العدد 2903 - الثلثاء 17 أغسطس 2010م الموافق 07 رمضان 1431هـ

وافترق الصاحبان

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

فارق الدكتور غازي القصيبي الدنيا، بعد حياة مليئة بإثمارات من فكره، وقد تجادل الكثير من الناس في أطروحاته، واختلفت الآراء بشأنه سواء إيجابية أو أخرى سلبية.

ولكن تبقى الصحبة القوية التي كانت تجمع أديب السعودية غازي القصيبي وأديب البحرين عبدالرحمن رفيع، إذ التقيا وهما في ريعان الشباب، ولم يتفارقا إلا عندما أخذ الموت روح غازي القصيبي رحمه الله.

كان عبدالرحمن رفيع يبعث كل يوم بقصيدة إلى غازي القصيبي عن طريق آلة «الفاكس»، ولم يتوانَ أو يتكاسل القصيبي في الرد عليه، وكانت الصحبة بينهما صحبة أخوة مبنية على علم وتبادل للمعارف.

اليوم بعد هذا العطاء الوافر من قبل القصيبي، وقبل أن يغادرنا قامت المملكة العربية السعودية بإعادة إنتاجه من الكتب التي حصدها خلال حياته، بعد أن كانت ممنوعة، وهذا أبسط ما تقوم به الحكومة السعودية لغازي القصيبي.

إذ إنّ المفكّر العربي لا يلاقي ما يلاقيه المفكّر في الدول الأخرى من احترام لفكره وعلمه وآثاره، ولا يتم تقديره وتكريمه إلا عندما يموت، فلماذا لا نتّخذ الخطوة لنستفيد من المفكّرين قبل أن تأتي المنيّة؟!، وخاصة أنّ غازي القصيبي بكتبه لم يكن إلا إصلاحياً، فهو لم يُثر الناس على المملكة، ولكنّه طلب من المملكة بعض الإصلاحات، حتى تعدّل الأخطاء الموجودة فيها، ومن منّا بلا أخطاء!

في تجارب غازي القصيبي المُرّة والحلوة، نخرج بخلاصة أساسها عدم حصر المفكّر العربي في تيّار واحد، وأهميّة التجاوب مع العقول بطريقة راقية، حتى لا نهدم ما نصنع، وعندنا في البحرين الكثير من العقول النيّرة، ولكن لم نجد منها أو من الدولة أيَّ تجاوب يُذكر في طريق الإصلاحات، ونحن نعلم لو اتحدت الدولة مع تلك العقول، سنصنع ما لم نصنعه في سنوات، فالذي يؤخّرنا عن العمران البشري هو فهم طبيعة تلك العقول البحرينية.

وبالرجوع إلى موضوعنا الأساسي غازي القصيبي، نترككم مع مرثيّته قبل موته، أهداها إلى زوجته، وفيها كلمات تُعبّر عما عاناه القصيبي في حياته وخاصة الأخيرة منها:

خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ

أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت

إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا

يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ

سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ

بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا

قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري

@@@

أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى

عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري

أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ

وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري

منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها

وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري

ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي

والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري

إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني

بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار

وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه

وكان يحمل في أضلاعهِ داري

وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلا

لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ

@@@

وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه

ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ

ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ

يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ

هذي حديقة عمري في الغروب.. كما

رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ

الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ

والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ

لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي

فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري

وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلا

وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ

@@@

ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه

لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري

تركتُ بين رمال البيد أغنيتي

وعند شاطئكِ المسحورِ.. أسماري

إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي

ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري

وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلا

وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري

@@@

يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه

وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري

وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به

عليّ.. ما خدشته كل أوزاري

أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي

أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟

ونحن بانتظار مرثيّة شاعر البحرين الوالد عبدالرحمن رفيع في صديق العمر غازي القصيبي، رغم قسوة الافتراق وصعوبة العيش في هذه الدنيا بدون ذلك الصاحب الحبيب، فهل لنا ذلك يا شاعرنا الوالد؟

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 2903 - الثلثاء 17 أغسطس 2010م الموافق 07 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً