العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ

كتاب "الأموال" لابن سلام وضع في خلافة المعتصم

قراءة في الكتب الاقتصادية الإسلامية "3"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يعتبر كتاب "الأموال" للحافظ القاسم بن سلام "أبوعبيد" أحد أهم المصادر الاقتصادية في التاريخ الإسلامي، ويأتي في ترتيبه الزمني الثالث بعد خراج القاضي "أبويوسف" وخراج الفقيه "ابن آدم". فقبل هؤلاء كانت الكتابات الاقتصادية عبارة عن أبحاث ودراسات تتناول مسألة محددة. وبعدهم تحولت البحوث إلى كتب جامعة تتناول مختلف المسائل.

ولد ابن سلام في العام 150هـ "767م" "وقيل 154 هـ/ 771م" في هراة، وأخذ علومه من فقهاء البصرة والكوفة، وألف أكثر من 20 كتابا في علوم القرآن والفقه واللغة والحديث. توفي ابن سلام في مكة في خلافة المعتصم العباسي. وهناك خلاف على سنة وفاته، فذكر البعض العام 222 "837م" وقيل 223 "838م" وبعضهم الآخر قال 224 هـ "839م".

يبدأ ابن سلام كتابه بكلام عام يؤكد فيه فكرة العدل في الإسلام وصلاحيات الإمام ومسئولياته. فالدين نصيحة والإمارة أمانة، والخليفة يقضي بكتاب الله وسنة رسوله. والله بحسب حديث للرسول "يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا" "ص 51".

وانطلاقا من المبادئ العامة، يدخل ابن سلام في تفاصيل كثيرة عمد إلى تبويبها في كتب وأجزاء منفصلة درست كل حقل من حقول الاقتصاد الإسلامي ومصادر دخل الدولة ووجوه إنفاقه. فشرعية الأموال تعتمد على ما جاء نصه في الكتاب والسنة وأحاديث الرسول وكتبه ومعاهداته وهي كلها تشكل الأساس النظري - التاريخي لدراسة مختلف الوجوه التي منها يرد المال ويتم انفاقه على الأصناف وفئات الناس. ففي الكتاب هناك آية ورد فيها ذكر رأس المال "فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون" "سورة البقرة، الآية 279".

إلى الآيات والأحاديث اعتمد ابن سلام على كتب الرسول "ص"، وهي بمثابة معاهدات تمت في زمنه مثل كتابه بين المهاجرين وأهل يثرب "دستور المدينة"، وكتاب الصلح لأهل نجران، وكتابه لثقيف، ولأهل دومة الجندل "قرية تقع بين دمشق والمدينة"، ولأهل هجر "البحرين"، وكتابه لأهل أيلة "مدينة على البحر الأحمر وتقع على حدود الحجاز والشام"، وكتابه إلى خزاعة "وهم حلفاء الرسول"، وكتابه إلى زرعه بن ذي يزن "اليمن" وغيرها من كتب ورسائل إلى أفراد وقبائل ومناطق ونواح ورد فيها الكثير من النقاط التي هي أشبه بالمواثيق الدولية في زمننا.

اعتمد ابن سلام على هذه الكتب كمصادر إضافية لقراءة المعاهدات وشروط الصلح وتنظيم العلاقات بين الدولة والرعية. ومنها انطلق لتعريف المصطلحات كالغنيمة "هي كل ما أصابه المسلمون من عساكر المشركين بالقتال"، والفيء "هو كل مال وصل من المشركين إلى المسلمين عفوا من غير قتال ولا بايجاف خيل أو ركاب"، والصدقة "وهي زكاة أموال المسلمين"، والجزية "وهي ضريبة تؤخذ من أهل الكتاب"، والعشر "وهي ضريبة تؤخذ من أرض المسلم أو من تجارة أهل الحرب في أرض المسلمين"، والخراج "وهو ضريبة تفرض على أرض المعاهد وهي نوع من الفيء"، والمكس "وهي ضريبة يأخذها الماكس وأصلها الجباية وتأتي من العشور والتجارة".

وبرأي ابن سلام ان الكتاب "والسنة" فرقا بين حكم البر والبحر "فجعل ما في البحر مباحا لآخذه على كل حال، وكذلك نرى سائر ما يخرج منه بمنزلته" "ص 342".

ويركز كتاب "الأموال" على مصدرين ماليين لخزانة الدولة هما: البشر والأرض. ويعدد أنواع المال في فترة الرسول وبعد رحيله، والخلافات التي ظهرت بين العلماء على تحديد الأسهم وكيفية انفاقها. ثم يعدد أنواع الأرض والاجتهادات التي استنها الخلفاء لتنظيم ملكية الأرض وخراجها.

ويرى ابن سلام ان مصدر الخلاف الشرعي بين العلماء والفقهاء هو أن بعضهم اعتمد على آية الفيء وبعضهم الآخر على آية الصدقة. فافترقت بذلك الاجتهادات، وخصوصا في مسألة الانفاق. فآية الفيء آية عامة خصت الله والرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وفقراء المهاجرين. بينما آية الصدقة آية خاصة، إذ اشتملت على ثمانية أصناف: الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل "ص 237". وعلى هذا يصرف الفيء على وجوه خمسة كما وردت في سورة الحشر، بينما يوزع مال الصدقة على الأصناف الثمانية التي وردت في سورة براءة "ص263".

يبدأ ابن سلام كتابه عن المال بذكر الأموال وما كان منها للرسول خالصا من دون الناس، وصنفها إلى ثلاثة: الفيء، الصفي، خمس الخمس. فالفيء هو ما أفاء الله على رسوله من المشركين، والمال الصفي هو ما كان يصطفيه من كل غنيمة يغنمها المسلمون قبل أن يقسم المال، وخمس الخمس وهو بعد أن تقسم الغنيمة وتخمس. فالمغانم تجزأ خمسة أجزاء ثم يسهم عليها وسهم الرسول خمس الخمس.

كانت الغنيمة أيام الرسول تقسم على خمسة أخماس. أربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد مقسم على أربعة أسهم. فربع لله ورسوله ولذي القربى، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل "ص 20". وتعتبر الأنفال من الغنائم بل هي الغنائم، وفيها الخمس. والنفل هو "كل نيل يناله المسلمون من أموال أهل الحرب" "ص303"، ويقسم بعد تخميسه، وفق أربع قواعد وهي كالآتي: ما لا خمس فيه، ما يكون من الغنيمة بعد اخراج الخمس، ما يكون من الخمس نفسه، وما يكون من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء. وهناك من يقول "انه لا نفل من جملة الغنيمة حتى تخمس" "ص 319".

بعد رحيل الرسول "ص" اختلف الناس في السهمين "الله ورسوله" واختلف حكم الخمس وحكم الصدقة وان اختلافهما "كان من أجل أن الخمس انما هو من الفيء والفيء والخمس جميعا أصلهما من أموال أهل الشرك" "ص 324". فالقرآن برأي ابن سلام "قرن الفيء والخمس في معنى واحد، ولم يميز بينهما، وابان الصدقة من ذلك بمعنى سوى هذا" "ص 325".

الجمعة المقبل ، الجزء الثاني من قراءة في كتاب "الاموال" لابن سلام

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1092 - الخميس 01 سبتمبر 2005م الموافق 27 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً