العدد 1075 - الإثنين 15 أغسطس 2005م الموافق 10 رجب 1426هـ

الحرب ضد التاريخ

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المحرر المسئول في مجلة "نيوز ويك" الدولية، فريد زكريا، أشار في مقال له بتاريخ 30 ديسمبر/ كانون الأول العام 2003 الى "ان المشكلة الأوسع هي أن حرب العراق قد وقعت فعلا فالجدال حولها الآن هو خوض حرب ضد التاريخ بدل تقديم رؤية للمستقبل".

يحصر زكريا الحرب ضد التاريخ في نماذج مثل صدام حسين، " في قبضة القوات الأميركية"، معمر القذافي، "انظر الى تأثير حرب العراق على قرار ليبيا في نزع السلاح"، أسامة بن لادن "ترتبك رؤية زكريا، لأن ما يحدث بالنسبة لابن لادن هو أن المطاردة ما زالت ممعنة في المستقبل".

مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد في جانب منه حرب على التاريخ، تاريخ يراد كتابته بحبر وشهود أميركيين، مع ارسال المزاج والقناعات والمناهج والأزياء، والترفيه، والوجبات والعلاقة مع الله، ارسالهم جميعا الى التاريخ.

المرشح المناهض للحرب على العراق، والمتنافس الرئاسي الأميركي هاوارد دين، لا يذهب في اتجاه آخر يحمي التاريخ ويحصنه، بقدر ما يؤجل الخسارات الناتجة عن التجرؤ عليه، ريثما تسترخي أطرافه بفعل حقن لا حصر لها تتكفل بمعظمها أنظمة هي خارج سياق التاريخ، عدا عن إقامتها خارج حدود المستقبل.

في احدى زياراته لـ لوس أنجليس في 15 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، صرح بأن "المصاعب والمآسي التي واجهناها في العراق، تظهر أن الإدارة شنت الحرب بالطريقة الخاطئة في الوقت غير المناسب ومن دون تخطيط ومساعدة وبكلفة غير معقولة".

الحرب في حد ذاتها بالنسبة إلى دين ليست خطأ أو عارا، فقط هو التوقيت، لأنه يوقظ التاريخ من نومه قبل أن تتمكن قوات المارينز من الوصول الى مخدعه وارساله الى جحيم يليق به.

دين يقحم الأخلاق في طريق الإجهاز على التاريخ: "من الممكن تأمين اعداد كبيرة من الجنود الأجانب ان استعادت الولايات المتحدة قيادتها الأخلاقية في العالم".

هل يحتاج القتل الى شحذ طاقات العالم لإثبات ان الولايات المتحدة قادرة على فعل الإجهاز بأكبر قدر من الأخلاق؟

الحرب على العراق لم تبتكر الحرب ضد التاريخ، بقدر ما ان تاريخ المنطقة نفسه في مجمل المراجعات التي يمكن الوقوف عليها، فتح شهية الولايات المتحدة الأميركية بيمينها المتطرف، مثلما فتح شهية بعض المنظرين والمعارضين للحرب على العراق، كونها أحرجت المستقبل واستفزت الحاضر ولم تستطع أن تخرج تاريخ منطقة "الشرق الأوسط" من مساحة احتقانه وعزلته، وهي الرؤية نفسها التي صرح بها أحد مسئولي طالبان العاملين مع مقاتلي "القاعدة" في منطقة وزيرستان على الحدود الباكستانية الأفغانية رحمن حوتاقي: "سيكون لاعتقال صدام حسين نتيجة ايجابية على الجهاد ضد أميركا وعمليات "القاعدة" في العراق. لقد كان الكثير من العراقيين يكرهون صدام لذلك لم ينضموا الى المقاومة، أما وانه قد ذهب الآن، فإن المزيد منهم سينضمون للجهاد المقدس ضد الولايات المتحدة".

تقريرات وتوصيفات كتلك لا تضع التاريخ في مهب الريح وحسب، فيما هي تسعى لاحتلاب المستقبل من ضرع مقاومات ترفع أكثر من راية وأكثر من شعار وأكثر من استحضار واستدعاء قاتم لتاريخ يظل الذبح والنحر فيه هو الجانب الماثل منه، أقول لا تضع تلك التقريرات والتوصيفات التاريخ في مهب الريح، بقدر ما تقامر بالمستقبل وتدفعه باتجاه رهانات تظل رابحة في ظل منطق آلة لا تجيد قراءة الزمن بقدر اجادتها اعادة تشكيل خراب المكان.

الحرب ضد التاريخ في نهاية المطاف، حرب على محاولة استدراك قراءته من قبلنا، مثلما هي حرب على تجنب المرور على الطرق المؤدية الى المستقبل

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1075 - الإثنين 15 أغسطس 2005م الموافق 10 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً