كم هي في خط الحسين أخلاقا وأعرافا وعادات وممارسات.

وأخشى ما نخشاه ان يكتشف أحدنا انه يعيش في داخل أسرته قيم يزيد، وأخلاق يزيد، وممارسات يزيد... كم هو مؤلم ومخجل جدا ان نبكي الحسين ونندب الحسين... ونحن نعبث كما عبث يزيد، ونلهو كما لها يزيد، ونفسق كما فسق يزيد، وننتهك حرمة الدين كما انتهكها يزيد... وأخشى ما نخشاه ان نكون مصداقا لمقولة الفرزدق المشهورة حين التقاه الامام الحسين وسأله عن السواد الأعظم في العراق، فأجاب: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك".

المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

كان لنا موقف صريح وواضح من هذا المجلس انطلاقا من رؤية فقهية ملزمة، وليس تعبيرا عن مزاجية ذاتية ولا عن حساسية طائفية، ولا عن فهم منغلق.

كانت الاشكالية المحورية التي فرضت الموقف الرافض تتمثل فيما أعطي للمجلس الأعلى من "صلاحية التدخل في الشأن الديني الأهلي والوصاية على المساجد والحسينيات والحوزات" ما يشكل مساسا واضحا بالخصوصيات المذهبية.

وهناك نقطتان مهمتان ايضا:

الأولى: ما توافر عليه النظام الداخلي من إعطاء المجلس الأعلى "صلاحية الافتاء الشرعي".

الثانية: عدم التوازن في تركيبة المجلس، وفي ضوء هذه الحيثيات جاء موقف الرفض والمقاطعة.

وأخيرا جرت عدة لقاءات ومداولات مع وزير الشئون الاسلامية الشيخ عبدالله بن خالد استطعنا من خلالها ان نتقدم بمجموعة تعديلات حظيت بالموافقة... ومن أهم هذه التعديلات:

1- تأكيد عدم المساس بالخصوصيات المذهبية.

2- إلغاء المادة التي تعطي المجلس حق التدخل في الشأن الديني الأهلي ومؤسساته من مسجد وحسينية وحوزة وغيرها.

3- الغاء المادة التي تعطي للمجلس صلاحية الافتاء الشرعي.

4- تصحيح التوازن في تركيبة المجلس، وقد طرحت التعديلات اضافة منصب "نائب الرئيس"، وأسقطت حق الرئيس في الترجيح، وذلك من أجل خلق حال التوازن في التركيبة كما تم الاتفاق على ذلك.

5- اضافة فقرات تؤكد:

أ- حصر مسئولية المجلس في الشأن العام "أي ما يخص المساحة الرسمية فقط".

ب - استقلالية النشاط الأهلي وخصوصيته.

ج- عدم تحكيم رأي مذهبي على آخر... وقد دونت هذه الفقرات في النص الجديد وتمت الموافقة على كل التعديلات.

وإننا نعتبره خطوة ايجابية ونافعة جدا ما جاء في الصيغة المقترحة من "اعطاء علماء الدين من الطائفتين حق ابداء الرأي في المناهج الدراسية، وحق ابداء الملاحظات والاقتراحات عما يبث في الاذاعة والتلفزيون والصحافة وغيرها من وسائل الاعلام من برامج دينية، وما يتناول الاسلام ومفاهيمه".

قد يقال: ان النص الجديد يعطي للمجلس صلاحية ابداء الرأي في خطط وبرامج ادارتي الاوقاف من الناحية الاستثمارية وهذا تدخل واضح في الشأن المذهبي.

يجاب عن ذلك:

أولا: ان التعبير بابداء الرأي في الفهم القانوني لا يعني "الالزام" ما لم تكن هناك قرائن واضحة تدل على ذلك. ويمكن الرجوع الى علماء القانون للتأكد من ذلك.

ثانيا: ان ابداء الرأي هنا متعلق بالجانب الموضوعي البحت للاستثمار ولا يعني ابداء الرأي الفقهي ليكون تدخلا في الشأن المذهبي.

وخلاصة القول: ان موقفنا من المشروع الجديد للمجلس الاعلى يتحدد نهائيا بعد صدور القانون الجديد بشكل رسمي.

فالتحفظات تنتفي اذا انتفى موضوعها، وما تم الاتفاق عليه مع وزير الشئون الاسلامية يبعث على التفاؤل.

وهنا ملاحظة مهمة وهي ان ارتفاع التحفظات تتحدد في حدود موضوعاتها وأما ما عدا ذلك فيجب ان يخضع لدراسة موضوعية كما هو الشأن مع أي مؤسسة رسمية فاذا كنا لا نمارس القطيعة مع مؤسسات الدولة فهذا لا يعني تأييدها بالمطلق. والمباركة لها بالمطلق والايمان بها بالمطلق.

ثم ان التقييم لاداء المؤسسات محكوم للأفعال والممارسات فهي البرهان العملي على صدقيتها.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

إقرأ أيضا لـ "السيد عبدالله الغريفي"

العدد 889 - الخميس 10 فبراير 2005م الموافق 01 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً