العدد 995 - الجمعة 27 مايو 2005م الموافق 18 ربيع الثاني 1426هـ

جذور "فتنة" العراق ودرس العبرة من لبنان

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

سنتان ونيف مرت على العراق، ولايزال هذا البلد مثخنا بالجروح وأهله يرزحون تحت نير احتلال و"وليمة قتل" وعنف دائمين و"وعود" مستقبل مجهول! ما يزيد على محنة العراق والعراقيين هذه الأيام التقارير التي تتداولها وكالات الأنباء والفضائيات ووسائل الرصد الخبرية المتعددة عما يمكن تسميته بـ "التصفيات الطائفية" المتزايدة التي تنسب إلى جهات وواجهات تحسب في الظاهر على أهل العراق وجمهوره المسكين مرة باسم السنة ومرة باسم الشيعة! النخبة السياسية وجمهور المسيسين في العراق ومعهم نظراؤهم في العالمين العربي والإسلامي بدورهم منقسمون إلى حد بعيد في هذا الاستقطاب الميداني العنيف الذي يدفع ثمنه الباهظ شعب العراق بجمهوره العريض باعتباره "المادة الخام" لهذا التقاتل أو "وليمة القتل" الكريهة الفاسدة.

ثمة من يلقي اللوم من هذه النخبة وجمهورها فيما يجري من نزيف يومي على عهدة النظام القمعي السابق للاحتلال ويحمله مسئولية استمرار العنف وتحوله إلى موجات إرهابية عمياء بذريعة مقاومة الاحتلال وأدواته.

ثمة آخرون من هذه النخبة وجمهورها يلقي باللائمة على عهدة المحتلين والمتعاونين معهم ويحملهم مسئولية إعادة إنتاج المقابر الجماعية التي كانت في عهد النظام السابق من خلال الاجتياحات القاسية التي جرت ولاتزال للمدن العراقية من كل لون وطائفة ودين.

وكلاهما محق فيما يعرض من جانب أو يعد لما يجري من محنة هي في الواقع أشد إيلاما وأكثر عمقا وأخطر تداعيات مما يتصور كل طرف من هذا الاستقطاب المستأنس بنظريته والذي يكاد ينطبق عليه المفهوم القرآني "كل حزب بما لديهم فرحون".

لكن القدر المتيقن والثابت لدى الجميع وهو ما لم يعمل عليه طرفا الاستقطاب حتى الآن أيا تكن درجة صواب رؤية كل منهما على الجانب السياسي من الموضوع هو أن هناك "تحريضا خفيا ومسموما يجري تحت الطاولة في أوساط جمهور "القطبين" جوهره تكفيري استئصالي مسموم لا يمكن أن يفرز إلا قتلا منظما وعلى نطاق واسع لا يمكن السيطرة عليه بلغة البروتوكولات والتفاوضات والخطابات الأدبية المجاملة لكلا الفريقين مهما حشدت من دبلوماسية "صادقة" كانت أم "مخادعة".

لسنا هنا بصدد مناقشة مستفيضة وموسعة لكل أبعاد محنة العراق الجارية وخصوصا دور الاحتلال الرئيسي في كل ما يجري لأهل العراق وخصوصا أن رأيي الواضح والمعلوم سبق أن أثار "لغطا" كثيرا لدى جمهور العراقيين المتضررين من النظام السابق ومن الاحتلال في آن معا، لكن القدر المتيقن الذي أعتقد أن بوسع النخبة العراقية على الجانبين عمله إذا كانت صادقة فعلا في إرادة وأد فتنة طائفية مقيتة يلعب الاحتلال على إيقاظها بل وتطعيمها بمزيد من الحطب كلما خمدت، هو الآتي:

- أن يعلن الفريق الأول وبوضوح لا لبس فيه في إطار ميثاق شرف معلن بأن الظلم الذي لحق به أيام النظام السابق لا علاقة لأهل السنة فيه لا من قريب ولا من بعيد، وأنه يحرم شرعا وقانونا وعرفا أي مس بأهل السنة وهو بريء بالتمام والكمال من أية عملية قتل أو تصفية في الظلام تجري لأي مواطن عراقي وأنه سيحاكم القتلة والمجرمين علنا وخصوصا أنه اليوم يمسك بتلابيب السلطة والحكم. هذا بالإضافة إلى إعلان واضح وصريح آخر يبعد الشبهة عن نفسه من أولئك المتعاونين مع المحتلين في عمليات ملاحقة المقاومين الحقيقيين أو حتى الموسومين بالإرهابيين، فالعراق يفترض أن تكون قد عادت إليه سيادته بحسب إعلانات الحكومة وبياناتها وبالآتي لا سلطة قانونية أو سيادية أو أمنية فوق سلطة الحكومة كما يفترض، حتى يكون ذلك بمثابة رسالة طمأنة واضحة للطرف الآخر.

- أن يعلن الفريق الثاني وبوضوح لا لبس فيه أيضا وفي إطار وثيقة شرف معلنة بأنه وعلى رغم مواقفه الحازمة والواضحة ضد الاحتلال فإنه بريء بالتمام والكمال من كل ما يجري سواء باسم المقاومة عموما أو باسم أهل السنة خصوصا ضد أماكن العبادة أو التجمعات المدنية العامة في البلاد وأنه يستنكر استنكارا كاملا كل الفكر التكفيري أو الاستئصالي الذي يروج له في الانترنت أو في وسائل إعلام أخرى عامة ضد طائفة أصيلة وأساسية من المسلمين سواء بحجة الاختلاف المذهبي أو الفكري معها أو بذريعة تعامل بعض رموزها مع الاحتلال.

أقول ذلك لأن الانطباع العام السائد لدى عموم الناس من المسيسين وجمهور العامة من الطائفتين - وليس مهما هنا إن كان هذا الانطباع مطابقا للواقع أم لا! - هو أن الفريق الأول يريد أن يستفيد من امتيازات، كونه كان مضطهدا أيام النظام السابق ومن امتيازات تعاونه مع القوى الدولية المتحكمة إلى حد ما بالعملية السياسية العراقية في الوقت الراهن من دون أن يتحمل نتائج وتداعيات مثل ذلك على مناقبيته الفردية والجماعية لدى جمهور الطرف الآخر.

في المقابل فإن الطرف الثاني بدوره يترك الانطباع اليومي بالطريقة نفسها لدى الآخر بأنه يريد استثمار كل امتيازات المقاومة الشريفة وغير الشريفة على حد سواء من دون أن يتحمل نتائج وتداعيات ذلك الموقف على جماهير الطرف الآخر.

لقد حان موعد الموقف الواضح والشفاف لكل طرف أمام الآخر على الأقل في الجانب الفكري والاجتهادي والإعلان الواضح برفض التمريض السري والعلني أحيانا ضد الطوائف أو الجماعات وتكفير جماهيرها بجريرة مواقف رموزها السياسية. وعدم ترك الباب أمام الاحتلال وقوى الظلام الخفية من صهيونية وغيرها تلعب في هذا المستنقع الطائفي القذر وتتصيد غنائمها في هذا الماء العكر، ذلك أن الأمور لن تبقى هكذا "سلمية" هذا لو كانت نوايا الزعماء والرموز والوجاهات سلمية، ذلك أن الأعمال في الدنيا الدنيئة خصوصا ولاسيما السلطوية منها لن تكون بالنيات بل بنتائجها العملية المترتبة على الأرض. ولبنان درس ينبغي التعلم منه وليس مجاراته والتماهي معه في هذا المجال بالذات. فلا محاصصة ولا امتيازات تبقى إذا ما عمت الفتنة لا سمح الله

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 995 - الجمعة 27 مايو 2005م الموافق 18 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً