في عددها السابع والثلاثين، لم تقترب مجلة "قطوف" من مساحة بعض الأعداد المترهلة والضعيفة أيام كانت تصدر في دبي ويرأس تحريرها الزميل الشاعر فهد عافت، مع نخبة من ألمع الصحافيين والكتاب الخليجيين والعرب، ويوم أن امتدت مكاتبها لتصل الى العواصم العربية الكبرى، اضافة الى مكتب في المملكة المتحدة وباريس، عدا عن المراسلين في أهم العواصم العالمية.
لا تحتاج الى جهد لاكتشاف الفارق الشاسع بينها اليوم ويوم أن كانت تحت سمع وبصر ومتابعة الزميل عافت، على رغم الجهد الذي تحاول الإدارة بذله للخروج بصورة مختلفة عما عهده القارئ منها ، سواء من خلال حجمها أو الزوايا الثابتة أو حتى الإخراج، والاختلاف الجذري الذي حدث - بما في ذلك الترويسة - كثيرا ما يذكرني بالتغييرات التي تلجأ إليها بعض الأنظمة العسكرية العربية بعد استتاب الأمور، وهي تغييرات متسرعة متعجلة، كل ما تهدف وتسعى اليه هو محو أي أثر يذكر بالعهد البائد، وتطول التغييرات أمورا ربما لا يتخيلها كثيرون، منها مثلا؛ لون حافلات النقل العام، ونوعية أحذية الجند، مرورا بإلغاء المطبات الاصطناعية، والأهم من كل ذلك العلم والنشيد الوطني! وهي تغييرات لا تقدم أو تقترح جوهرا أو مضمونا يمكن الارتياح اليه ويشعر معه الناس بصدق التوجه والحرفنة فيما تنوي المجموعة تحقيقه وتمثله.
سبعة وثلاثون عددا منذ أن تفرق الجمع في العام 1999 في دبي، لتنتقل الى الرياض بإدارة مختلفة قبل أن يبيع امتيازها الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ لتصل الى سلطان الزبني، وليدير تحريرها حمود جلوي. وعلى رغم لجوء المجلة الى محاولة التمويه بتبني ترويسة لا تختلف قيد أنملة عن ترويسة مجلة "المختلف" اضافة الى التطابق في حجمها، من دون أن تنسى اللازمة التي باتت أهم من مانشيت أية صحيفة عربية أو غلاف مجلة وهي "المجلة الأكثر شعبية"! فإن المتابعين والمحتفظين في ذاكرتهم بالمضامين الثرية والمتنوعة التي كانت تضخها "قطوف" أيام زمان وتختلف اختلافا جذريا عما هي عليه اليوم، لن يترددوا في رد البضاعة إلى أصحابها.
ربما يسأل كثيرون ما الذي دفع بهذه الكتابة وفي هذا الوقت بالذات بعد صدور سبعة وثلاثين عددا؟ ويمكن تلخيص ذلك في أمور ثلاثة:
الأول: أن حالا من السعار والشهية المفتوحة انتابا الكثيرين ممن يحتفظون بسيولة تمكنهم من إصدار مجلة وإن كانت من خلال قرض مصرفي، فاندفعوا إغراقا للساحة بمطبوعات ومجلات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تتجاوز كونها إثبات حضور، على رغم الخسائر الفادحة التي تتكبدها تلك المطبوعات نظرا إلى شح الإعلانات وأحيانا اختفائها. أحدهم وفي لقاء مع احدى المطبوعات لم يتردد لحظة في القول أصدرت المجلة لكي أهاجم من خلالها "فلانا!" والرد على ما يصدر منه تجاهي!.
والثاني: أن عددا من المطبوعات كان مؤملا منها - وهي ترتكز على إرث وتاريخ يخدمانها بصورة أو أخرى - أن تصعد في اختلاف ما تقدم اشتغالا على موادها تنوعا وابتكارا، إلا أن ما حدث أنها ركنت إلى ذلك الإرث والتاريخ، مسايرة واقع حال الساحة الشعبية، يضاف الى ذلك إصرارها على صحافيين فقراء في خبراتهم وحرفيتهم، ما سبب في تراكم تلك التراجعات ومن ثم دخول تلك المجلات في عضوية أندية المطبوعات التي هي في طريقها الى الاحتضار.
ثالث تلك الأمور وأهمها، أن مجلة "قطوف" لم تول واحدا من الجوانب التي يمكنها من خلاله أن تمرر مضامينها الغثة من خلال فخ الشكل، فطلعت على الناس بصورة إخراجية غاية في السوء، معتمدة في ذلك على ضخ واكتظاظ مساحاتها بالصور التي باتت مزعجة للمتلقي، فمادامت قد عجزت عن تحقيق نجاح في هذا الجانب يصبح الحديث عن نجاحها وتجاوزها لـ "قطوف" أيام زمان، ضربا من أضغاث الأحلام!
ليس تحاملا على الزميلة "قطوف"، بقدر ما هو شعور وإحساس بالألم جراء إهدار تاريخ مجلة استطاعت أن تكون واحدة من المجلات المعنية بالأدب الشعبي التي كانت مثار حوارات وجدال مستمر في الأوساط الجامعية وأوساط النخبة في منطقة الخليج والعالم العربي، واستطاعت خلال أعدادها الأولى أن تؤسس لقاعدة عريضة من العلاقات دفعت بكبريات الشركات الخليجية الى التدافع وراء نشر اعلاناتها على صفحاتها، بعد أن كانت تتخوف من مردود نشرها وبأسعار باهظة، ومثل ذلك التأسيس يكشف عن حجم حضورها وانتشارها بين أوساط القراء على اختلاف اهتماماتهم وتوجهاتهم، بل وحتى لهجاتهم.
نأمل - وبصدق - أن نرى "قطوف" في صدارة المبادرين الى المضامين الجديدة التي تمكنها من استعادة تلك القاعدة العريضة السابقة من قرائها يوم أن كانت موضع رهان كثيرين.
يا اللي كسرتي كل مرايا هالمكان
ما عاد وجهي هناك
يلمني عطرك فضا مغسول بسكاتك...
واستغفرك... واستغفر الحيره
ومرايتي... يلعن أبو وجه نسى
يخضر فـ ... مراتك..
العدد 1086 - الجمعة 26 أغسطس 2005م الموافق 21 رجب 1426هـ