العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

"المرسم الحسيني" مزيج من الألوان والمبادئ تصل بين القلوب

حينما يخرجك الفن من ذاتك ويصلك بالآخرين

"حالما تمتزج الألوان، وتلامس الفرشاة اللوحة يكون الناتج مزيجا رائعا من الأفكار المستوحاة من حركة الإمام الحسين "ع"، وعاكسة لعدة ثقافات بصرف النظر عن العرق، الديانة أو القومية أكان مسلما، مسيحيا، بوذيا أو هندوسيا، في الفن الجميع يتحدثون لغة واحدة".

هذه باختصار رسالة المرسم الحسيني أو جمعية المرسم الحسيني للفنون الإسلامية، التي تقرأها حالما تدخل معرض المرسم، الذي على بابه تذكر أحد المثقفين قول الناقد علي الديري: "إن الفن هو ما يخرجك من ذاتك ويصلك بالآخرين".

ما تراه العين داخل المرسم يتعدد، ترى حركة دؤوبة للفرشاة التي تمتزج بالألوان لترسم للبشرية مبادئ يؤمن بها الجميع، بدءا من العيش بكرامة، إلى قول كلمة الحق والمطالبة به، لتخرجك بعدها إلى فضاءات أخرى أكثر سعة كالحرية والعزة والكرامة، فهذه كلها كانت مبادئ لأبي الأحرار الحسين "ع"، وهي في الوقت ذاته مبادئ كل أحرار العالم وشرفائه، وترى الكثير منهم توافدوا على المرسم الحسيني الواقع في أحد أحياء المنامة.

أنامل سبعين فنانا أبدعت في رسم لوحات، انتزع الكثير منها آهات زوار المرسم، الذين انشغل الكثير منهم بتصوير اللوحات وتصوير الفنانين أيضا، سواء بكاميرات التصوير العادية أو من خلال كاميرات هواتفهم المحمولة، وسط أجواء يلفها صوت دعاء جميل، ينطلق من أحد الأشرطة التي يذيعها القائمون على المرسم، لتضفي على المكان روحانية وصفاء، وتساعد الزوار على التأمل في ما خطته الأنامل المبدعة.

في أحد جوانب المرسم، تقف فتيات بحرينيات هن فنانات موهوبات بكل معاني الموهبة، وعلى الطرف الآخر يقف، رئيس المرسم عبدالنبي الحمر، ذو الأخلاق الإسلامية العذبة، إلى جانب الدفتر الذي يسجل فيه الزوار ذكرى زيارتهم للمرسم ويبدون آراءهم فيما شاهدوا. يفتح الحمر الدفتر ليرينا كلمة سجلها أحد الزوار يقول فيها: "عندما تظلم الدنيا بألوان قاتمة، يتلألأ نور المرسم الحسيني بألوان النور الكربلائي، ليعكس صفاء الروح المتبقي في زمن الظلمات".

وفي صفحة أخرى خط أحد الزوار كلماته باللغة الإنجليزية يقول فيها: "إن المرسم وصل إلى مساحات أخرى غير الذات الإسلامية ليربطها بمبادئ ثورة الحسين الخالدة".

شمعة للأجيال

زوار من جميع التوجهات والطوائف، علماء دين، رؤساء وأعضاء مجالس بلدية، محافظون وشخصيات رسمية، وجهاء ورؤساء جمعيات سياسية، كان أحدهم رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي عبدالرحمن النعيمي، الذي أتى مع مجموعة من أعضاء جمعيته. يقول النعيمي عن انطباعات مشاهداته في المرسم: "إنها فكرة متطورة ومهمة، فيها محاولة لإسقاط الماضي على الحاضر، هذا أمر مهم للناس أن يروا قيم التضحية والشهادة، وقيمة مواجهة الظلم. الشيء الأساسي والطاغي في اللوحات هو قيمة التضحية، وهذا أمر مهم في عالمنا الذي ينحو نحو الانتهازية والفردية، وعدم الاهتمام بالشأن العام. أيضا فكرة أكبر شمعة في العالم، هي فكرة رائعة، وكأن المقصود بها هو إنارة الدرب للأجيال المقبلة، يجب أن ترتبط الفكرة بالنضال من أجل العدالة والمساواة، فهذا شأن إنساني عام ناضلت من أجله جميع الأمم".

وعن مشاركة عدد من الفتيات البحرينيات في المرسم، قال النعيمي: "إن الفن ليس لجنس محدد، وليس مرتبطا بالرجل فقط. إن احتضان كفاءات نسائية وكفاءات الأطفال أمر جميل بل رائع".

لمحت "الوسط" أحد النقاد البحرينيين في أروقة المرسم، وسألته عن رأيه الفني، ففضل الإجابة بعد أن اشترط عدم ذكر اسمه، إذ قال: "إذا انطلقنا من التعريف الذي ذكرتموه للناقد علي الديري، من أن الفن هو ما يخرجك من ذاتك ويصلك بالآخرين، فلنا أن نسأل عدة أسئلة، فهل نحن أخرجنا المرسم من الذات الشيعية ووصلناه بالآخرين بمختلف انتماءاتهم وحضاراتهم، وأنماط وجودهم؟ هل أخرجنا المرسم من ذواتنا ومن محدودية علاقاتها وتنميقاتها، لنشكل عبر ذلك رسالة تصل الناس ببعضهم على رغم اختلافهم؟ هذه الأسئلة التي اقرأ من خلالها تجربة المرسم الحسيني، ومن خلالها أرى ما يعرض فيه، وبها أقيم مما يمارسه من أنشطة وفعاليات. الأكيد هو أن المرسم تجربة فريدة في شكل الاحتفال بإحياء كربلاء، ووجه فرادته تكمن في أنه تخطى الأشكال المألوفة في مادتها، وشكلها ومحتواها، فهو قد تجاوز الشعر الذي ظل الشكل المهيمن على إحياء واقعة وفكرة كربلاء، والمرسم أيضا تجاوز الشكل الطقسي المحدد بفضاء المأتم، وما ينبثق عنه من مواكب عزائية، والمرسم أيضا تجاوز من يخاطبه وهذا هو الأهم، فهو تجاوز الفرد الشيعي الموالي، الذي يبحث عن ثواب وأجر، فأصبح المرسم يخاطب إنسانا كونيا عابرا للمذاهب والدين والعرق، وفي هذا تتمثل فنية هذه التجربة، وتبقى تجربة المرسم نفسه بحاجة إلى أن تبتكر أشكال تواصل لونية وتكوينية وفنية جديدة، وهذا باعتقادي ما لم تراكمه التجربة بعد، فمازالت لوحة المرسم الحسيني هي تقريبا لوحة المأتم الحسيني، من حيث اللون ومن حيث التشكيل، فالخيام والسيوف والخيول والنساء المنكوبات، والدموع السائلات هي الشكل الطاغي على غالبية الرسومات، وهي أشكال بحاجة إلى إعادة ابتكار، وفي حاجة إلى ابتكار قدرتها على الإيحاء، وقدرتها على أن تثير تعددا في التأويل، فهي أصبحت أقرب إلى الأيقونات الثابتة، التي أصبحت تقليدا معوقا للفنان أن يتجاوز ذاته، وليدفع بذلك المتلقي أيضا لتجاوز ذاته والاتصال بالآخر، بمعنى أن كل الأشكال الموجودة في المرسم أصبحت وكأنها ملك خاص للذات التي تحيي كربلاء، لذلك هو بحاجة إلى أن يفتح هذه الملكية لخلق فرص استثمار جديدة تغني الذات".

واختتم حديثه بالقول: "إن الأشكال الجديدة التي لوحظ إدخالها في اللوحات كرسومات الورد ورسومات تشبيهية للملائكة هي بدايات تحرك اللوحة، وأتمنى أن يكون هناك مزيد من التحرك، ليتحرك المتلقي، وأقترح أن يحتفي المرسم سنويا، بقيمة إنسانية محددة، كالعزة مثلا، أو الحرية، وأن يتم الاحتفاء بها عبر اللوحة على أن يتم إبرازها في تجليات فنية غير مباشرة".

وفي جانب آخر انشغل كل من أكبر أسيري، وجلال العريض، والسيدبدر، وحسين الترنج، وخالد العريض، بالعمل على تجهيز أكبر شمعة في العالم. يقول أكبر أسيري: "قمنا بالاتصال بالمسئولين عن موسوعة غينيز للأرقام القياسية من خلال موقعهم على الانترنت، ووافقوا على أن يحضر اثنان من مندوبيهم، وذلك بعد أن سألونا أسئلة كثيرة قبل أن يقرروا المجيء، بقيت ليلة واحدة وننتهي من الشمعة، ولحد الآن وصلنا إلى الأرقام الآتية: لدينا الآن 25 قالبا شمعيا، طول كل قالب مترين و44 سم، ويزن كل قالب نحو 10 كيلوغرامات من الشمع المذاب، وسيصل الطول الإجمالي للشمعة إلى 73 مترا، أما عدد الفتائل التي ستستخدم في إشعال الشمعة فعددها 11 ألفا و880 فتيلة، الكثيرون تبرعوا بالشموع وآخرون تبرعوا بمساهمات مالية".

سينتهي عاشوراء هذا العام، ولكن ستبقى ذكرى نشاطاته مسجلة بالصوت والصورة، وعلى الورق أيضا، أما المرسم الحسيني فسيخلد نشاطاته باللوحات الفنية، التي رغب كثير من الزوار في شرائها، لفرط عظمة وروعة ما قالته وخلدته هذه اللوحات، التي رسمتها الأنامل المبدعة

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً