العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ

قرار أميركي قد يؤذي مستقبلنا في المملكة العربية السعودية!

ابراهيم عباس نتو comments [at] alwasatnews.com

هي لبنة أخرى وجديدة في جدار يهدف إلى عزل المملكة خطوة خطوة؛ ويبدو أن في الجعبة ما فيها، فعلينا - على كل المستويات - أن ننتبه وأن نتنبه علينا الحذر من الغفلة والتغاضي، ومن التمادي في التربيت على أكتاف أنفسنا وبعضنا بعضا وأننا "ما فوقنا فوق"؛ وألا نواصل القول لأنفسنا إننا: "ما عندنا خلاف"؛ "هؤلاء يبغون يتقصدوننا"؛ هؤلاء يحسدوننا ويودون بنا السوء إلخ. ثم بالمقابل، لا نفعل شيئا مما يلزم وبما يكفي من تغيير المسار، أو تعديل السرعة، أو تبديل النمط والأسلوب... أو تسريع التعديلات والمضي قـدما وحقا في الإصلاحات.

علينا ألا نكون مع التنابلة "المتـنــبلين" "كما في "تنابلة السلطان"" فنمكن المتربصين بنا من أن يجعلونا نشنق أنفسنا... بأيدينا وبحبالنا!

في مقال باللغة الإنجليزية هذه الأيام، بقلم الكاتب ستيفن شوارتس، بعنوان "محاسبية المملكة العربية السعودية 2005: الكونغرس يحاول أن يحاسب السعودية"، يتم فيه تكرار توجيه الأصابع التي كانت قد وجهت إلينا في السعودية عقب 11 سبتمبر/ أيلول، مثلما تم التنويه في مواضع أخرى عن "سوء معاملة" الخادمات والممرضات ونحوهن، ثم الإشارات إلى الانتحاريين السلفيين هنا وهناك؛ ثم عن "ممانعتنا الدخول في" الحرب على العراق مع "القوات المتحالفة"؛ ثم "عدم التعاون بما يكفي" قي تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالية؛ ثم "عدم مناسبية المناهج"، بل إنها تسهم في تنشئة العنف والإرهاب؛ ثم إقدام الرئيس الأميركي بذكر السعودية في "خطاب الأمة" السنوي المهم مع بداية هذا العام، ومع بداية فترته الرئاسية الثانية، بذكر بلدنا بصفات سلبية، في سابقة لا سابق لها.

ثم توجيه الاصبع قبل أيام، ضمن عدد من الدول القريبة والبعيدة، إلى "المتاجرة بالرقيق" في الأطفال؛ ثم - كما في المقال أدناه - الربط بيننا وقرار الأمم المتحدة 1373؛ وأخيرا، في المقال هنا، فيما يشبه رفع "البطاقة الصفراء" - التي ربما تتبعها بطاقات - فهي هنا في شكل قرار مجلس الشيوخUS Senate Resolution S. 1711] ، وهذا في رأيي بؤرة الخطر، وقد يأتي ليضرب في مقتل.

ولنجعل نصب أعيينا، أنه في الدول التي يحكمها القانون، يقوم "الرئيس" بتنفيذ قانون البلاد، مما يشرعه نواب الشعب المنتخبون؛ وحتى لو كانت للرئيس هناك، "بناء على مبدأ "الفصل بين السلطات""، صلاحياته واستحقاقاته، إلا أن القول الفصل سيبقى بكل جلاء، وفي نهاية المطاف، للشعب؛ فحتى راتب الرئيس الشهري وكذلك خصم الضريبة السنوية منه، يقرهما نواب الشعب؛ ومهما تمحك أو اجتهد الرئيس إزاء موقف من المواقف أو سياسة معينة إزاء قرار من القرارات، ومهما قدم أو سوف أو أجل، فإنه عندما تأزف الآزفة، لن يجد لها من صارفة، ولن يجد محيصا عن تنفيذ كلمة نواب الشعب.

نعم، قد يأتي ذلك "التنفيذ" مغلفا بعبارات "دبلوماسية" أو في تغليفات "قانونية"، لكن تنفيذ الرئيس لقرارات نواب الشعب، سيأتي بشكل أو بآخر، ملبيا قرار نواب الشعب، نصا وروحا.

قام بإعداد مشروع القرار هذا عضو مجلس الشيوخ الأميركي "من ولاية بنسلفانيا" السيناتور أرلين سبيكتر، وهو "سيناتور" مؤثر مخضرم وله مواقفه الواضحة الفاعلة تحت قبة البرلمان الأميركي منذ سنوات طويلة. كما انضم لتوقيع مسودة المشروع معه ستة أعضاء من زملائه في "مجلس الشيوخ" من مختلف الشرائح والفئات والولايات الممثلة في الكونغرس.

جاءت مسودة "القرار" بمجموعة خطيرة من الاتهامات، اختزنها واختزلها معد القرار والموقعون المشاركون معه مشحونة وملغمة بما وصف بأنه "أدلة" تجاه المسئولين السعوديين فيما يخص الإرهاب و"أدوارهم" فيه. كما تم صوغ القرار في شكل مختصر موجز غير مطنب. وفي الفقرات اللاحقة مباشرة فيما يلي تأتي ترجمتي للب "القرار":

المطالبة بأن تنفذ المملكة قرار الأمم المتحدة UN Resolution 1373 وهو القرار الذي يطالب الدول الأعضاء بالامتناع عن "دعم" الإرهاب؛ والمطالب بـ "مقاومته"؛ وبالتوقف كلية عن تسهيل أي "ملاذ آمن" للإرهاب، مع الإشارة في صلب القرار إلى أن المملكة تربة خصبة صالحة لهذا وذاك.

"القرار" أيضا يدون استنتاج "مجلس العلاقات الخارجية" أن المملكة كانت قبل 3 سنوات "المصدر الرئيس لدعم القاعدة"؛ وأن طلبات الحد من شأوها لم تلق من المسئولين أذنا صاغية بصفة جدية؛ كما تضمن القرار أيضا الإشارة إلى تقرير صدر منذ سنة، جاء فيه أنه "لم يتم القبض على أي مواطن قام بالتمويل، كما لم يحاكم أو يعاقب أحد علنا".

ويواصل مشروع القرار سرد عدة تقارير مثل "تقرير لجنة 11 سبتمبر"، بما يشمل الإشارة إلى أن 15 من الـ 19 المتهمين بتنفيذ تفجيراته كانوا من السعوديين؛ وكذلك الإشارة إلى "جلسات الاستماع العامة" في لجان الكونغرس عن "الوهابية"، وعن المساهمة ضمن تمويل "حماس" بما مجموعه 4 مليارات دولار منذ بدء الانتفاضة الثانية في العام 2000م.

وعلى رغم خطورة كل هذه الدعاوى، فإن القرار يؤكد أيضا أن المملكة "لم تقدم التزاما فاعلا في مجهودات أميركا في مكافحة الإرهاب؛ بل اتهم القرار المملكة "بالتواني" في التحقيقات عن تفجيرات أبراج الخبر في العام 1996 التي قـتل فيها 19 أميركيا؛ ثم يذكر "ممانعة المسئولين تمكين المحققين الأميركيين من التحقيق" مع مواطن سعودي معين "لديه معلومات" عن مخطط لنشر غاز سام في مترو نيويورك؛ "إضافة إلى عدة دعاوى أخرى".

ومع أن لكل بلد ظروفه، ولكل حادث حديث... فليست هناك دولتان توأمين، إلا أنها تتعدد الأسباب والحاصل واحد!

والخطورة تتفاقم هنا، بأن فحوى "قرار" السيناتور سبيكتر هذا قد تم تقديمه "منذ أيام" أيضا في مجلس النواب، "القاعة" الأخرى في الكونغرس الأميركي، لإدراجه على جدول أعماله هناك كذلك، وأنه في مجلس النواب قد تبناه ما لا يقل عن 26 نائبا "مرة أخرى، شمل موقعين من مختلف الشرائح" بحيث، فيما إذا تم تبني القرار، فإن ذلك سيقدم للجانب التنفيذي من الدولة على أنه "توافق" "= تقريبا "إجماعا"" من الكونغرس بمجلسيه، ليطالب بضرورة إلزام السعودية بالتعاون التام والفوري والكامل، داخل المملكة وخارجها، في حملة أميركا ضد الإرهاب، بما يشمل الإغلاق الكامل والدائم لكل الجمعيات الخيرية والمدارس والمنظمات والمؤسسات الأخرى التي "تساهم من قريب أو بعيد في دعم الإرهابيين"، وبما يشمل أيضا حجب المعونات التي يمكن أن تقدم لأسر "منفذي الأعمال الانتحارية" ضد "إسرائيل".

ولضمان تحقيق "محمل الجد" إزاء قرار الكونغرس هذا، وفيما إذا لم تصل الرسالة إلى آذان وأعين السعوديين، فلقد شمل نص القرار سردا لعدد من العقوبات المنتظرة، بدءا بمنع توفير المعدات التقنية العسكرية للمملكة، وأيضا تحديد مجال تحرك دبلوماسييهم في حدود 25 ميلا مربعا من مواقع البعثة الدبلوماسية في واشنطن العاصمة "وكذلك القنصليات السعودية في أنحاء الولايات المتحدة: في نيويورك وهيوستن ولوس أنجليس". ولعله من الواضح أن هذا - حينما وبعدما يـنفذ - قد يكون القطرات التي تسبق الانهمار.

فلنكن واعين متيقظين بأن لدى المتربصين ببلدنا الكثير من "بطاقات اللعبة"، يحفظونها في جيوبهم، وسيخرجون منها ما يلزم في الوقت والتوقيت المناسبين، حبة حبة!

ولنتذكر أن القرار الذي تم توجيهه إلى سورية، الذي كان فاعلا في دفعها أخيرا إلى الانسحاب من لبنان بعد 3 عقود من المكوث، لم يكن القرار "الأول"، ولن يكون الأخير؛ إنما كان وسيستمر في سلسلة عملية "نزع اللبنة تلو اللبنة" من الجدار حتى يطيح؛ كما في تأثير نزول الماء - بشيء من التوالي والتتالي - فيسقط على الصخر، قطرات قطرات، حتى يحدث حفرة محفورة، ولو بعد حين، مهما كان الصخر صلدا.

وكذلك ما حدث في أفغانستان، فلم يحدث الهجوم بين يوم وليلة، بل إن مرصدا ظاهرا ومتواريا كان يرصد ويسلط الضوء، ويدق الناقوس بين الفينة والفينة. فتجارة الأفيون مرة؛ والتسلط على المرأة مرة؛ وقوائم الممنوع والحرام التي لا تنتهي؛ والتدمير المخجل لمعبد "باميان"؛ ومنع الأطفال من تطيير الطائرات الورقية؛ ومنع المرأة من العمل؛ بل وحرمان البنات من التعليم... إلخ من قائمة طويلة مستطيلة؛ هذا كله إضافة إلى إيواء سيئ السمعة - صاحب تورا بورا - بعد أن تم طرده من السودان أيام تسلط المتزمتين؛ ثم قام الطالبان بعد ذلك بفتل حبال مشنقتهم - بأنفسهم - على مدى ست سنوات.

وكذلك كان للأسف في العراق، فبعد أن طغى طاغيته في البلاد، وتمادى في رعانته وعماوته حتى عم بلاؤه داخل حدود البلاد وضد مواطنيه وأهل بلده وذويه؛ وبعد أن كرر أذاه خارجها؛ وبعد عدة هزائم؛ وبعد حصار طويل أتى على الأخضر واليابس "نعم، وبعد ادعاء أو ادعاءين - جاء منها ما كان باطل، بل وكذبة كبرى: "أسلحة الدمار الشامل""؛ لكن بعدها قامت دابة الأرض ومحت نظامه من الوجود كلية. ولربما استمر الاحتلال سنين كثيرة بطريقة مباشرة، ثم - في تصوري - لعشرات السنين بطرائق أخرى.

بقيت واحدة ستكون "علينا" في السعودية، إن نحن انزلقنا فيها: وهي الولوج في متاهات الطاقة النووية. فلقد سمعنا حديثا هذا، بعد أن هدأت العواصف التي كادت تحيق بإيران؛ وبعد أن نجا زعيم ليبيا و"نفد بجلده" بنباهة نادرة، فجاء للسالفة "من الآخر"، وانسحب قبل أن يسحب! إذا بنا نسمع عن ضغوط هذه المرة على بلادنا، إذ تطالبنا أميركا، وكأننا كوريا الشمالية، بلزوم التفتيش على "المنشآت النووية"... ونحوه ونحوه، ماذا يجري؟ أي منشآت نووية في السعودية؟!

إننا في السعودية، وفيما يخص الطاقة خصوصا، نحن أبعد من نكون عن الحاجة إلى "الطاقة النووية"... فالنفط سيظل مأمننا وبشرانا "بناء على تصريحات وزير نفط بعد آخر" أنه موجود ليبقى، ولقرن من الزمان، وفي رواية لقرنين.

كما أن لدينا من إمكانات استغلال الطاقة الشمسية وغيرها ما يمكننا "إن أردنا التهيؤ له والعمل عليه" من الاكتفاء الذاتي، بل وتصدير تلك الطاقات البديلة، إلى عموم الكرة الأرضية!

فإذا كانت مأساة احتلال العراق مبنية على "كذبة كبرى" "تملك "أسلحة الدمار الشامل""، فالرجاء كل الرجاء، المتحزم بالعقل، المتعمم بالحكمة... هو ألا نقدم من عند أنفسنا علثة إضافية سائغة وسببا ضافيا يمكن تبريره في ردهات مجلس الأمن لاستصدار القرارات، وفي غرف العمليات الحربية لوضع المخططات.

وها أنا ذا قد عبرت؛ وترجمت؛ وبلغـت

العدد 1018 - الأحد 19 يونيو 2005م الموافق 12 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً