العدد 1069 - الثلثاء 09 أغسطس 2005م الموافق 04 رجب 1426هـ

مشاهد متناقضة لانتقال السلطة!

من موريتانيا إلى مصر

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

عاشت المنطقة في الفترة الأخيرة عدة مشاهد مثيرة ومتناقضة لعملية انتقال السلطة في أكثر من بلد، بعضها تدخل فيها القدر بصورة مباشرة، وبعضها الآخر حدث بإرادة بشرية.

من الانتقال الديمقراطي للسلطة في إيران شرقا، الى الانتقال القسري عبر الانقلاب العسكري في موريتانيا غربا، وبينهما تراوحت عملية انتقال السلطة في السعودية، وفي الحركة الشعبية لتحرير السودان، وأخيرا الإعداد لمسيرة اصلاح ديمقراطي طويلة في مصر، عبر انتخابات الرئيس لأول مرة بالانتخاب المباشر وليس كما كان بالاستفتاء العام.

بين هذا وذاك نبدأ بالقول ان هناك فروقا واضحة في التعريف والمفهوم والوسيلة ومن ثم المضمون، بين انتقال السلطة وتداول السلطة، في الأولى قد يتم الانتقال بوسائل عدة، بينها الإرادي الحر وبينها القسري، أي بالانقلاب أو بالموت الذي يتشارك معهما بإرادة فوق إرادة البشر، أما في الثانية فيتم التداول عبر الانتخابات الحرة المفتوحة أمام المواطنين.

ثم نضيف انه لسنوات طويلة كان المواطنون في هذه المنطقة من العالم، نسوا حكايات الانقلاب العسكرية، التي تتالت عبر عقود مضت، فغيرت وبدلت ونقلت السلطة من يد الى يد، ومن حاكم الى آخر، في بلاد مثل العراق "أول من عرف الانقلاب العسكري في اربعينات القرن الماضي"، وفي سورية ومصر وليبيا والسودان والجزائر والصومال واليمن فضلا عن محاولات انقلابات أخرى في بلاد أخرى.

لكن موريتانيا فأجأتنا في الأسبوع الماضي بانقلابين من الجيش وقوى الأمن، ينقلبون على انقلابي قديم هو الرئيس المخلوع معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذي سبق ان استولى على السلطة بالانقلاب العسكري أيضا قبل أكثر من عشرين عاما، وحكم خلالها بمعظم القادة الحاليين الذين انقلبوا عليه، فانتقلت اليهم السلطة بالاستيلاء القسري.

وفي الحالين، الانقلاب القديم وذلك الجديد، ظلت ارادة الشعب غائبة مغيبة، فلا الانقلابيون القدامى استفتوه، ولا الانقلابيون الجدد سألوه، لكن آلية القوة المسلحة غلبت فحكمت وتحكمت وعلى المواطن العادي أن يوفق أوضاعه، طبقا لما هو جديد والا فالسيوف على الرقاب!

وربما على النقيض من ذلك، جرت انتخابات عامة في إيران على منصب رئيس الدولة المحددة مدته بفترتين فقط، بعد ان انتهت رئاسة السيدمحمد خاتمي، وتقدم للترشيح أكثر من ألف إيراني، لكن المنافسة القاسية جرت بين اثنين من رموز النظام الاسلامي الحاكم في إيران، منذ ثورة الامام الخميني العام 1979 ضد الشاه، ونعني بين رافسنجاني الرئيس السابق وبين عمدة طهران ممثل "تيار رجال الدين المحافظين" أحمدي نجاد.

عبر جولتين من السباق العلني نجح وتولى الرئاسة، فقدمت إيران نموذجا جديدا في الانتقال السلمي للسلطة، يلامس وربما يماثل تداول السلطة بالمفهوم والشكل الديمقراطي المتعارف عليه، وعلى رغم ملاحظات بل انتقادات الغرب، وخصوصا أميركا، لعملية تداول السلطة هذه، لأنها تمت بين رمزين من رموز النظام الأعلى الحاكم أي في داخل مؤسسة النظام وباشرافه، فإن الملاحظ ان انتخابات الرئاسة جرت في علانية ومنافسة مفتوحة وعبر التصويت الشعبي العام وتحت عيون العالم بأسره، ورضي الطرفان المتنافسان بالنتيجة النهائية التي لم تطرق باب التسعات الثلاث!

أما في السودان، فقد اهتزت الأوضاع بقوة الى الحد الذي عرض أمن البلاد كلها للتدهور، اثر حادث سقوط الطائرة الغامض الذي أودى بحياة جون قرنق "قائد الحرب والسلام"، ذلك المتمرد أو الثائر الجنوبي الذي خرج من الغابة رافعا سلاحه ضد الحكومة السودانية قبل أكثر من عشرين عاما، والى الغابة عاد جسدا محترقا، قبل ان يكمل شهرا في منصبه الجديد، نائبا لرئيس الجمهورية، في ظل اتفاق السلام الجديد.

وقد حبس السودانيون، بل معظم العالم المهتم أنفاسهم تطيرا من الحدث، وتوقعا لنتائجه وتداعياته فمن ذا الذي يملأ مكان ومكانة هذا الرجل، الذي تحول في نظر كثيرين الى أسطورة، وما هو مصير اتفاق السلام والمصالحة، الذي أنهى واحدا من أكثر الصراعات في العالم دموية وعنفا، ومن هو الذي يضمن استقرار واستمرار هذا الاتفاق، بعد ان غاب عن المسرح ضامنه الرئيس مع الحكومة السودانية!

وعلى رغم توقع البعض صراعات حادة على قيادة الجنوب بعد غياب قرنق فإن الانتقال السريع للسلطة الى خليفته ورفيق سلاحه، سيلفا كير، اثار الانتباه مرحليا، بصرف النظر عما يمكن ان يحدث غدا... وهو الانتقال الذي أشاع قدرا كبيرا من الارتياح في السودان وفي غيره، باعتبار ان ذلك يحافظ على مسيرة السلام المرجو، فإن كانت حركات التحرير/ الثورة أو التمرد، تمارس هذا الانتقال السلمي للسلطة العليا، فلماذا لا تمارسه الحكومات المستقرة والمجتمعات المتحضرة!

وفي السعودية تلك البلاد التي تحتل في القلوب أهمية دينية مقدسة، وتحتل في المصارف والأسواق وعند القوى الدولية أهمية نفطية هائلة، جرى الانتقال السلمي والهادئ للسلطة الى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، بعد وفاة أخيه غير الشقيق الملك فهد، وفق قاعدة تقليدية تولى بمقتضاها خمسة ملوك الحكم من قبل، وتقول ان العرش يذهب تلقائيا لأكبر أبناء عبدالعزيز - الملك المؤسس - وأكثرهم صلاحية.

ويتم الاختيار عادة أولا داخل الأسرة ومجلسها، الأعلى ثم يأخذ الملك الجديد "البيعة" من رموز طوائف الشعب وفي مقدمتهم رجال الدين، في شكل علني، على عكس ما جرى في مجلس العائلة الذي يجتمع منفردا ثم يعلن قراره على الناس الذين تعودوا القبول به.

ولأن الحكم ملكي وراثي، ككل النظم الملكية، فقد جرت التقاليد في انتقال السلطة جريان الماء، داخل البيت الملكي وحده، بينما كانت أصوات المطالبين بالاصلاح في الداخل، والطارقين على الباب من الخارج، تعلو وتدق، الا أن تولي الملك عبدالله الحكم خلفا لأخيه الأكبر، وهو الذي أدار البلاد عمليا على مدى السنوات العشر الماضية بسبب مرض فهد، يشيع تفاؤلا لدى كثيرين بأن سفينة الاصلاح الداخلي، وخصوصا فيما يتعلق بالحقوق والحريات والتنمية وإعادة توزيع الثروة الهائلة، قد تشهد حركة جديدة، بعد ان بشر بها الملك الجديد حين كان وليا للعهد، وفي اطار الحكم الملكي ايضا، الذي يحتفظ بأساسياته في الحكم الوراثي!

غير ان ما يجري في مصر هذه الأيام يختلف عن ذلك، بل هو يختلف عما جرى بمصر على مدى العقود الخمسة الأخيرة، أي منذ اسقاط النظام الملكي الوراثي، بثورة يوليو/ تموز ،1952 وتولي رؤساء الجمهورية الجديدة على التوالي محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك للحكم 52 - ،2005 بقانون الأمر الواقع في حال محمد نجيب، ثم بالاستفتاء العام في حال الباقين، من دون اللجوء للانتخاب الحر المباشر للرئيس، على رغم ان البند السادس من بنود اعلان الثورة وتعهدها وهو "اقامة حياة ديمقراطية سليمة" كان يقتضي اول ما يقتضي العودة إلى النظام الانتخابي الحر المباشر.

وقد جاء تعديل المادة رقم 76 من الدستور أخيرا ليفتح الباب لتغيير وسيلة تولي الحكم من الانتقال الميكانيكي للسلطة، الى تباشير تداول السلطة باجراء انتخابات رئاسية مفتوحة ومباشرة، وهو الذي يجري الآن في تجربته الأولى التي لن تكون طبعا كاملة لأسباب عدة، وها نحن نرى أن 30 مرشحا من 16 حزبا سياسيا تقدموا للترشح أملا في اقرار قاعدة ديمقراطية جديدة، حتما ستتبلور فيما بعد وهي قاعدة العودة الى صوت المواطن لاكتساب شرعية الحكم وثقته صدقيته بالتداول الحر للسلطة.

وعلى رغم عدم تكافؤ في قوى المرشحين الحاليين، فإن باب تداول السلطة انفتح ولن يستطيع أحد اغلاقه، وان آليات الاصلاح الديمقراطي يجب ان تعمل بقوة، وحيوية، حتى لا تنتكس التجربة الجديدة، على أيدي أعداء الديمقراطية وهواة الافساد ومحترفي الفساد ومحبي الانفراد بالسلطة!

وأظن ان التحدي الرئيسي المطروح الآن في مجتمع خصب وحيوي مثل المجتمع المصري، يكمن في اقتحام المجتمع المدني والقوى السياسية والاجتماعية، والثقافية الحية، للميدان، ليس فقط لانجاح التحول نحو تداول السلطة بالانتخاب المباشر، بل بإقرار دولة القانون والمؤسسات الدستورية المستقرة وفق قواعد راسخة، تقوم على مبادئ ديمقراطية متداولة ومعروفة.

ونعني بذلك ايمانا راسخا بأن الوطن للجميع، وان المواطنة هي الأساس، وان القانون العادل هو السيد، وان الدستور السليم "الجديد والعصري" هو مصدر الشرعية، وبالتالي فإن المواطن العادي هو جوهر العمل السياسي الحر، سواء عبر الاحزاب السياسية المتكافئة، أو عبر منظمات المجتمع المدني النشيطة، المواطن القادر والمتمكن من التعبير عن رأيه والافصاح عن اختياره، بالتصويت الحر لمن يريد انتخابه، وكذلك بممارسة حقه في النقد والمساءلة والرقابة من خلال برلمان ينتخبه بحرية ونزاهة أيضا، ثم من خلال صحافة ووسائل اعلام حرة الارادة مستقلة الكلمة، لا يغريها أو يرهبها الفساد والمفسدون، ولا تقهرها السلطات التنفيذية بالقوانين المتعسفة والعقوبات المشددة وسياط الحبس والسجن، التي تحبس حرية الكلمة قبل ان تسجن المتكلمين.

ترى هل نفعل، لنقدم نموذجا جديدا للحكم الرشيد، وللتداول الديمقراطي للسلطة!

خير الكلام

يقول عبدالرحمن الشرقاوي:

الكلمة فرقان بين نبي وبغي..

بالكلمة تنكشف الغمة...

الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة!

* مدير تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1069 - الثلثاء 09 أغسطس 2005م الموافق 04 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً