العدد 2932 - الأربعاء 15 سبتمبر 2010م الموافق 06 شوال 1431هـ

المرأة والحداثة والثقافة المرئية

دمية «الأوتو كيو»

هل يمكننا الحديث عما يمكن أن نسميه «الحداثة» و «إبداع المرأة» في منطقة الخليج العربي، أيّاً يكن الحقل المعرفي الذي تنشط فيه المرأة من دون التوقف مليّاً عند الظروف الصعبة والخاصة جداً التي ترسم قدر المرأة الاجتماعي وتؤطر شكل حضورها التاريخي؟

وفي ظل التشييء والاستهلاك الذي تتعرض له «رمزية» المرأة في شتى القنوات الفضائية العربية والتي لا تبقي غالباً، من كينونتها إلا تلك «الصورة الفاقعة» للجمال الأنثوي، ثرثرة «شفاه تتكلم» حركة شفاه، ولا يهم ما الكلمات، فالعين أبلغ من الاذن في التقاط الصور المثيرة للخيال الدفين... فتيات الأوتو كيو... حوريات عربيات حطم الأوتو كيو آخر ما تبقى من فرق بينهن وبين الرجل في القدرة على الكلام. فالأوتو كيو هو الصفحة الضوئية التي تثبت أسفل الشاشة ومنها يقرأ الجميع نساء ورجالاً، ويظن المشاهد المستلقي في أريكته وأوهامه أن مذيعته ومذيعه يقول كل ما يقوله يخبر ويدلي برأي ويتفلسف من رأسه لكن الحقيقة أن الأوتو كيو هو الذي يتكلم... وما الشخص الذي ملأ الشاشة بعلمه ومعرفته ورخامة صوته سوى دمية تتكلم. إنها دمية الأوتو كيو، ناقلة كلمات المعد حرفياً بحرف... بما في ذلك الأخطاء اللغوية.

ومع أن الأوتو كيو، وهو مفردة حداثية بامتياز، وثمرة من ثمراتها، ليس حكراً على النساء المذيعات ونجمات البرامج الخفيفة والثقيلة وما بينهما، كما نلاحظ، إلا أنه صديق المرأة، أكثر، ومنصفها... فلم يعد هناك أحد أحسن من أحد، أو أبلغ منه، فالجنسان بليغان في القول والتعبير، والجميع بليغ. حتى الركاكة في عامياتها المنتشرة على المحطات التلفزيونية المتكاثرة كفطر الغابة، بليغة.


أسئلة تجيب

قد يظهر من كلامي أنني ضد هذا الجنس الملون الذي يسمونه الجنس التلفزيوني اللطيف، والواقع انني أدافع عن ظلاله وأعماقه وإنسانيته الدفينة وراء الصور.

ولو تركت نفسي على سجيتها في هذه الورقة، فسيخطر لي أن أسال وأترك السؤال يجيب: هل إن حضور المرأة في التلفزيون مكافئ لوجودها ومكانتها في المجتمع العربي الجديد أم هو حضور مشوه، ويعكس خللاً أو تمييزاً ما؟ أطرح السؤال، وأتركه في رصيد من سألني في واحدة من المناسبات إن كان حضور المرأة في الشاشة التلفزيونية العربية مساوياً لحضور الرجل. والواقع أن مثل هذا السؤال يبدو لي نافلاً في ظل انعدام المساواة بين الجنسين، وهيمنة السياسة الذكورية على المجتمع.

وهو ما يستدعي تقليب السؤال وإعادة طرحه على نحو مختلف، فعن أي حضور للمرأة نتحدث؟ وهل يمكن اعتبار تلك الميوعة في صورة مذيعة المنوعات وذلك الافراط في حضورها الخفيف على مدار الساعة في برامج تافهة القيمة، حضوراً.

أنا أشتغل تلفزيونياً في حيز ثقافي، ومن خبرتي الشخصية مع التلفزيون، أعرف أن البرنامج الثقافي، ليس طموحاً أول لأي مذيعة عربية تنشد السلام لنفسها في مهنتها. مع ذلك ظلت فكرة البرنامج التلفزيوني الثقافي قضيتي الشخصية منذ نعومة أظفاري في هذه المهنية الصعبة والشيقة، والتي تضيع مرات كثيرة الحدود التي ترسم علاقتنا بها كهواية، وكمهنة وكرسالة فكرية واجتماعية. ولكن من دون أن ننسى أبداً أن عالم الصورة هو مسرح طموح شخصي وهي للغاية، فالتلفزيون ماكنة أكول تطحن الصور والأخبار والأفكار والكلمات والرموز والعناوين والمواعيد لتُصنع للمشاهد في غرفة تلك الوجبة المنتظرة.


ثقافة الترفيه

العالم كله في خدمتك أيها المشاهد، ونحن أيضاً في خدمتك، ولكن بماذا نختلف نحن المذيعات والمذيعين حتى عندما نكون أصحاب برامج مرموقة عن مضيفي ومضيفات الطائرات في رحلة تقصر أو تطول؟ مرفهون ومرفهات في حالة ترفيه عن مرفه به. رحلة ترفيهية على هامش رحلة صعبة هي الحياة.

لا أريد أن أتورط بتحليل اجتماعي فكري لفكرة التلفزيون، فقد فعل ذلك من هم أكفأ مني، مثقفون ومفكرون عرب وأوروبيون، ربما كان من بين أبرعهم المفكر الفرنسي رولان بارط. ولا حاجة بنا لاستعراض الاسماء للإشارة إلى عمل الفكر في حقل تحليل سيميائيات الصورة، والصورة التلفزيونية. مؤخراً رأيت للمرة الثالثة فيلماً رائعاً أنتج قبل سنوات عن رحلة صورة تشي غيفارا كشخصية ورمز ودلالات تاريخية وجغرافية وسياسية وفكرية عالمية، وعن قدرة صورة واحدة على اختزان مضمونات وقيم عالمية وتفجيرها كطاقة معبرة عن الشعور ومولدة للشعور.

صورة مارلين مونرو، صورة مايكل جاكسون، وقبلها صورة ألفس بريسلي. صورة بن لادن، وفي محيط إقليمي صورة محمد الدرة، أو صورة حسن نصر الله. صحيح أن الصور من صناعة الشارع أو الواقعة الواقعية لكن انتقال الصور وانتشارها، كما تعرفون، صناعة تلفزيونية بامتياز، فالتلفزيون هو الصورة.


المرأة وصورتها

هل يوجد رهان حقيقي على تصحيح الصورة، أو الصور، صورة المرأة في الإعلام المرئي العربي، وفي التلفزيون على وجه الخصوص... (وقد كسر الانترنت وحدانية الصورة التلفزيونية) هل يمكن الرهان على شيء ما مختلف؟ ربما يكون الجواب رهين سؤال آخر، يتعلق بالقائمين على الأقنية الفضائية وأجنداتهم الخاصة ومواصفات السوق وشروط المعلن، وسلسلة من الشروط والاعتبارات التي تتحكم بالصورة التلفزيونية.

بل وبالسؤال الفكري عما يعنيه التلفزيون للمجتمعات العربية الحالية؟

أطرح هذه الأسئلة، وأتركها معلقة في فضاء النقاش حول التلفزيون والمجتمع... لأن هناك بطبيعة الحال قوى وإرادات وتيارات سلطوية حديثة أكبر منا جميعاً هي التي تحدد وظيفة الشاشة التلفزيونية ومن خلالها شكل الصورة ووظيفتها.

مرة خطر في بالي، ترى هل توجد عندنا محاورة سياسية في عمر باربرا والترز على مشارف الثمانين؟ الجواب على الأرجح لا؟ ولكننا نجد محاوراً صحافياً بهذا العمر كحمدي قنديل مثلاً. والسبب، بداهة، أن عمر انخراط المرأة في العمل الإعلامي جاء متأخراً، مع ان المرأة في شتى المجتمعات المدنية العربية غادرت بيتها وانخرطت في العمل العام منذ مطلع القرن العشرين، وربما قبل ذلك.

بداية لابد لي من الإشارة إلى أن الافكار والملاحظات التي سترد في هذه الورقة، إنما هي خلاصات أولى، وخواطر تتداعى إليّ على هامش تجربة مع البرامج الثقافية استمرت حتى الآن نحو 15 سنة بدأتها مع برامج قدمتها في البحرين أولاً: «شظايا الابداع»، ثم، في دبي: «صواري»، و «وجوه». وأخيراً وليس آخراً بطبيعة الحال مع برنامج «نلتقي» على فضائية دبي.


أسئلة جوهرية

والواقع أن الاهتمام بإعداد وتقديم البرامج الثقافية، يقوم عندي على أساسين: الأول، ولع شخص بالتلفزيون كوسيلة تواصل مع المجتمع،. وثانياً، الولاء للثقافة والرغبة في انتزاع مساحة تلفزيونية لها في ظل هيمنة غير منصفة للمواد السياسية والدعائية والمنوعات الخفيفة التي تكاد تحل نفسها محل كل شيء في تثقيف المجتمع ثقافة طربية وتحويله إلى مستهلك عاطفي ركيك في بنيانه الروحي، خالٍ من كل فكر.

وهذه الحال التي سادت طويلاً لم ينفجر مكبوتها ليفسح في المجال للثقافة والثقافي في التعبير عن شؤونهما إلا مع مطلع الألفية الثالثة حيث صحا العرب على عالم يريد أن يعيد تعريف نفسها عن طريق الثقافة. وهكذا انتبه المشرفون على التلفزيونات العربية وبينها الفضائيات إلى أن هناك شيئاً اسمه الثقافة وعليهم أن يتعاملوا مع هذا الاكتشاف الجديد.

والواقع أنني كلّما طُرح عليَّ السؤال حول علاقة التلفزيون بالثقافة، فإن أفكاراً كثيرة تزدحم في رأسي، ولا سيما عندما يكون المقصود علاقة التلفزيون بحركة الثقافة، بالابداع الأدبي والفكري والفنّي. وفي هذا السياق، فإنني أؤثر أن أتحدّث من منظور شخصي أقرب إلى الشهادة المبنيّة على التجربة والملاحظة الشخصية، في حين أننا نحتاج إلى الدراسة الموثّقة لمعرفة مواطن الخلل في هذه العلاقة.

وأنا متأكدة أن هذه الأفكار والتداعيات حول المشهد الثقافي المتلفز، أو دور التلفزيون في نقل المشهد الثقافي، إنما هي شأن مشترك، كما هي الممارسة التلفزيونية، بيني وبين زملاء لي في الحقل الإعلامي، وهو ما جعل غالبية منا تشترك في انتباهها إلى أن المضمون الثقافي لا يشكّل همّاً حقيقياً وشاغلاً، ولا أهميّة كبيرة له لدى القائمين على الأقنية الفضائية العربية، بل إنني أجزم أنه يقع في ذيل اهتماماتهم، في بيئة إعلامية أقلّ ما يقال فيها إنها مغتربة عن الثقافة، وقد تأصّل عندها أن تنظر إلى الشأن الثقافي على أنه بلا جمهور، وعلى المادة الثقافيّة أنها «ثقيلة الظل»، لا تحقّق النسبة المرجوّة من المشاهدة، ولا تجذب المعلنين.


ثقافة الصورة

قبل أن ندخل في لبّ المسألة، كما أراها وأفكّر فيها، دعني أُشير إلى أنني، حتى لا أكرّر كلاماً قيل من قبل، لم أقف عند نظريّات الاتصال الجماهيري، أو أستعرض ما يسمّى بـ «ثقافة الصورة»، و «الثقافة التلفزيونية» جزء منها بطبيعة الحال، وقد درسها مثقّفون ومفكّرون أوروبيون كبار، من أمثال الفرنسيين دوبريه، وبوردو وبارت، وغيرهم، وأخذ عنهم مثقّفون عرب من أمثال عبدالله الغذامي في كتابه «الثقافة التلفزيونية... سقوط النخبة وبروز الشعبي»، وكذلك فعل غيره، وقد تركت هذا الأمر إلى سواي يتعمّق فيه، فبحثي ليس «نظريّاً» ولا هو بمثابة «وصفة» حلول للمشكلات والقضايا التي يتطرّق إليها، ولكنه بمثابة شهادة شخصية تطرح أفكاراً وتأمّلات وأسئلة غير شخصية، لنتفكّر بها كشعراء ومثقّفين وإعلاميين، ولتكون في رصيد النقاش المطروح حول التلفزيون وعلاقته بالثقافة.

والذي يبدو لي استناداً إلى التجربة الشخصية أن جانباً إضافياً من معضلة الثقافة في علاقتها بالتلفزيون يكمن في أن الأدباء والمثقّفين ينظرون إليه نظرة تحفظ، وأنا نفسي أعاني من ذلك فهم مثلاً ينظرون إليّ كإعلامية، وفي الوسط الاعلامي ينظرون إليّ كشاعرة ومثقّفة. وهذا الفصل التعسّـفي يجعلني غريبة مرتين. وعندي ليس من تناقض في أن أكون إعلامية وشاعرة وأكاديمية معاً، أو مثقّفة، في مصطلحات الوسط الثقافي. لكن هذه الحالة هي حالة إشكاليّة بامتياز، وتصلح أن تكون نموذجاً معـبّراً عن الخلل في نظرتنا إلى الأشياء.


المثقفون والتلفزيون

وعندما نتحدّث عن التلفزيون وعلاقته بالثقافة، لا بدّ من أن نعرّج أولاً على علاقة المثقّفين به. المثقّفون الأوروبيون يعتبرون (وقد نقل عنهم العرب ذلك) التلفزيون «ثقافة واطئة» (Low Culture) أو ثقافة شعبية. لكن هذه النظرة الأوروبية تبلورت في مجتمعات التلفزيون فيها ليس نافذة للدولة على الناس، كما هو حاله في العالم العربي، ولكنه منبر إعلامي حرّ، يملكه المجتمع، ويساهم فيه المواطن الأوروبي بقسط مالي سنوي ينتزع من ضرائبه. وبالتالي، فإن ثقافة رجل الشارع الأوروبي، وثقافة المجتمع بطبقاته المختلفة حاضرة وممثّلة في هذا التلفزيون... ويستطيع المشاهد الأوروبي أن يؤثّر، فيقدّم لائحة بطلباته التلفزيونية ويحصل عليها. وعليه، فإن حق هذه الشريحة الاجتماعية أو تلك مكفول في أن تحدّد موقفها من التلفزيون ومن الثقافة التلفزيونية بشفافية، ومن دون عُقَد تذكر. فهو «ثقافة واطئة» رغم كل ما يُعتدّ به من برامج ثقافيّة مرموقة في التلفزيون الأوروبي. فبأي مصطلح نصف «التلفزيون العربي» المغترب نهائياً عن حركة الثقافة، والذي يعتدّ أهله أنفسهم بضجرهم من شيء اسمه ثقافة. ولا يضيرهم بتاتاً وصف تلفزيونهم بالخِفّة، بل إن الخفّة عندهم إطراء ومنزع وأربٌ وأداء حسن؟

من ناحية أخرى، فإن التلفزيون في معظم المجتمعات العربية، كان حتى الأمس القريب، وربما لا يزال إلى اليوم، وإن بدرجات متفاوتة، أرضاً محرّمة. فهو مملوك من الدولة، ويعتبر بوقها ومنبرها وشرفتها المشرعة على المجتمع والعالم، وأحياناً مدفعيتها الثقيلة ضد هذه الدولة أو تلك، أو ضد هذا وذاك من الخصوم الداخليين والمنافسين الخارجيين.


تفاوت نسبي

وفي ما يتصل بالحداثة ومفرداتها وأدواتها وعلاقة التلفزيون العربي بها سبق لي أن أشرت مراراً إلى وجود تفاوت، فهناك بلدان يكاد تلفزيونها أن يكون متخلّفاً تماماً عن العصر، في حين نشهد، في الخليج مثلاً وفي بعض البلدان العربية نوعاً من قفزة تلفزيوينة، وبدهي أن تفاوت وضع التلفزيون والفارق في صورته بين هذا البلد العربي وذاك، عائد إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. والتغيّر النسبي الحاصل في وضع التلفزيون العربي عموماً جاء أولاً على محمل سياسي، وبفعل مدخلات سياسية، وثانياً انطلاقاً من تطوّر اجتماعي ثقافي، لهذا البلد العربي أو ذاك.

وإذا كان التلفزيون في ذاته أداة حديثة وحداثية بصرف النظر عما يقدمه، فإن المشروعات التي يتعامل معها وينقلها ويساهم فيها التلفزيون إنما تحدد أخيراً حداثية المشروع الذي يقف وراءه أو قدامته وتخلفه.


هبّة فضائية

يجب أن ننتبه إلى أن الهبّة الفضائية العربية التي حصلت في العالم العربي، (وهي في حد ذاتها ضرب من ضروب الاستجابة للغة الحداثة)، اقتضت معها البحث عن مادة لا تنتهي لساعات بثّ طويلة، بل على مدار الساعة، واقتضت توظيف جسم إعلامي عربي متزايد. في هذا المناخ من النموّ الفضائي المحموم اتّسعت حصّـة «الثقافي» في التلفزيون، وبات الطلب على «فقرة» الثقافة أكبر، بل إن بعض الفضائيات العربية في الخليج خصوصاً، حاولت أن تسوّق نفسها قنوات شبه ثقافيّة، أو أقرب إلى الثقافة بالمعنى الواسع والشعبي للكلمة. ولم يكن ذلك متاحاً أو ممكناً في العالم العربي لولا حادثين كونيين كبيرين: الأول هو تفكّك الاتحاد السوفياتي ونهاية التجربة الشيوعية في شرق أوروبا، وبالتالي سقوط ما كان يسمّى بالثنائية القطبيّة، في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وما ولّده هذا الحادث الكبير من ثقافة جديدة في العالم هي ثقافة «الديمقراطية الغربية»، وانعكس رجّة ضخمة في العالم العربي وحيرة أيديولوجية وثقافيّة مفتوحة على شتى الاحتمالات.

والحادث الثاني هو الواقعة التراجيدية التي حدثت في سبتمبر/ أيلول في نيويورك، فقد فتحت هذه الحادثة الباب في العالم كلّه لمناقشة الإسلام من وجهة إعلامية ثقافيّة، واعتبار الإسلام ثقافة عنيفة، وبالتالي تحوّل الرجّة العربية بفعل نهاية الثنائية القطبيّة إلى اضطراب سياسي ثقافي، بانتظار التغيير. فالعالم كلّه يتغيّر، ولكن كيف سيتغيّر العرب؟ هذا هو السؤال، وسرعان ما جاء الجواب: سيتغيّرون تلفزيونياً فقط. وحتى على هذا الصعيد سيكون التغيير نسبيّاً. إذاً ولدت ثقافة جديدة في العالم العربي هي ثقافة الكلام التلفزيوني.

وعلى رغم الخلل في الكفّة ضد المسلمين والعرب في العالم، فقد تدفّقت على العالم العربي مصطلحات ومفردات ثقافيّة جديدة وسمعنا كلاماً، ورأينا برامج تلفزيونية ورحنا نتناول مصطلحات من قبيل «صراع الحضارات»، و «نهاية التاريخ»، وراجت في السوق الفضائية مفردات «الأنا» و «الآخر»، و «الشرق» و «الغرب»، و «نهاية الأيديولوجيا»، و «الإسلام والحداثة» و «الإرهاب» إلخ... وصارت هذه المصطلحات مادة تعلكها وتبتلعها الفضائيات العربية ليل نهار على ألسنة متكلّمين سياسيين متلعثمين وآخرين فصحاء، وبرز جيل جديد من المعلّقين التلفزيونيين، في السياسة، والناحية العسكرية والاقتصاد، ولاحقاً في الفكر، يمتلك لغة أقرب إلى الثقافة الحديثة في مصطلحاته منه إلى الثقافة التقليدية، أو المحافظة، وشيئاً فشيئاً صار لدينا نحن العرب معلّقون ثقافيون أولاً في السياسة. ثم في كل شيء، من الصحّة العامة، إلى الجريمة والأزياء، وصولاً إلى أعقد القضايا والظواهر الاجتماعية والفكريّة وأخيراً الثقافيّة المحضة.

وعلى رغم القيمة القثلية لهذا الانفجار التعبيري عبر التلفزيون، إلا أنه يمكن اعتباره تحولاً ثقافياً بالغ الأهمية ولعله أن يكون مقدمة نحو مجتمعات ديمقراطية عربية تؤمن بحق الفرد وحق الجماعات في التعبير عن نفسها.

العدد 2932 - الأربعاء 15 سبتمبر 2010م الموافق 06 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً