العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ

يهود البحرين قدموا منذ العام 1862 وعاشوا في العوضية والحطب والحورة

خصوصية أهل المنامة مع التسامح الديني

قال أحدهم يوما للصحافة الأميركية وتحديدا مع "واشنطن تايمز": أعتبر نفسي يهوديا بحرينيا. .. وأنا فخور بذلك".

استشهدت بهذه الكلمات لأنه عندما يأتي الحديث عن يهود البحرين... تنجلي فجأة أسارير الغرابة على وجوه الوافدين إلى المنامة بل وحتى مع بعض البحرينيين ممن يجهلون تركيبة أهالي العاصمة القديمة.

بل وتزداد حيرتهم عندما يعلمون أن هناك طوائف أخرى للبحرينيين من المسيح والصابئة والبهائية والزرادشتية وغيرهم.

لكن الحقيقة أن أزقة المنامة ضمت في أحيائها المسلمة منها أسرا من هذه الطوائف التي عايشها المناميون لسنوات طويلة دون مناطق البلاد الأخرى.

لهذا فإن المناميين أكثر معرفة بهذا الجانب، فمدينتهم التي يبلغ عمرها 683 سنة هي مدينة ترمز للخليط الثقافي والديني وهو ما يميز البحرين عن دول الجوار منذ القدم.

وإن اختلطت بعض الأوراق اليوم بسبب تفشي ظواهر دخيلة أسهمت في تغيير هذه المنظومة الاجتماعية، إلا ان أهل المنامة تعايشوا مع ذلك في روح اتسمت بالتسامح، ما شغل بال البريطانيين المنتدبين في الماضي وأثار تساؤلهم عن سر وجود هذه الأجواء في بلد صغير الحجم كالبحرين. "الوسط" استندت في هذا التحقيق إلى مصادر عدة منها أرشيفية موثقة وأخرى من ذكريات الأقدمين... فقط من أجل أن تكشف وجه البحرين الآخر المتمثل في حياة وذكريات أهل المنامة مع اليهود... ويهود البحرين ليسوا تاريخا فقط بل حقيقة معاشة ولهم تمثيل معين في مجلس الشورى البحريني حالهم كحال الإثنيات الأخرى التي تشكل تركيبة المجتمع البحريني.

تاريخ يهود البحرين

يرجع عمر يهود البحرين إلى العام 1872 بحسب الوثائق البريطانية، بينما وثيقة محلية لمندوب بريطانيا المحلي للحاج عبدالنبي محمد علي صفر أشارت أن أن وجودهم يرجع إلى العام ،1862 إذ ذكرت الوثيقة أن أحدهم ويدعى "نسيم اليهودي" صاحب أشهر بقالة في المنامة آنذاك لكن يقال إن أحد أحفاده هاجر إلى السويد ويعتبر اليوم أشهر تاجر لبيع السجاد الفاخر من أصل بحريني يهودي يقطن في مدينة مالمو بجنوب السويد.

فيهود البحرين غالبيتهم قدموا من مدينتي البصرة وبغداد بالعراق ومن مدينة بوشهر الساحلية في إيران وكانت أعدادهم لا تزيد عن 500 شخص، وعمل معظمهم في التجارة والصرافة والعقارات.

وبالعودة إلى ما كتبه الرحالة البريطاني لوريمر في كتابه الشهير "دليل الخليج" فإن "اليهود في البحرين كانوا خمسة أشخاص في القرن التاسع عشر لكن أعدادهم تزايدت مع بداية القرن الماضي إذ تمركزوا في البداية عند مسجد الجامع وفي محيط سوق الحراج، إذ كانت تعيش وتتمحور البحرين هناك بكل أنشطتها الاقتصادية والشعبية".

"اليهود استأجروا ثلاثة دكاكين من فندق اليماني وفي أحدها كان اليهودي كورجي يبيع اسطوانات وهو واحد من ثلاثة لهم الفضل في إدخال هذه التجارة الفنية في البحرين".

بعد ثلاثة عقود اشترى اليهود قرب سوقهم قطعة أرض في العام الهجري 1350 قبل أن يولد مشروع الفندق وهناك بنوا معبدهم "الكنيس" الذي مازال موجودا حتى وقتنا الحالي الذي يبلغ عمره أكثر من سبعة عقود وتعرض للترميم والتجديد أكثر من مرة.

لقد ظل "الكنيس" مهملا ومغلقا بسبب الاعتداءات التي تعرض لها بسبب تقسيم فلسطين، إذ ظل مغلقا عن أداء الشعائر ما يقارب نصف قرن، لكن عاد نشاطه في عهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة وهو يتوسط المنامة القديمة.

كما كانوا تجار أقمشة مهرة، إذ كان يعرف سوق الأقمشة الموجود داخل المنامة بسوق اليهود إلى جانب أن نساءهم كن يجدن الخياطة واللغات من بينها الانجليزية، إذ كانت زوجة المستشار البريطاني ماري جوري تستعين بهن في اللقاءات مع البحرينيات وفي كتابة بعض الرسائل لها باللغة العربية.

ولم تكن لليهود مدارس خاصة بهم في البحرين لكن عندما افتتحت أول مدرسة للإرسالية الأميركية في العام 1899 كانوا هم أول الطلبة الملتحقين بها مقارنة بالطلبة المسلمين، إذ بدأت المدرسة بحسب الوثائق البريطانية بستة طلبة من بينهم طالبة.

بينما حدثت زيجة واحدة بين يهودية ومسلم من البحرينيين، إذ تخلت عائلة الفتاة عنها بعدما اعتنقت الإسلام وتزوجت من سائق أجرة.

حوادث المنامة

ولم يسجل التاريخ البحريني يوما أية مشكلات اجتماعية أو سياسية خلال وجود عوائل اليهود بكثرة في البحرين وخصوصا أن معظم العائلات اكتسبت الكثير من الثقة والاحترام في مجال التجارة حتى نساؤهن اكتسبن ذلك، فبعضهن مثلا عملن بائعات للعائلات الميسورة من خلال ذهابهن إلى بيوتهم لبيع أدوات الزينة والأقمشة وغيرها، إذ لم يكن من المقبول اجتماعيا ذهاب نساء هذه العائلات إلى السوق للشراء، ما ترتب عليه بناء صداقات حميمة بين النساء اليهوديات والعائلات البحرينية المسلمة.

بعض أهالي المنامة ذوي الأصول الفارسية "فضل عدم الكشف عن اسمه" ذكر لـ "الوسط" أن بعض العناصر هبت للانتقام من العائلات اليهودية المسالمة إذ خرجت في مظاهرات تنادي ضد اليهود بعدما احتلت فلسطين في العام 1948 فجالت شوارع العاصمة بل ووصل ببعض المتظاهرين الدخول إلى بيوت العائلات اليهودية وقاموا بتكسير أثاثها، إلا أن بعض العائلات البحرينية المسلمة - طلبت عدم الكشف عن اسمها أيضا - قامت على الفور بحماية هذه العوائل وإدخالها إلى بيوتهم حتى هدأت المظاهرات.

وأضاف معلقا: "ان ذلك ليس بغريب على المناميين الذين لطالما عرفوا بتسامحهم مع الطوائف الأخرى من أهل البلد".

وتقول بعض المصادر إن الحكومة آنذاك استطاعت تدارك الموقف إذ اقترحت أن تعلن الشخصيات البارزة في المجتمع عن سخطها واحتجاجها على الشغب وما لحق باليهود البحرينيين من أذى. غير أنه بعد استقلال البحرين في العام 1971 سجلت حادثة غريبة ضد مجهول من قبل السلطات البحرينية عندما تعرض الصراف إبراهيم نونو للقتل داخل محله في العام 1973 وكان الحادث قد تم مع مدفع الإفطار في شهر رمضان.

ومع ذلك فقد ترك القاتل مسدسه في المحل من دون أن يسلب أمواله على رغم أن التهمة وجهت للجماعات الفلسطينية.

هجراتهم

أعداد يهود البحرين تناقصت على دفعتين، الأولى في العام 1948 مع احتلال فلسطين، إذ غادر قسم منهم طوعا إلى خارج البحرين ومنهم من ذهب إلى بريطانيا وآخرون ذهبوا إلى كندا والولايات المتحدة ويقال إن أحدهم ويدعى صالح عزرا قد هاجر إلى تل أبيب.

أما الدفعة الثانية فقد هاجرت في العام 1967 أي بعد حرب حزيران وأيضا طوعا، إذ يقال إن تاجرا في مجال الكترونيات ووكيل شركة هيتاشي اليابانية يسمى جرجي قد غادر إلى "إسرائيل" وهو حاليا يعمل في تجارة العقارات.

واليوم يوجد في البحرين نحو 37 يهوديا ممن يعملون في مجالات الصرافة والتجارة العامة والأقمشة والعطورات العربية مثل عائلة نونو وروبين ويادكار وخضوري ومراد وغيرهم.

يذكر أنهم مثلوا في مجالس البلدية في أوائل القرن الماضي، بينما حاليا يشغل أحد أبناء عائلة نونو مقعدا في مجلس الشورى المعين ممثلا عن الطائفة اليهودية في البحرين.

صور في الذاكرة

عندما جالت "الوسط" في أحياء المنامة القديمة طارقة باب بعض من لايزال يقطنها سائلة عما يتذكره كبار السن من ذكريات مع العائلات اليهودية فإن كثيرا منهم تذكرها بصورة حميمية وبروح متسامحة مع الأديان والثقافات الأخرى التي قلما وجدناها اليوم في زمننا المليء بالتطرف.

ومن بين هذه العوائل التي لها ذكريات مع اليهود بحكم الجوار في فريق "حي" واحد عائلة بن رضي والهاشمي وآل شريف في فريق "الحطب".

إضافة إلى العوائل الأخرى التي أقامت في فريق العوضية والحورة والفاضل وجميعهم كانوا يتمتعون بعلاقات طيبة معهم مثل عائلة أكبري وقاسم البنا وخليفة وأمين وغيرهم.

فالناس يتذكرون جيرانهم اليهود وأبوابهم الملاصقة لبيوتهم في الأحياء التي كانوا يجولون فيها، غير أن القليل والقليل ما وثق منها في الكتب لاعتبارات قد نعلمها أو نجهلها حتى اليوم. وعلى رغم ذلك فإنه لولا الأسماء المميزة لليهود لربما ضاع تاريخ هؤلاء الذين تمتد جذورهم إلى العراق وإيران وهما دولتان لايزال تأثيرهما جليا على البحرين. فالعلاقات كانت قائمة على العيش المشترك وهي ميزة جمعت كل فئات الشعب أي من الطبقات الفقيرة إلى الطبقات الغنية

العدد 926 - السبت 19 مارس 2005م الموافق 08 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً