العدد 935 - الإثنين 28 مارس 2005م الموافق 17 صفر 1426هـ

لبنان في الزمن الضائع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اليوم يبدأ مجلس الأمن مناقشة تقرير "لجنة تقصي الحقائق" بشأن عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويتوقع في نهاية جلساته أن يقر تشكيل "لجنة تحقيق دولية" لمتابعة موضوع الاغتيال وجمع الأدلة من مسرح الجريمة.

مهمة "لجنة التحقيق" قد تستغرق وقتا وخصوصا أنها ستبدأ نشاطها تحت سقف سياسي حدد الجهة المسئولة معنويا عن تلك الجريمة. فاللجنة ستعطى صلاحيات تجيز لها حق التدخل والاستدعاء والبحث والتنقيب وصولا إلى الحقيقة. والوصول إلى كشف الحقيقة يعني الكثير من الأمور السياسية المتعلقة بهيكل الأجهزة الأمنية وخيوطها الممتدة محليا وإقليميا.

"من قتل الحريري" سؤال يؤدي إلى تحديد أجوبة قد تقلب التوازنات وتعطي مبررات إضافية لتدويل الأزمة اللبنانية ووضع ملفات المسألة في سياق تفاوضي يعيد تشكيل خريطة اللعبة المحلية.

هذه الاحتمالات تفسر إلى حد كبير حال الارتباك الذي أخذ يطال السلطتين اللبنانية والسورية واضعا مجموعة فرضيات مقلقة لمستقبل الاستقرار العام الذي يتجاوز حدود البلد الصغير.

ما حصل في لبنان بعد التمديد للرئيس الحالي وصدور القرار الدولي 1559 يكشف عن متغيرات ميدانية وسياسية ضغطت على مختلف الأطراف المعنية بالأزمة، وفرضت عليها إعادة قراءة المستجدات والاستفادة منها لتعزيز مواقعها أو الدفاع عن مصالحها. فمنذ أغسطس/ آب الماضي بدأ لبنان مرحلة جديدة وهي تدويل مسألته ومحاولة نقلها من سياق إلى آخر. فالتدويل لم يبدأ بعد اغتيال الحريري وإنما بعد حصول عملية التمديد وصدور القرار .1559 الاغتيال أسهم في تطوير عناصر التدويل ورفع من نسبة قدرتها على الضغط. والضغط يعني عمليا تفكيك ما هو قائم تمهيدا لإعادة تركيب الوقائع بما يتناسب مع المتغيرات الإقليمية.

عملية الاغتيال رفعت من نسبة فعالية التدويل، كذلك سترفع مهمة "لجنة التحقيق" من تلك النسبة في الأسابيع والشهور المقبلة. فالمتغيرات دخلت في منعطف جديد وفكرة التمديد للرئيس كانت الإطار الدستوري الذي شرع للدول الكبرى صلاحية وضع يدها على الملف اللبناني والبدء في الإمساك بأوراقه واحدة بعد أخرى.

المشكلة في السلطة اللبنانية - السورية تبدأ في عدم إدراكها لذاك التحول. وحين أدركت تلك المتغيرات كان الوقت فاتها، الأمر الذي أوقعها في تخبط سياسي ظهر بوضوح في سلسلة محطات أمنية وإدارية أوصلت السلطة في شقيها اللبناني والسوري إلى قفص الاتهام الدولي.

الوقت مضى وما تفعله السلطة اللبنانية - السورية الآن يأتي في الزمن الضائع، وكان يجب أن تتداركه قبل صدور القرار .1559 أي كان يجب على السلطة أن تفعل المستحيل وتقدم التضحيات الكثيرة لمنع وصول القرار إلى مجلس الأمن وتبذل كل الوسائل القانونية وتستخدم كل العلاقات الدولية لوقف القرار أو تعطيل إمكانات صدوره حتى لا تعطى فقراته شرعية دولية تستخدمها واشنطن بالكيفية التي تناسب مصالحها واستراتيجيتها التقويضية في منطقة "الشرق الأوسط".

صدور القرار بهذه السهولة والتعاطي معه بهذه الخفة وعدم التعامل معه بجدية كلها نقاط تثير العجب وتطرح أكثر من علامة استفهام. والأغرب من صدوره هو استمرار السلطة في شقيها بالتصرف مع المخاطر التي جلبتها فقرات القرار بطريقة استعلائية وصلت إلى حد عدم الاكتراث بكل تلك التحذيرات التي فسرت المضامين السلبية لما يتضمنه.

الآن وبعد فوات الوقت اكتشفت تلك الأجهزة التي شوشت الرؤية وعطلت إدراك القوى المسئولة أنها ارتكبت حماقة وورطت دمشق وبيروت في مطبات هوائية زعزعت استقرار البلد ودفعت القيادة السورية إلى تفكيك وضعها في لبنان وإعادة النظر في مفاعيل القرار السلبية تمهيدا لاحتواء التداعيات والحد من الخسائر والكوارث المتوقعة.

المشكلة في تلك الخطوات التي كشفت عن بدء انتباه استراتيجي لما حصل أنها جاءت في الزمن الضائع. فهي صحيحة لأنها تخفف الكثير من الخسائر، ولكنها متأخرة بعض الشيء لأنها بدأت بعد صدور القرار 1559 وفي لحظة انعقاد مجلس الأمن لتشكيل "لجنة تحقيق دولية" لملاحقة وقائع جريمة قد تقود إلى أبواب عالية الارتفاع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 935 - الإثنين 28 مارس 2005م الموافق 17 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً