العدد 1036 - الخميس 07 يوليو 2005م الموافق 30 جمادى الأولى 1426هـ

هجمة الكنيسة الإنجيلية الأميركية على الإسلام في المغرب والجزائر

عبدالهادي بوطالب comments [at] alwasatnews.com

كشفنا الستار "في مقال سابق" عن المخطط الأميركي البديل لتغيير خريطة الشرق الأوسط الكبير طبيعة وهـوية وتاريخا ومسارا مستقبليا. وقلنا إنه يرتكز على خمسة أسس رئيسية. وجاء في سياق الحديث عن الأساس الرابع ما يأتي: "غزو أجزاء من منطقة الشرق الأوسط عن طريق إقامة قواعد عسكرية أميركية فيها، بعضها علني وبعضها سري. ويدخل في الغزو الإنجيلي الكنسي لخلق فصائل دينية متعارضة حتى في الأقطار التي لا يوجد فيها إلا الدين الإسلامي الواحد كالمغرب والجزائر".

سلطت هذه الومضة السريعة على ما يجري في الجزائر والمغرب بعد أن نشر الإعلام تصريحا لوزير الإعلام الجزائري شكا فيه من الهجمة الكنسية الأميركية على سكان منطقة القبائل المسلمين لحملهم على اعتناق الدين المسيحي، وبعد أن راجت أنباء متضافرة عن امتداد هذه الحملة التبشيرية إلى المغرب الذي حضرت على أرضه في الأشهر الأخيرة مجموعة من الرهبان الإنجيليين الأميركيين لتنصير الشباب ذكرانا وإناثا. ويشاع في المغرب أن عددهم يناهز سبعة آلاف.

الدين الإسلامي تدين به في المغرب والجزائر غالبية شعبية ساحقة، بل يمكن القول إنه لا يوجد فيهما لمواطنيهما دين غير الإسلام الذي استمر أزيد من 15 قرنا، وعليه يلتقي مواطنو البلدين الشقيقين. ومن أجل ذلك نص الدستوران المغربي والجزائري على أن الإسلام هو دين الدولتين، وأن الجزائر والمغرب دولتان إسلاميتان، والإسلام هو دينهما الرسمي.

ليس في المغرب بين مواطنيه مسيحيون، وبالأحرى لا توجد فيه أقلية دينية بجانب الغالبية الإسلامية. ووحدة الدين الإسلامي في المغرب إحدى الركائز الأساسية الخمس التي تقوم عليها وحدة المغرب والمغاربة، بالإضافة إلى وحدة المواطنة، ووحدة الـملكية، ووحدة التراب الوطني، ووحدة التاريخ والمصير.

على رأس المملكة المغربية ملك عرشه متوارث. فالنظام الملكي كان موجودا في العهد الأمازيغي قبل وصول الإسلام إلى المغرب. وعرش المغرب اليوم أقدم العروش بعد عرش اليابان. ويقول الدستور المغربي عن الملك إنه أمير المؤمنين، أي عامة المسلمين، وإنه حامي الملة والدين، ما يعني أن حماية الدين الإسلامي من العدوان مسئولية دستورية ملقاة على عاتق الملك.

لست متأكدا من الرقم سالف الذكر الذي أصبح شائعا عن عدد من ارتدوا في المغرب عن الإسلام نتيجة الحملة الكنسية الأميركية. لكن تتضافر الأنباء على أن الرهبان المسيحيين القادمين من الولايات المتحدة يمارسون ضغوطا مادية ومعنوية على الشباب المغربي، ويساعدونهم ماديا، ويقدمون لهم الكثير من الخدمات، ويشدونهم إلى الإنجيلية الأميركية بوافر المغريات، ويستغلون ظروف الحاجة والفقر، ليوقعوا في أحبولتهم المنصوبة بعض الشباب صيدا رخيصا.

في عهد الحماية الفرنسية التي خضع لها المغرب طيلة 44 سنة فقط، لم تشن الكنيسة الفرنسية في المغرب التي كان يغشاها الأجانب أية حملة تبشيرية لتنصير المواطنين المسلمين، لأن فرنسا التزمت للمغرب في عقد الحماية باحترام دينه، وبكفالة حرية الاعتقاد والضمير، واحترام قدسية الشعائر الإسلامية. ولم تعمل بوسيلة أو بأخرى على خلق تعددية دينية لا تعكس الواقع الديني المغربي.

تتابع عن بعد سلطات الأمن المغربي تحركات الحملة الإنجيلية الأميركية الشرسة، وتراقبها عن كثب. لكنها تمتنع لحد الآن عن التدخل لوضع حد لها. ولا يليق بالولايات المتحدة والمغرب جارها وصديقها وحليفها التقليدي أن تتآمر كنيستها على النيل من وحدته، أو المس بمقدساته. ويبدو أن الحملة تعمل في فضاء العالم وليس فقط في الشرق الأوسط والجزائر والمغرب، فقد جاء في تصريح للفاتيكان أن البابا الجديد يولي الأولوية في برنامجه لمناهضة حملة الكنيسة الإنجيلية الأميركية التي ينتمي إليها الرئيس بوش والمحافظون الجدد المتصهينون، والتي تشن على جهات شتى من العالم من بينها أقطار في أميركا اللاتينية لحملها على اعتناق التوجه الكنسي الأميركي. وذلك من أجل عولمة الدين، وتنميطه على نهج هذه الكنيسة في نطاق أمركة العالم بما في ذلك أمركة دين العالم. وسيدشن البابا "بنيديكت" نشاطه بالتوجه إلى أميركا اللاتينية والتردد عليها للدعوة إلى التشبث بدين الكنيسة الكاثوليكية.

أدعو الدبلوماسية المغربية إلى الدخول في حوار مع الولايات المتحدة صديقة المغرب لتنبيهها إلى أن هذه الحملة عدوان صارخ على وحدة المغرب الدينية، ومحاولة بائسة لتفتيت الكيان المغربي الموحد، وأن هذا التوجه لا يخدم مصالح أميركا العليا، وأنه لن ينتج إلا المزيد من كراهية المغاربة للتوجهات السياسية الأميركية.

وأوجه هذه الدعوة لا تعصبا للدين الإسلامي وغلوا ولا معاداة للمسيحية، ولكن لأن الحملة الكنسية الأميركية ذات طابع سياسي تستهدف خلق أقليات دينية في المغرب الذي لا يوجد فيه إلا دين الإسلام، وذلك في نطاق سياسة تفتيت وتمزيق كيانات الشرق الأوسط الكبير.

ومن جهة أخرى، أعتقد أن في إمكان المجالس العلمية المغربية المستحدثة التي يرأس مجلسها الأعلى جلالة الملك أمير المؤمنين وحامي الملة والدين "من كل خطر وعدوان" أن تقيم دعوى ضد الكنيسة الأميركية لدى القضاء المغربي والقضاء الأميركي، ليصدر كل منهما حكما يدين هذه الحملة، ويلزم الكنيسة الأميركية بإيقافها فورا، ضمانا لممارسة حرية الاعتقاد، وحرية اختيار الدين الذي يرتضيه كل مواطن لنفسه.

والحملة الكنسية التي تستهدف تحويل المتدين المغربي عن دينه، وتـزين له الارتداد عدوانا على هذه الحرية المقدسة التي تكفلت باحترامها الشرائع والقوانين والدساتير، ومن بينها الدستور الأميركي الذي طفحت بنوده بالتركيز على ضمان حرية الاعتقاد والضمير، واحترام الدين، وتجنب الإكراه على اعتناق الدين الآخر.

استمرار هذه الحملة خطأ فادح بالغ الضرر على الولايات المتحدة بكل تأكيد. فمن يزرع الريح يحصد العاصفة

العدد 1036 - الخميس 07 يوليو 2005م الموافق 30 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً