تواصلت عمليات بيع البطاقات السكانية للعاطلين عن العمل في وقت أعلن فيه وزير العمل مجيد العلوي الاسبوع الماضي أن "9 آلاف عاطل باعوا بطاقاتهم السكانية من أصل 20 ألف عاطل" - لاستخدامها من قبل أصحاب مصلحة في جلب العمالة الأجنبية "فري فيزا"، ما يعد اعترافا ضمنيا بصحة ما نشرته "الوسط" العام الماضي أن المتاجرين في بطاقات العاطلين عبثوا بتركيبة سوق العمل.
وكان العلوي نفى حينها ما نشرته الصحيفة عن عدم صحة إحصاءات التوظيف التي تصدرها الوزارة إذ تشمل التوظيفات الصورية، كما نفى إحصائية رسمية نشرتها "الوسط" تبين تشابه أعداد من وظفوا مع من قدموا استقالاتهم خلال النصف الاول من العام الماضي.
في غضون ذلك كشفت متابعة استغرقت يومين عن استمرار ظاهرة بيع البطاقات السكانية أمام مبنى السجل السكاني في الحورة وشوهد أمس اشخاص يقومون باستدراج العاطلين لتغيير بياناتهم في البطاقات السكانية وتدوين معلومات مزوره تبين توظيفهم في شركات ومؤسسات معينة كي يتسنى لها الحصول على تأشيرات لجلب العمالة الأجنبية بعد القفز على شرط توظيف بحريني. ويحصل العاطل مقابل القيام بهذه العملية على مبلغ يتراوح بين 50 و60 دينارا ويقل المبلغ المدفوع إلى الفتيات.
إلى ذلك التقطت "الوسط" صورا "لسماسرة" بحرينيين يشرفون على هذه العمليات فضلا عن آسيويين بينهم امرأة تشارك في توزيع استمارات التوظيف على العاطلين واستمارات استقالات فورية ويعمل هؤلاء على دفع العاطلين للدخول إلى مبنى السجل لاجراء التغييرات المطلوبة في المعلومات الشخصية وتسليمهم مبالغ متفق عليها بعد إنجاز العملية. ولوحظ أمس أيضا أن عاطلين يقدرون بنحو 15 مواطنا كانوا ينتظرون دورهم في ممر ضيق مقابل مبنى السجل كي يتسنى لهم الحصول على المال بعد تنفيذ المطلوب منهم. ولم يشاهد خلال اليومين الماضيين وجود مفتشين من وزارة العمل أو رجال أمن لضبط المعنيين.
من جانبه، ذكر أحد الموظفين في السجل السكاني أن القائمين على هذه العمليات يتخذون من المنطقة منذ نحو 9 أعوام مركزا لاجراء التوظيفات الصورية إذ بدأوا بعرض ما لديهم على مراجعي السجل بطلب تغيير بياناتهم مقابل الحصول على مبلغ معين الامر الذي راج بين العاطلين الذين أخذوا في التدفق منذ ذلك الحين داخل الممر على شكل مجموعات للقاء السماسرة وانهاء المطلوب.
وعن الاجراءات التي اتخذتها إدارة السجل إزاء ذلك لوقف ما يحدث أوضح المتحدث أن الادارة لا تملك التدخل في هذه الامور كونها ليست الجهة المختصة وتكتفي بإنهاء المعاملة التي تبدو ظاهريا قانونية، وذكر في حديثه أن العاطلين الذين يقومون بتغيير بياناتهم لهذا الهدف يكررون العملية بعد مرور ثلاثة شهور وهي المدة المشترطة لاجراء أي تغيير فيما يتعلق ببيانات التوظيف والاستقالات.
ونفى المتحدث في سرده للمعلومات وجود تنسيق مع وزارتي العمل والداخلية لمحاربة الظاهرة وضبط المتورطين، كما نفى وجود مراقبة من قبل الجهات المذكورة قائلا إن المعنيين يعملون بحرية من دون أي رادع أو خوف. الامر الذي ساعد على استمرارية العمل بوتيرة متصاعدة وخصوصا بعد إلغاء وزارة التجارة والصناعة الضمان البنكي لمن يرغب في استخراج سجل تجاري، ولم يحدد المتحدث أعداد العاطلين الذين يتحولون إلى موظفين صوريين بشكل يومي لكنه قال إن عشرات يجري تغيير بياناتهم يوميا.
في الموضوع ذاته قال المواطن حسن سلمان إنه غير بيانات بطاقته السكانية مرتين ليتحول إلى موظف صوري حينما كان عاطلا عن العمل، وشرح أن أصدقاء عاطلين أرشدوه العام الماضي إلى هذه الطريقة للحصول على مبلغ يحتاجه، وتناول أن العمليتين تمتا داخل الممر المشار إليه إذ تسلم في المرة الاولى من بحريني استمارة توظيف دون فيها البيانات المطلوبة وتم على اساسها إصدار بطاقة سكانية جديدة توضح أنه موظف في إحدى الشركات وسلم نسخة منها إلى صاحب الاستمارة ليدفع له بعدها مبلغ 50 دينارا بعد التوقيع على استمارة الاستقالة. وواصل أنه بعد مرور اربعة شهور كرر العملية مرة اخرى لكنه تسلم استمارتي التوظيف والاستقالة من آسيوية كانت تحمل ملفا مليئا بالاوراق فضلا عن مبالغ للدفع.
وتحدث سلمان عن واقع الحال بقوله إن العاطلين يقصدون أولئك بدافع الحاجة والعوز من دون أن يدركوا مدى الاضرار التي يلحقونها بسوق العمل حينما يستخدمون كأداة تتيح لاصحاب المصلحة التلاعب على القوانين التي وضعت منعا لإغراق المملكة بالعمالة الآسيوية المسماة "الفري فيزا"، كما تحدث عن محاولته بعد ادراكه لما يحدث توعية اصدقاء له بهذه الاضرار وثنيهم عن قصد من يتصيدهم مستغلا حاجتهم للمال.
وتطرق سلمان إلى وجود اشخاص تتم لصالحهم عمليات التوظيف الصورية بهدف استصدار تأشيرات عمل للاجانب إذ يتم بيع الواحدة منها بنحو ألف دينار مقابل منح الاجنبي حرية التنقل في سوق العمل. واعتبر القائمين على التوظيف الصوري مجرد وسطاء لتجاوز العقبات مقابل عمولة تدفع لهم عن كل عاطل يتم تغيير بياناته.
من جانبه توقع الباحث الاقتصادي جاسم حسين في تحليله للظاهرة أن يكون العدد الحقيقي للعاطلين أعلى من الأرقام المعلنة وخصوصا ان بحرينيين مسجلون لدى وزارة العمل أنهم يعملون وهو ما يخالف الواقع وبالتالي يعقد حل معضلة البطالة في المملكة جراء الاعتماد على أرقام غير دقيقة.
وواصل "لا يعرف على وجه الدقة عدد الأفراد المتورطين في مسألة تغيير بيانات البطاقات السكانية وربما يتسنى تحديد الرقم بملاحظة الإحصاءات المتعلقة بمشروع إصلاح سوق العمل. فشركة ماكينزي التي أجرت الدراسات أشارت إلى رقمين مختلفين لعدد العاطلين حينما ألمحت أن عددهم يتراوح ما بين 16 ألفا و20 ألفا أي أن الفرق 4 آلاف مواطن. وبرر حسين وقوع ماكينزي في ما وصفه بهامش من الخطأ امتد إلى 20 في المئة اثناء محاولة تحديدها عدد العاطلين بقوله إن ظاهرة المتاجرة في بطاقات العاطلين سبب في ذلك، وتساءل في الوقت ذاته عما أعدته وزارة العمل للحد من الظاهرة، وأردف "هل تصر الوزارة أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يتم التلاعب على القوانين؟ فخدمة تغيير بيانات البطاقات السكانية تحدث بشكل علني أمام مكاتب السجل السكاني! وأبدى حسين تفاؤله بأن يساهم مشروع إصلاح سوق العمل في القضاء على الظاهرة
العدد 1040 - الإثنين 11 يوليو 2005م الموافق 04 جمادى الآخرة 1426هـ