العدد 1005 - الإثنين 06 يونيو 2005م الموافق 28 ربيع الثاني 1426هـ

قصتي مع معلم الرياضيات التقليدية

السلمانية - تيسير صبحي 

تحديث: 12 مايو 2017

التقيت حديثا العالمة الأميركية كارول آن توملينسون وهي من أبرز العلماء في هذا الميدان، وقد تركت بصماتها في ميدان التربية والتعليم منذ أن كانت معلمة للغة الإنجليزية في إحدى المدارس الأميركية. وقد روت لي حكاية فريدة من نوعها عن أحد طلبة الصف التاسع الذي كان يطالبها بصورة ملحة بأن تسمح له القراءة عن الديناصورات في حصة اللغة الإنجليزية. وهي تقول لي إنها سمحت له بذلك نتيجة الإلحاح والرغبة الجامحة لدى هذا التلميذ بالحصول على المعارف الممكنة عن الديناصورات.

إذ كانت البداية مع الديناصورات في غرفة الصف التقليدي وفي غضون الوقت المخصص لمادة اللغة الإنجليزية، ومع معلمة كانت كفاياتها تسمح لها باتخاذ الإجراء المناسب في الوقت المناسب، وهذه المعلمة باتت من العلماء المرموقين في ميدان الموهوبية والإبداع.

أما الطالب فقد بات من العلماء، وهو يعترف بأن تلك الفرصة النادرة التي أتيحت له كانت السبب في توجهه نحو العلوم الحياتية والإسهام في تطورها من خلال إنجازاته المبدعة. لقد كانت حصة اللغة الإنجليزية هي المفضلة بالنسبة إليه، وكان الوقت يمر سريعا وهو يبحث عن المعرفة من خلال مصادرها المختلفة. وتمكن هذا التلميذ من بناء حصيلة معرفية كبيرة وغنية، وساعدته معلمة اللغة الإنجليزية في تنظيم وإجراء مقابلات شخصية مع عدد من العلماء المرموقين في هذا الميدان، وعمل على تطوير قاعدة معلومات وبيانات رصينة عن الديناصورات، وبات هذا التلميذ من الخبرات التي تستشار في هذا المجال.

وتتحدث كارول توملينسون عن تجربتها هذه وهي تتساءل كم طالب موهوب جرى وأد موهبته وقتل إبداعه لأن المعلمة لم تسمح له بأداء ما كان يرغب/ ترغب فيه، ولم تسمح له/ لها بالخروج عن المألوف. وكثيرة هي القصص المماثلة لهذه القصة. وفي كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية تجد قصة أو مجموعة قصص مماثلة.

في إحدى محاضراته الرئيسية تحدث العالم الأميركي جوزيف رينزولي عن شخص يجسد أحد صنوف الإبداع الفني. وكان ذلك الشخص بارعا في نحت الشخصيات وتصميم الملابس الخاصة بتلك الشخصية، ومن ثم حياكة تلك الملابس. وقد عمل هذا الشخص على بناء عالمه الخاص من الدمى المميزة، ومع مرور الأيام تعاظمت حصيلته من الدمى الأنيقة وبات منزله مكتظا بتلك الدمى. وذات يوم داهمه مرض خبيث دفعه إلى كتابة وصيته. وبعيد وفاته قام المحامي بفض الوصية فوجدها بمثابة كارثة إن هو قام بتنفيذ بنودها؛ فقد نصت الوصية على أن يقوم المحامي بالإشراف على حرق جميع الدمى التي أبدعها طيلة حياته؛ فوجد المحامي نفسه في موقع المعارض لتنفيذ بنود الوصية؛ فقام بترتيب الأمر مع جامعة كونيتكت الأميركية التي رحبت باستضافة الدمى وهيأت لها المكان المناسب، وأصبحت الساعة من المقتنيات الثمينة لمتحف الفنون التابع للجامعة.

وسياق القصة يشير إلى جملة منطويات في مقدمتها أن هذا المبدع لم يحظ بدعم المجتمع ولا مساندته، فمارس الإبداع في إطار سعيه إلى إرضاء الذات، وعندما شارفت الذات على الموت حكم على حصيلة إبداعاته بالمصير ذاته؛ ألا وهو الفناء؛ فهي - من وجهة نظره الخاصة - ملكية خاصة لم يسهم في وجودها أحد، وليس من حق أي إنسان آخر الإفادة منها. ويبدو أن عزل المبدع وعدم الاعتراف بإنجازاته، وعدم دعمه ماديا ومعنويا ساعد في خلق اتجاهات سلبية قوية لديه إلى جانب الشعور بالإحباط والفشل.

ومن القصص الأخرى التي أرغب في تسليط الضوء على مغزاها، أروي باقتضاب قصة صديق قضى أربع سنوات من الحياة الدراسية الجامعية في أحد التخصصات العلمية، وهي قصة تتكرر في كل التخصصات في جامعات دول العالم الثالث في عصر بات العلم فيه تجارة رائجة تستجيب لرغبة جامحة في الحصول على أعلى الشهادات، وتدر أرباحا وفيرة على تجار العلم والمعرفة. وقد حدثني صديق بأنه تخرج من إحدى الجامعات العربية المعروفة في مطلع الثمانينات من القرن العشرين. وبعيد تخرجه وجهت إليه دعوة رسمية لزيارة مجموعة من الجامعات والمؤسسات العلمية البريطانية. وبنتيجة تلك الزيارات تأكدت له حقيقة مفادها أن حصيلته المعرفية التي تشكلت في السنوات الأربع من حياته الجامعية لا تعادل الحصيلة المعرفية لطالب في السنة الأولى يدرس في التخصص ذاته في واحدة من الجامعات العريقة التي قام بزيارتها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً