العدد 957 - الثلثاء 19 أبريل 2005م الموافق 10 ربيع الاول 1426هـ

بين "النعرة" و"الفكرة"

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

واحدة من الجمل التي كررتها الحكومات التي ترفض الإصلاح هي ان الشعوب "غير مؤهلة" أو انها "جاهلة" وان حرية التعبير ستؤدي إلى تدهور الأمن والاقتصاد، ولذلك فإن الأفضل هو البقاء على الدكتاتورية. هذه الجملة بدأت تخف في السنوات الأخيرة وتم استبدالها بمقولات أخرى لا تختلف كثيرا في الجوهر، وهي في مجملها تعبر عن اتجاه لا يؤمن بالصرح الإنساني الذي قامت عليه الحضارات. وانعكس وضعنا في تقارير دولية، آخرها تقرير التنمية الإنسانية العربي الثالث، الذي قال ان العالم العربي يعاني من عجز فادح في الحريات العامة.

على أن المراقب ينظر إلى ظاهرة أخرى تنمو في عدد من مجتمعاتنا، بما فيها البحرين، وهي أن هامش الحرية المتاح فسح المجال للتنفيس عن "نعرات" قبلية وإثنية وطائفية كانت مكبوتة وخرجت بمجرد ان فسح المجال لها. ونعلم من تجارب التاريخ أن النعرات انما أدت إلى القتال والدمار وهو عكس ما تسعى اليه الحركات الإصلاحية.

الحركات الإصلاحية تقوم على أساس "الفكرة" وليس "النعرة"، والاصلاح يتطلب من أصحاب الفكرة "وليس أصحاب النعرة" أن ينظموا أنفسهم في مؤسسات، يطلق عليها في كل أنحاء العالم "أحزاب سياسية" ويطلق عليها في البحرين فقط "جمعيات سياسية". هذه الأحزاب القائمة على أفكار يجب ان يكون هدفها الوطن "كل الوطن" وان تكون غايتها ووسيلتها في آن واحد المواطن "كل مواطن يعيش على أرض الوطن ويؤمن بهذه الفكرة او تلك وليس بالنعرة".

على ان الخيار الوحيد المطروح أمام الناس - في غياب الأحزاب العلنية القائمة على أساس "الفكرة" - هو اللجوء إلى "النعرة" لأنها موجودة وموروثة ومشبعة بكثير من الأوهام والخرافات التي تتحول مع الأيام إلى مقدسات لا يجوز المساس بها. ولذلك فإن الطائفة والقبيلة والانتماء الاثني "وكلها مؤسسات تقليدية موروثة قائمة على النعرة والتعصب" تصبح هي المؤسسة السياسية والمجتمعية.

وعليه، فإنك ستجد الجانب النظري للسياسة مطروحا بشكل جميل في الدساتير والصحف والبيانات العلنية، ولكن على الأرض تتبخر كل تلك النظريات التي تتحدث عن الأفكار الانسانية وعن الوطن والمواطن ولا ترى إلا مجموعة من النعرات القبلية والطائفية والفئوية تتحرك وتحرك معها الساحة السياسة نحو عصور التخلف والانطواء.

أحيانا يراجع المرء نفسه ليسألها: هل حقا نؤمن بالقيم التي نصرح بها جميعا؟ أم اننا جميعا متشابهون في أمرنا؟ فهل نسعى حقا أن نؤمن بفكرة إنسانية ونتحزب "كما يتحزب غيرنا من البشر" حولها، أم انه أصبح من المفروض علينا جبرا وقهرا ان نتحزب حول النعرات؟

هذه وغيرها من الأسئلة لابد أنها تراود الكثير من المخلصين، ولكن الواقع الذي ورثناه بعد سنين طويلة من اختفاء السياسة الإنسانية يقول لنا اننا بحاجة إلى ثورة ثقافية تنقلنا نقلة نوعية بحيث نتحول من مجتمع يتحزب على أساس النعرة إلى مجتمع يتحزب على أساس الفكرة. البعض ربما يضحك ويقول إن من يقول مثل هذا الكلام انما هم مجموعة من المغفلين الذين يعتقدون بالمثل التي ليس لها مكان في بلادنا إلا على الأوراق الرسمية والصحافية ... والتي لا يصدق الكثير منا امكانية وجودها وانتعاشها في مجتمعاتنا. ربما انهم مصيبون حاليا، ومخطئون مستقبلا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 957 - الثلثاء 19 أبريل 2005م الموافق 10 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً