العدد 2904 - الأربعاء 18 أغسطس 2010م الموافق 08 رمضان 1431هـ

أوال والبحث عن الأواليين

تناولنا في الفصول السابقة الأسماء السومرية والأكدية والآرامية واليونانية والفارسية التي أطلقت على جزر البحرين منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد وحتى القرن الخامس بعد الميلاد (انظر الجدول) وبقي لنا أن نتناول الاسم العربي الذي اشتهرت به جزر البحرين منذ القرن الخامس بعد الميلاد وحتى القرن التاسع عشر الميلادي وهو اسم «أوال». ويلاحظ أن هذه الأسماء تعرض تسلسل السيطرة السياسية والتأثيرات الخارجية التي تعرضت لها البحرين عبر العصور وكذلك توضح التأثيرات الخارجية التي تعرضت لها.


ذكر أوال في الأشعار

أوال هو اسم كبرى جزر البحرين قديماً ومن المرجح أنها كانت تعني الأرخبيل بأكمله، وهناك من يرى بوجود أكثر من منطقة في شبه الجزيرة العربية عرفت قديماً باسم أوال (العماري 2009 ب). ولا يعرف بالتحديد زمن ظهور هذا الاسم إلا أن أقدم ذكر له ظهر في شعر الشاعر الجاهلي عمرو بن قميئة (448 م – 540 م):

هَل تَــرى عــيرَها تُجــيزُ سِــراعاً

كَالعَــدَولِـــــيِّ رائِــحاً مِــن أُوالِ

كما ذكر فيما بعد العصر الجاهلي في شعر المخبل السعدي (المتوفي 633 م):

تَحَمَّلنَ مِن ذاتِ الإِزاءِ كَما اِنبَرى

بِبَــزَّ التِجارِ مِــن أُوالَ سَــفائِـــنُ

وكذلك شعر تميم بن أبي (554 م – 657 م)

مَالَ الحُــدَاةُ بِهَا لِحَائِــشِ قَرْيَةٍ

وكَأَنَّـــهَــا سُـــفُنٌ بِسِــيفِ أَوَالِ

والنابغة الجعدي (570 م – 670 م)

مَلَكَ الخَوَرنَقَ والسَدِيرَ ودانَهُ

ما بَيــنَ حِمــيَـرَ أَهـــلِهــا وَأُوالِ

وذكر في شعر الشمردل بن شريك (المتوفى 700 م)

يَـــردُّ الجبـــيــن بالجـــران كأنّـــه

إذا قــام جِــذعٌ من أوال سَــحُوق

وكذلك شعر توبة بن الحمير الخفاجي (المتوفى 704 م)

من النّاعـباتِ المشـيّ نَعباً كأنّما

يُنــاطُ بِجــذعٍ مـــن أوالٍ جريـــرِها

واستمر ذكر أوال عند شعراء العصر الأموي والعباسي وما تلاهما، وظل اسم أوال يرد بصورة متواصلة حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

أوال والأواليون عند اليونان

ينفرد عبدالله الخليفة وعبدالملك الحمر بذكر صيغة يونانية لاسم البحرين في العصر الهلنستي وهو «أولوس» (الخليفة الحمر 1971 ص 55), ولم أعثر على هذه الصيغة فيما بين يدي من المراجع والمتخصصة في الأسماء اليونانية لجزر البحرين, وقد تناقل البعض هذه الصيغة الأخيرة ومنهم كالدكتور فضل العماري الذي بنى عليه فرضية قدم الاسم العربي «أوال» الذي اقتبسه اليونانيون وحرفوه (العماري 2009 ب). وربما كانت هذه الصيغة محرفة عن تايلوس.

أما مسمى «الأواليون» فقد ورد في الكتابات اليونانية عند بليني, وينقل دانيال بوتس في بحثه عن أوال أن بليني ربما قصد بالأواليين سكان منطقة أوال ولكن غير أوال البحرين بل أوال أخرى توجد في الجزيرة العربية:

«وقد يكون الأواليون الذين أشار لهم بليني هم سكان أوال الحجازية أي من منطقة شمال غرب المدينة... ومن البديهي أن وجود اسم أوال في الشرق وأيضاً في الداخل يدل على وجود ارتباط بين القبائل المعنية وفي أيام بليني ربما واجد الأواليون في الداخل فقط (بالقرب من المدينة) وهاجر بعضهم فيما بعد إلى الشرق» (بوتس 1986).

ويذكر بوتس في البحث ذاته ذكر آخر للأواليين في الكتابات اليونانية وهذه المرة بصيغة «أوالينوي» والتي حدد موقعها بالقرب من عمان وقد ربط البعض بين هذا الاسم وأوال (بوتس 1986).

لا يمكننا استنتاج أي شيء من هذا القول لأنه كما يقول بوتس تعتمد على الحديث الفلكلوري, ولكن لو قمنا بتحليل معنى التسمية «الأواليون» ربما نصل لشيء وهذا ما سنراه فيما يلي.


الأواليون المقاومون للملاريا:

في أحد التقارير عن الشعوب الأصلية المهمشة في النيبال في شبه القارة الهندية يذكر فيه عن السكان الذين يسكنون منطقة تيرائي terai ويسمون «الأواليون» والذين يعرفون بالشعوب الأصلية لهذه المنطقة, وقد اشتق اسمهم «الأواليون» من اسم أوال وهو الاسم القديم لمرض الملاريا عند هذه الشعوب وشعوب أخرى في شبه القارة الهندية, وقد عرفوا باسم الأواليون لأنهم تكيفوا مع مرض الملاريا (Lohorung and Rai 2008) وبذلك يصبح معنى اسم «الأواليون» الحرفي «المقاومون لمرض الملاريا». ويبدو أن الصدف تلعب دورها هنا حيث أن الشعب القديم في أوال البحرين أيضاً تكيفوا مع مرض الملاريا الذي كان منتشراً فيها منذ أمد بعيد وذلك بسبب المياه الراكدة التي تساهم في تكاثر البعوض الذي يحمل الطفيل المسبب لمرض الملاريا, والصدفة الأخرى أن حتى الجين المقاوم لمرض الملاريا وهو جين فقر الدم المنجلي هو من نفس النوع الذي يوجد في الشعوب القبلية في شبه القارة الهندية والذين يعرفون بالشعوب الأصلية وهناك مصادفة ثالثة وهي أن أول حضارة قامت على جزيرة البحرين والتي عرفت باسم حضارة دلمون تأسست أساساً من شعوب تأثرت بثقافة حضارة وادي السند الذين ربما شاركوا في بناء حضارة دلمون, وتعتبر حضارة وادي السند أصل نشأة الشعوب القبلية في شبه القارة الهندية.

تأمل المصير المشترك الذي آلت له سلالة حضارة وادي السند وسلالة حضارة دلمون فكلاهما يعيشون في قرى أو قبائل يعاني سكانها - دون غيرهم - من مرض فقر الدم المنجلي.


الأواليون وامتلاء البطن جوعاً

القبائل العربية التي استوطنت البحرين في الحقبة الهلنستية لم تجد لنفسها بديل سواء الاندماج مع الشعوب الأقدم منهم والذين تكيفت أجسادهم مع مرض الملاريا, والذين ويمتلكون أيضاً جينات تمكنهم من مقاومة هذا المرض. حدثت أيضاً في هذه الفترة غربلة للسكان, أدت تلك الغربلة لمزيد من الاندماج والانصهار بين القبائل العربية والجماعات الأقدم منها (راجع جزء بناء النموذج).

وقد عرفت منطقة البحرين الكبيرة بصورة عامة أنها منطقة موبوءة, وقد اشتهر في العديد من المؤلفات القديمة وجود مرض يؤدي لتضخم الطحال، حتى أصبح تضخم الطحال ظاهرة مرتبطة بالبحرين فكان يقال: حمّى خيبر، وطواعين الشام، ودماميل الجزيرة، وطحال البحرين، حتى قال الشاعر:

ومن يسـكن البحرين يعظم طحالــه

ويغبط على ما في بطنه وهو جائع

وبدون شك أن المقصود بتضخم الطحال هنا هو إشارة لمرض الملاريا الذي يتميز بثلاث صفات أساسية ظاهرة وهي تضخم الطحال وفقر الدم والحمى. وقد زعم البعض أنه مرض فقر الدم المنجلي وهذا زعم لا أساس له من الصحة. والسؤال هنا لماذا لا توجد تسمية قديمة خاصة بمرض الملاريا؟ هل كان يسمى أوال ومنه جاء اسم الجزيرة؟ أو أن كل ذلك مجرد صدف؟ حتى في الحاضر لا نعرف مسمى عامي لمرض الملاريا منتشر في البحرين إلا اسم «أصخونة مثلثة» وهو قريب من اسم المرض المشهور في المؤلفات العربية وهو «حمى الثلث» وقد عرف بهذا الاسم بسبب مراودة الحمى للمريض كل ثلاثة أيام.

ولكن لازلنا نحتفظ بصورة شبيهة بالصورة القديمة وهي انتفاخ البطن من المرض وليس من الرخاء ففي الوقت الراهن لازال أحفاد الأواليين مغبوطين على ما في «بطن» أوال من خيرات إلا أن بطونهم منتفخة من المرض وليس من الرخاء, قديماً كانوا يقولون عن سبب الانتفاخ هو «مرض الطحال», واليوم أصبح سبب الانتفاخ علل نفسية نتيجة القهر والمعاناة.


أوال والسمك

أول من ذكر اسم أوال بمعنى سمك من جغرافي العرب هو المسعودي المتوفى سنة 957م والذي ذكر وجود سمكة ضخمة تسمى أوال في بحر الزنج (دار الفكر 1973: ج 1 ص 150). ثم ذكره من بعده شمس الدين محمد المعروف بشيخ الربوة المتوفى سنة 1327م في كتابه «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر», وقد ذكر السمك أوال في أكثر من منطقة جغرافية (دار إحياء التراث العربي 1988: ص177 و 224) وعند ذكر جزيرة أوال وجزيرة بني كافان أضاف:

«وأوال اسم دابة من دواب البحر يكون طولها مئة ذراع وأكثر وأقل, وهذا كثير الوجود بناحيتها (يقصد جزيرة بني كافان)» (دار إحياء التراث العربي 1988: ص224).

ويلخص دانيال بوتس في بحثه عن أوال (بوتس 1986) آراء عدد من الكتاب التي ترجح أن أوال بمعنى سمك من أولئك بلجريف (1865) الذي يقول إن «أوال» تسمية هندية للقرش، وقد سموا البحرين باسم هذا السمك مع أنه يوجد بعيداً عن شواطئها. بينما يرى بينت (1890) أن «أوال» اسم قديم للبحرين، وهو كذلك اسم لنوع من الشفنين (لخمة) حيث كانوا يستخدمون زعانفها السمك من نوع يسمى (أوال) لتسميد نخيلهم. ويقول هومل (1926) أن في بداية الإسلام كان الاسم العربي للجزيرة هو أوال أي بمعنى الحوت والاسم الحالي هو (سمك).

ونخلص من ذلك أن مجموعة من جغرافي العرب والباحثين يرون أن أوال بمعنى سمك ربما سمك القرش أو الشفنين أو الحوت. ويذكر أن من أسماء القرش في الخليج العربي هو «عوال» وربما اشتق هذا الاسم من الاسم «أوال» بقلب الألف عين وهو ما يعرف بالعنعنة.

ويشير بوتس إلى أنه وفي العصر الحديث، يبدو أن الاسم «سمك» قد أطلق على الأرخبيل وجزره الرئيسية كما تشير إلى ذلك خريطة شبه الجزيرة العربية المطبوعة في أوروبا. ومما يؤسف له أنه من الصعب تصويب الصيغ العربية بصورة دقيقة انطلاقاً من نسخ تقريبية ولم نعثر على مصدر عربي استخدمت فيه هذه الأسماء. فعلى خرائط مختلفة تعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي كانت جزيرة المحرق تسمى سمكة، وهذا الاسم دون شك تحريف أو ترجمة لشماهية/ شماهي (سماهيج) والتي تعني سمك بالعربية، وفي القرن التاسع عشر الميلادي استخدمت كلمة سمك للدلالة على الجزيرة الكبيرة.


أوال المعبود

ذكر الحموي في معجمه في مادة أوال أن أوال اسم صنم لبكر بن وائل وتغلب بن وائل. ويرجح مجموعة من الباحثين أن اسم الجزيرة اشتق من اسم هذا الصنم. ولكن هذا الاحتمال ضعيف بسبب أن غالبية سكان جزر أوال اعتنقوا المسيحية النسطورية وهذا ما سنناقشه في الفصول القادمة بالتفصيل, وقد ناقش العماري هذه النقطة معلقاً على قول الحموي:

«ليس في هذا القول ما يربط بين الاسم والقبيلتين بحيث يوحي أن الجزيرة أخذت الاسم منه فإذا كان الاسم قديماً - أياً كان موقعه وزمنه - فإنه يعني أن القبيلتين سكنتا هذا الجزء من شرقي الجزيرة العربية, والمعلوم المؤكد أن تغلب بن وائل - وكذلك بكر بن وائل - لم تسكنا هذه المنطقة في فترة قديمة قبل الإسلام فتغلب كانت في وسط نجد, في أعلاه, حتى أوائل القرن السادس الميلادي, ثم زحفت شمالاً متجهة نحو شمالي العراق, وكذلك بكر, ولأن بكر قبيلة ضخمة فقد انتشرت بعض عشائرها في بادية البحرين القديمة» (العماري 2009ب).

إلا أن بوتس يرى أن كلاً من بكر بن وائل وتغلب بن وائل سكنا شرق الجزيرة العربية في عهد سابور الثاني وبالتحديد العام 325م فقد ذكر رواية عن الطبري أنه قاتل بكر بن وائل في شرق الجزيرة العربية وأنه قاتل تغلب بن وائل في الشمال وأسكنهم جزيرة أوال وشرق الجزيرة العربية (بوتس 1986). وبذلك تكون كلا القبيلتين أو فروع منهما سكنا شرق الجزيرة العربية في وقت مبكر قبل الإسلام, ولكن يتمحور النقاش حول مدى أهمية هذا الصنم المسمى أوال الذي لا نعلم له وصف ولم يكن الصنم الرئيسي لقبيلتي بكر وتغلب وكذلك أن كلا القبيلتين لم تكن لها السيادة في شرق الجزيرة العربية بل كانت السيادة في قبيلة عبد قيس التي اعتنقت الديانة المسيحية.

العدد 2904 - الأربعاء 18 أغسطس 2010م الموافق 08 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً