بالإشارة إلى المقال الذي نشر يوم "السبت" الموافق 5 مارس / آذار تحت عنوان "ردا على الرد المرضي على بنت الجمري" أود أن أعتب على رد الأخ الكريم فأقول وبالله التوفيق: إنني مازلت متمسكا بمبدئي في عدم دخولي في مساجلات ومجادلات أقل ما يقال فيها إنها فرقة وشتات، ولا أخفيك سرا بأني فكرت جديا في عدم الرد خوفا من إساءة الفهم، لكني سأبين لإخواني قراء صحيفة "الوسط" بعض النقاط المهمة التي جاءت في سياق مقال الأخ العزيز وأعقب عليها بطريقة موضوعية، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان مع الاعتذار لجميع القراء.
أولا، كان حريا بك أخي ومن باب الإنصاف أن ترجع إلى أصل الموضوع وعنوانه المثير وهو "إذاعة القرآن الكريم تحرض على ضرب النساء". وكذلك ومن باب الانصاف أيضا تشير ولو إشارة سريعة إلى مغالطات الأخت الكاتبة وافترائها علينا حين قالت إننا نقول إن أبا طالب من أكابر أهل النار! وإننا نسيء إلى الإمام علي رضي الله عنه! لكنك تغافلت عنها وعلقت في جزء واحد من الموضوع من أصل عدة أجزاء ناقشتها ورددت عليها وهو موقف أبي طالب ووالد إبراهيم عليه السلام. هل هما في النار أم الجنة. عموما الحمد لله أنك ذكرت موقفك منهما وقلت هذا اعتقادي الذي أدين به. ونحن نقول اعتقادنا الذي ندين به وانتهى الأمر، فلماذا الزعل؟!
وأقسم بالله الذي لا إله غيره أنني وددت لو أن أبا طالب ووالد إبراهيم عليه السلام هما من أهل الجنة، كما تمنى أبناؤهم الأنبياء عليهم السلام. ولا نقول ذلك شماتة أو تشفيا، ولكن نقول ذلك من باب إحقاق الحق. وانظر في قوله تعالى: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم. وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم" "التوبة: ،113 114". فنترك للقارئ الكريم التأمل والنظر في هذه الآية الكريمة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض في أن أبا إبراهيم كان عدوا لله.
ثم اسمحوا لي أيها الإخوة أن ابين الدليل على أن آزر كان أبا لإبراهيم الخليل، لا عمه كما يعتقد الأخ الكريم، وذلك من خلال سياق النظر في الآيات الواضحات ومن خلال المعنى الحقيقي الذي يطلق على الأب وليس على العم، نعم يجوز أن نطلق على العم كأب من باب التجور وذلك لأن الرجل صنو أبيه. والقاعدة المتقررة عند أهل اللغة في هذه الحال تقول إن اللفظ له معنيان معنى حقيقي ومعنى مجازي فالأصل يحمل على معناه الحقيقي وليس على المجازي إلا إذا كانت هناك قرينة تصرفه عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي، ولا يوجد هنا في سياق الآيات الواضحات التي تحدثت عن أبوة آزر لإبراهيم الخليل ما يدل على المجاز، وخصوصا أنه قد ذكرت آيات كثيرات في ذلك منها على سبيل المثال الحوار الذي دار بين إبراهيم وأبيه في سورة مريم حين ردد إبراهيم عليه السلام ولأكثر من مرة ذكر "يا أبتي". لماذا لا يكون السياق ولو لآية واحدة ذكر "ياعمي"؟! اترك للقارئ الكريم التأمل في هذا!
مثال ثان يوضح المعنى أكثر، قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" "الأنعام: 74" هنا الأصل أن يحمل على معناه الحقيقي وهو "أن آزر أب لإبراهيم" إذ ليس هناك قرينة صارفة، والآية التي ذكرها الأخ الكريم قوله تعالى: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحد ونحن له مسلمون" "البقرة:133". القرينة هنا أنه لا يمكن أن يكون للشخص أبوان، كذلك أجمعت الأمة على أن إسماعيل هو عم يعقوب، وإسحق هو والد يعقوب فيأتي السياق كما هو في الآية "نعبد إلهك وإله آبائك... الآية".
ثم ذكرت أخي الكريم قوله تعالى: "وتقلبك في الساجدين" وذكرت أنه من تفسير القرطبي لهذه الآية "وقال ابن عباس أي في اصلاب الآباء آدم ونوح وإبراهيم حتى أخرجه نبيا". وأقول أين أسماء عبدالله وعبدالمطلب في تفسير الآية من كلام ابن عباس؟ أما تفسيرك لقول ابن عباس بأن أصلاب آباء النبي كلها كانت لساجدين موحدين من عبدالله بن عبدالمطلب مرورا بإبراهيم ونوح حتى آدم فهذا فهمك أو فهم من تقلدهم أما نحن فنعتقد بأن هؤلاء ليسوا موحدين إلا من ثبت توحيده من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة أو كلام أهل العلم.
وتعال معي أخي الكريم أحدثك عن حديث واحد في صحيح البخاري وهو دليل عندنا على أن أبا طالب مات ولم يتلفظ بالشهادة. "حدثنا سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي "ص" وعنده أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية فقال: "أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل. فقال له أبوجهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به على ملة عبدالمطلب، فقال له النبي "ص" لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" "التوبة: 113" ونزلت الآية: "إنك لا تهدي من أحببت" "القصص: 56".
وفقني الله وإياك للخير والإحسان واتباع الحق إنه سميع الدعاء.
عيسى إبراهيم جمعة
العدد 923 - الأربعاء 16 مارس 2005م الموافق 05 صفر 1426هـ