العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ

دع القلق... واعشق قانون "مكافحة الإرهاب"

بسام بوخوة comments [at] alwasatnews.com

لا أجد منفذا لرغبتي هذه ورهبتي سوى الكتابة. هي رغبة ورجاء في أن تكون الجمعيات السياسية والحقوقية والمهنية المعارضة لقانون "مكافحة الإرهاب" صادقة في سعيها. ورهبة وخوف مما أراه دالا على أنها تسير في تخبط حينا، وتقليد حينا آخر، ومسايرة للأجواء حينا ثالثا.

يريدون أن يقيموا الدنيا على تصويت النواب على قانون "مكافحة الإرهاب"، فهب أنكم حصلتم على ذاك الفوز، انتصرتم ذاك النصر، ثم ماذا؟ هل منعتم الاعتقال التعسفي؟ أو الأخذ بالشبهة؟ أو الحبس الاحتياطي الطويل من دون مبرر؟ أو المحاكمة دون أدنى دليل مادي؟ بل وحتى الاعتقال الطويل لإيجاد دليل على جريمة لم تحدث، ولم تكن في البال عن طريق التسجيل في الزنازين؟ يؤسفني أيها السيدات والسادة أن أسطر لكم ما تعرفونه جميعا من جواب، وهو: أن كل هذا مما ذكرت قد حصل فعلا، وحصل قبل قانون "مكافحة الإرهاب"، بل وبمباركة من البعض منكم أو ممن هو بينكم، من جمعيات أو رؤسائها، وبعضهم "رجل قانون" تمنى للمظلومين المزيد!

فما عسى أن تكون حجج من تقاعس حينها عن وصف الأمر بما تصفون به قانون الإرهاب اليوم؟ الآن الإجراءات المتبعة كانت قانونية كما زعمتهم أو زعم بعضكم؟ ولكنكم اليوم تعارضون القانون الذي يبيح هذه الأمور ذاتها! فهو أحد اثنين لا محالة:

إما أنه لا يوجد قانون حاليا يبيح هذه الأمور، ما اضطر الحكومة لصوغ ما يبيحها، فتكون حجتكم السابقة للسكوت عن تلك الإجراءات بزعم قانونيتها حجة باطلة.

وإما أن يكون القانون الحالي مبيح لنفس ما استنكرتموه من قانون "مكافحة الإرهاب" فلزمكم إنكار مواد ونصوص هذا القانون المبيحة منذ تطبيقها - الذي هو تفسيرها، لوخفي عليكم - تماما كما تفعلون اليوم بحق قانون "مكافحة الإرهاب" قبل تشريعه من طرف البرلمان.

وفي هذه الحال الثانية - التي أرى صوابها - دليل على أن وجود قانون خاص بمسمى "مكافحة الإرهاب" وجود شكلي، لا حاجة حقيقية للحكومة به سوى إرضاء تعهدات لأطراف أجنبية لم تحرص على النظر المتعمق في القانون البحريني أو أرادت من دول العالم الثالث المزيد من البهيمية كما هو أبدا متوقع منها. وهذا بدوره طرف خيط للغز آخر. ولو سمحتم لي بالتفكير بصوت عال فسأدلي ببعض التحليل. ما الذي دفع الجمعيات إلى هذا العمى والتخبط؟ أم هو غير ذلك؟ هل اعتبر من عرفتهم من قياديي هذه الجمعيات بلا عقل ولا رؤية؟ سيكون ذلك تكذيبا للملموس، والأمر لا شك أبعد مدى بكثير. ولو كان غيري لرمى الأمر في زبالة "الطائفية" المنحازة التي كثيرا ما تصادفنا في الطريق، ولكن سأتظاهر بذكاء أعلى من ذلك وأرجع الأمور إلى أسباب أقرب - في نظري - للنفس البشرية. فقد دار في فترة تلك الانتهاكات كلام كثير عن الدور الأميركي وراء الاعتقالات، فهل كان لذلك أثر في تقاعس الجمعيات؟ هل تقدم الجمعيات تحجيم الخصم على أحقية القضية؟ أم تستجيب الجمعيات التي تدعي النضج لاشاعات مرسومة بدقة الخطط الإرهابية؟ هل رأت في الحكومة اليوم خصما مناسبا وفي أميركا بالأمس خصما صعب المنال؟ أم أن أميركا مع الجمعيات - في الأصل - حليف ذو أمر نافذ، وضد خصم مشترك؟ فمصالح الحلفاء تتقدم عند الجمعيات على المبادئ؟ ليس ببعيد، فقد أشاد أحد رؤساء الجمعيات بفعل أميركا بالبحرينيين في غوانتنامو! هل هذه هي الجمعيات التي أناط البعض بها أحلام بحرين أفضل؟

فانتصروا - يا أصحاب الجمعيات - أولا تنتصروا، سواء عليكم. فما الذي يعنينا - حقيقة - من أي قانون إن لم يكن له على أرض الواقع أثر؟ وما ينفعنا - في المقابل - ان رفعنا عن الناس ظلما مسطورا، وهو - حقيقة - الواقع المر المعاش يوميا. الذي من شدة قربه لم نعد نراه، ولشدة نتنه فقدنا به حاسة الشم؟ لن يغير وجود قانون "مكافحة الإرهاب" أو عدمه أي شيء من الواقع، إلا شيئا واحدا، شيئا يجعلني أتمنى إقراره. فلو وجد هذا القانون - الذي فزعت الجمعيات لمعارضته - فسيكون إعلان تنفيذه في أي مواطن راية حمراء تفزع لها جميع هذه الجمعيات استنكارا - رغما عنها وأنفة لنفسها - فلا تتكرر مأساة الخذلان التي مرت بأبرياء من قبل.

إن هذه المزاجية التي تحكم تمسك الجمعيات بمبادئها أو الحكام بقوانينهم لأوضح عنوان للذل القادم، مهما لوح الصغار بانبهار عن آفاق اقتصاد زاهر. ففي اعترافات نشرت لجندي ساعد في دفن جثة طفلة بوسنية اغتصبها وقتلها زميله الأميركي: "قال لي: لا تقلق، لقد فعلتها من قبل في عملية عاصفة الصحراء. دول العالم الثالث يضيع فيها البشر". والعبرة... سنظل عندهم من "دول العالم الثالث" حتى نحترم - حكاما ومحكومين - قيمة الفرد الواحد فينا، ونفزع لحق الواحد كما نهب لحق الجميع، ولا يضيع عندنا حق بشر. وستحترمنا المجتمعات الأخرى متى ما احترمنا قوانيننا التي هي رمز سيادتنا، ولم نساوم بها - أيا كان - لأي ابتزاز أو تهديد أو اشاعة أو ثمن. تماما كما هم لا يتنزلون للقوانين التي يطالبوننا اليوم بها

العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً