العدد 996 - السبت 28 مايو 2005م الموافق 19 ربيع الثاني 1426هـ

مدارسنا العربية متأخرة متأخرة ومتأخرة جدا

العرب بحاجة إلى الخبز والكرامة يا سيادة الرئيس

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

"لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" الإمام علي بن أبي طالب في خطاب له رائع كما شهد بذلك توماس فريدمان في مقال في صحيفة "نيويورك تايمز" المعنون بـ "ماذا، أنا أخاف؟" الصادرة يوم الجمعة بتاريخ 29 أبريل/ نيسان الماضي، تحدث بيل غيتس، أغنى رجل في العالم مالا وعقلا وفكرا ودينامية، لم يسبق لها مثل تخطو نحو المستقبل بثقة كبيرة أمام مؤتمر قمة لحكام الولايات الأميركية، خطاب لم يتصنع فيه الكلمات وينمقها، خطاب جاء صريحا جدا، قال فيه: "أن المدارس الثانوية الأميركية" أضحت في حكم المنتهية صلاحيتها، أي أنها خارج العصر والتاريخ، فماذا نقول نحن عن مدارسنا؟ "سترك يا ستار العيوب"! وهو لا يعني كما شرح فريدمان في مقال أن المدارس ينقصها التمويل أي المال اللازم لإدارتها وتطويرها، ولا لكونها منهزمة، منكسرة وخاطئة في نهجها، إنما هو يعني كما قال بالضبط: "أن مدارسنا الثانوية وحتى هي تعمل كما صمم وخطط لها أن تعمل لا تستطيع تعليم أطفالنا المعرفة التي يحتاجونها اليوم"، أي أنها عاجزة عن اللحاق بالمستقبل ومتطلباته.

"تدريب قوة العمل للمستقبل بمدارس الثانوية الحالية هو مشابه لمحاولة تعليم الأطفال علوم الحاسبات الآلية بكمبيترات كبيرة يزيد عمرها على الخمسين عاما. مدارسنا الثانوية صممت قبل أكثر من 50 عاما لتلبية حاجات عصر آخر. ولكي نصممها لتلبي متطلبات القرن الحادي والعشرين، سنبقى نحد ومن الممكن أن نخرب حياة ملايين الأميركان كل سنة". وهذه جملة من بعض أقوال بيل غيتس. ويعلق عليها فريدمان قائلا: "دعوني أترجم لكم ما قاله بيل غيتس بإنجليزية مبسطة: إذا لم نصلح التعليم الأميركي فإني لن أستطيع توظيف أبنائكم". وهو في الحقيقة لا يعني توظيفهم في مؤسسته الكبرى، بل يعني أن التكنولوجيا أينما كانت لن تستطيع أخذهم معها. ويقول فريدمان: أعتقد انه خطاب مهم، ويضيف: "واحسرتاه إن الإعلام لم يغطي خطاب بيل غيتس لإنشغاله بمحاكمة مايكل جاكسون، لقد كانوا مشغولين مع الأميركان الذين لا يؤمنون بالتطور". كما أن "الكونغرس هو الآخر لم يلتفت إلى ما قاله بيل غيتس" "ليس برلمانيونا العرب فقط الغافلون عن الأشياء المهمة سامحهم الله ومنحهم متعة البصيرة والبصر، بل حتى برلمانيو أم الديمقراطيات والحريات غافلون هم الآخرون أيضا"!

إلى جانب ذلك يقول: "غفل الرئيس جورج بوش الابن الخطاب لإنشغاله بـ "عملية الضمان الاجتماعي وخصخصته" وأضاف: "وعلى مستوى السياسة الخارجية الرئيس مشغول بمنح العالم العربي الحرية"، وأقول ناصحا الرئيس: اترك عنك يا سيادة الرئيس هذا الأمر فالعرب لا يريدون الحرية، إنهم يريدون الخبز والكرامة أولا. اجلب لهم الخبز والكرامة ثم انظر ماذا هم فاعلون، ستجد الحرية تصدر إلى أقطار العالم من هذا الشرق باعث الحضارة ومصدرها.

ثم إن فريدمان يختتم جملته بالقول: "وليس من المستغرب أن ولاية بوش الثانية تتشكل على أنها الولاية المضيعة العظيمة للوقت".

ويحذر بيل غيتس، إلى جانب كثيرين من مفكري الأميركان بالوضع الذي عليه التعليم في أميركا "وهو تعليم متقدم جدا إذا ما قورن بغيره فقد عملت في التدريس في إحدى الثانويات والإعداديات في ولاية أوريغون قبل ما يزيد على السنوات العشر وكانت تلك المدارس ترتقي إلى مصاف جامعاتنا العربية في كل شيء... حقيقة في كل شيء، بل ربما تتفوق على بعض منها" منبها إياهم بالمخاطر المحدقة بهم من كل جانب؛ وكما يحذر فريدمان الأميركان في مواضع عدة عن وضع سوق العمل وكيفية الحفاظ عليه وتجديده بحيث يلبي طلبات الشباب القوة القادمة إلى سوق العمل، لأن هناك من الشباب الصينيين والهنود "ولهم تسمية خاصة لا تحضرني الآن" وغيرهم في الشرق سيخطفون سوق العمل الأميركية ويصدرونها إلى بلدانهم عن طريق "عاصفة قوية" ستهب صوبهم، وعلى الأميركان الانخراط السريع في الأعمال التي لا يمكن تصديرها مثل الانخراط في الأعمال ذات العلاقة بإعادة البناء والصيانة والتسويق والبيع بالتجزئة والمطاعم... وكل ما له علاقة بالعمل اليدوي، العمل الذي يعتمد على القوة العضلية إلى جانب القوة الفكرية.

لقد سبق لقرآننا أن قال: "يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا" "مريم: 43" وسبق الإمام علي بن أبي طالب كل المفكرين المعاصرين من الغرب أو الشرق في دعوة الناس إلى تعليم أبنائهم علوما تنفعهم في زمان غير زمان آبائهم، زمان يكونون فيه هم الآباء بأدوات يصنعون ما يفيد أبناءهم، ويعلمونهم علوما لزمان غير زمانهم، حركة تعتمد الدينامية في التفكير واختراع السبل الكفيلة بصناعة الحياة الكريمة.

المشكلة الحقيقية أننا أمة العلم والعمل، تركنا جل هذا وجلسنا في ظلام دامس من صنع مخيلتنا نستجدي الأمم الأخرى أن تصنع وتنتج لنا كل شيء حتى العلم الذي لا يحتاج إلى آلات ضخمة، وكل ما يحتاج إليه هو رغبة حقيقية في التعلم والريادة في العلم والتمييز، كما كان عظماؤنا السابقون الذين تركناهم وبخسنا حقهم في التكريم في الوقت الذي تكرمهم أمم أخرى خير تكريم.

إننا مدعوون إلى تغيير سياسة التعليم لدينا بأسرع مما يتصوره عاقل. فإن العالم كما يقول المفكرون الكبار يتغير وبسرعة لم يسبق لها مثيل ولم يعد هذا العالم يعتمد فقط على الكثافة البشرية ورخصها في تقدمه الاقتصادي، بل وعى أنه يلزم التقدم، كما فهمته الصين والهند القدرة على الإبداع، وليس الإبداع فحسب، بل الإبداع بتميز يسبق الأمم الأخرى في إبداعاتها في الشكل والمضمون.

في العدد ذاته من "نيويورك تايمز"، نشرت إحصائية لدراسة جميلة شارك فيها 117 طالبا من بين 239 طالبا مسجلا، منهم 3 في المئة في الصف الرابع، 16 في المئة في الصف الخامس، 30 في المئة في الصف السادس، 22 في المئة في الصف السابع، 18 في المئة في الصف الثامن، 8 في المئة في الصف التاسع، و3 في المئة في الصف العاشر؛ أود أن أضعها بين أيديكم لتقرأوها وتستخلصوا منها ما يلزمكم. تقول الإحصائية إن 50 في المئة من هؤلاء الطلبة يمتلكون هاتفا خلويا، و42 في المئة يمتلك "أي بود" و"إم بي ثري بلير"، و90 في المئة منهم يذكرون أن هناك قوانين ضمن المدرسة تحد من استخدام هذه الأجهزة طوال الدوام الرسمي، و48 في المئة يستخدمون هواتفهم النقالة لإرسال رسائل قصيرة، و90 في المئة يدفع آباؤهم فواتير هواتفهم، و99 في المئة يستخدمون الكمبيوتر في المنزل، و93 في المئة يوظفونه للقيام بالواجبات المدرسية، و87 في المئة يوظفونه للعب التعليمي وغير التعليمي، و71 في المئة يستخدمونه لإرسال بريد الكتروني، و65 في المئة يستخدمونه لإرسال رسائل مباشرة فورية، و45 في المئة يوظفونه لإنزال برامج من النت. و66 في المئة يوظف الرسائل المباشرة الفورية للاجتماع بالآخرين. وأن 48 منهم يذكرون أن آباءهم يشترطون عليهم الدخول إلى مواقع معينة دون أخرى. 69 منهم يعتقدون أن اشتراط الآباء لخوفهم من المواقع الغرامية، و62 منهم لخوفهم من المواقع الإجرامية، و80 في المئة منهم يذكرون أن الآباء يحذرونهم من مشاهدة بعض القنوات التلفزيونية والأفلام، و46 منهم يذكرون أن آباءهم يمنعونهم من قراءة بعض الكتب والمجلات.

جانب آخر تكشفه إحصاءات: أن 50 في المئة من هؤلاء الطلاب يتسلمون مخصصات أسبوعية من ذويهم، و58 في المئة يتسلمونها نظير ما يقومون به من أعمال حول المنزل؛ و86 في المئة يستخدمون المخصصات التي يتسلمونها لشراء الملابس، و66 في المئة لشراء أقراص سي دي، و45 في المئة لتذاكر السينما، ومثلهم لشراء الكتب وقراءتها. وأن 33 في المئة منهم يستقون أخبارهم من المجلات والصحف "قراء"، و48 في المئة من الراديو التلفاز "مستمعون مشاهدون"، و19 في المئة من مصادر متنوعة "إنترنتيون وخلويون"!

كلمة أخيرة أود أن أسجلها هنا للفت الانتباه إلى موضوع معين، في زيارة لإحدى المدارس الثانوية في البحرين فوجئت بملعب كرة القدم وإذا به لوح إسمنتي نائم بخشونة مريعة، عجبت كل العجب كيف يمكننا أن نخلق إنسانا رياضيا وملاعب المدارس بهذا السوء من الإعداد، ملاعب تشكو حالها؟ ثم ماذا لو سقط طالب يلعب كرة القدم على هذا اللوح الإسمنتي وأصيب إصابة بالغة؟ لا أعجب في أن يمتنع بعض الطلبة عن أداء متطلبات الحصص الرياضية وعليه يخسرون علامات تبخسهم حقهم الحقيقي في الدرجات النهائية. الملعب ذاته يستخدمه الأساتذة موقفا لعرباتهم!

المدرسة ذاتها لاتزال تستخدم أدوات ووسائل إيضاح عفى عليها الزمن ويعلوها الغبار من كل جانب وتعشش فيها العناكب، ويتضح جليا مدى الملل والإحباط الذي يصيب الطالب منها لكونه من الناحية التقنية المتاحة له يستطيع أن يشهد ويتعلم عبر وسائل متاحة مشاعة للجميع على الإنترنت. العالم التعليمي تقدم جدا فبإمكان كل مدرسة الآن أن تضع جهاز كمبيوتر واحد أو أكثر مع عارض ليعرض من خلاله أحدث الخرائط الجغرافية وأحدث الوسائل التعليمة لشرح القلب وعضلاته والجهاز الهضمي والدماغ والجهاز التنفسي والهرم الغذائي والجبال والمحيطات وحصص التدبير المنزلي وصيانة الأجهزة، وغير ذلك كثير كثير، بشكل ممتاز وممتع وبمعلومة صحيحة 100 في المئة. المدارس ليست في حاجة لانتظار الوزارة لشراء هذا الجهاز، فبإمكانها أن تقوم بفعاليات اجتماعية تدر عليها بعض المال لشرائها.

أخيرا وليس آخرا، أقول علموا أولادكم اللغة الإنجليزية وبسرعة جدا، فهناك في الفضاء الافتراضي مدارس أفضل من مدارسنا بملايين المرات، تقدم أفضل ما لديها بالمجان هكذا لوجه الله، ولكون اللغة الإنجليزية هي المستخدمة في غالبية هذه المدارس فعلينا تعلمها. هناك مواقع عدة تقدم تعليما مجانيا لهذه اللغة ولغات أخرى. هناك إلى جانب ذلك ما يترجم لهذه اللغة من الكتب والدراسات مما لا يتصوره العرب من علوم الشرق والغرب في شتى المجالات وهو الآخر متاح. المعرفة الآن مشاعة ومنتشرة بشكل لا يمكن وصفه. استفيدوا من هذا الخير الإنساني.

هناك مليار أمي في العالم من بين ستة مليارات وثلاثمئة مليون إنسان، نأمل أن يستفيدوا من هذا الخير. هناك أرقام مخيفة تشملنا نحن العرب الذين جاء وصف أمتنا في كتابه الحكيم: "كنتم خير أمة أخرجت للناس" "آل عمران: 110".

وننتهي هنا بالقول: إذا كانت مدارس أميركا منتهية الصلاحية، فإن باستطاعتنا القول ومن دون أن يرف لنا جفن: إن مدارسنا عفا عليها الزمن، وهي متأخرة، متأخرة، متأخرة جدا. غير أن لدى الكثير من مدرسينا الطموح والاستعداد للولوج إلى عصر العقل، ولكن ليس باليد حيلة.

من لديه حيلة لهذا الأمر فليحتل

العدد 996 - السبت 28 مايو 2005م الموافق 19 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً