العدد 1095 - الأحد 04 سبتمبر 2005م الموافق 30 رجب 1426هـ

القيصر... لايهدأ ويخطف الأضواء من السياسيين ومبدأه "خذ وهات"

قبل وقت قصير شوهد رجلان يجلسان في المنصة الرئيسية في استاد "أليانس" بمدينة ميونيخ الذي ستجرى فيه مباراة افتتاح مسابقة كأس العالم في الصيف القادم. الأول المستشار الألماني غيرهارد شرودر وكان يرتدي قميص سبورت، أما الثاني فقد ارتدى سترة وكأنه متوجه إلى حضور حفل زفاف وكان فرانز بيكنباور أيقونة الكرة الألمانية.

أينما ظهر بيكنباور البالغ 59 سنة من العمر فإنه يلفت الأنظار بلباسه وبكلامه، ولكن يكفي ظهوره، لذلك فإن الناس حتى السياسيين يحلو لهم تجاذب أطراف الحديث معه مع أنه ليس كثير الكلام، ولكن صورة مع "القيصر" في صحف اليوم التالي تفيدهم، وخصوصا أن ألمانيا تعيش أجواء انتخابية هذه الأيام.

هانز جيورج شفارتسينبيك سعيد لأنه عاش في عصر بيكنباور. فقد لعب إلى جانب المدافع "فرانز" في صفوف فريق بايرن ميونيخ والفريق القومي الألماني وفازا معا ببطولة العالم العام .1974 قبل وقت قصير التقى أحد الصحافيين بشفارتسينبيك الذي يدير كشك لبيع الصحف، ما يكشف أنه كان أقل حظا في الحياة من القيصر الذي يحصد الملايين كل عام من وظائفه المتعددة ومن الظهور في برامج الإعلان.

كان شفارتسينبيك اللاعب بمثابة الملاك الحارس لبيكنباور على أرض الملعب وكان على كل لاعب في الفريق الخصم أن يتجاوزه قبل الوصول إلى القيصر واستمر الحال على هذا المنوال عشر سنوات. قال شفارتسينبيك: "مازلنا أصدقاء نلتقي بعض الأحيان كلما سمح الوقت لفرانز. بالتأكيد لا تتم هذه اللقاءات كثيرا لأن القيصر لا يملك الوقت حتى ليتحرك داخل ألمانيا بالسيارة أو بطائرات الخطوط العادية، لذلك فهو يتنقل بطائرة مروحية داخل المدن الكبيرة وبطائرة خاصة حين يتجول في أوروبا".

وجدت صحيفة "زود دويتشه" الصادرة بمدينة ميونيخ حديثا أن شعبية بيكنباور تفوق شعبية المسئولين السياسيين في ألمانيا. ليس شفارتسينبيك الألماني الوحيد المفتون بما أنجزه بيكنباور، بل ملايين الألمان ينظرون له بإعجاب ويكاد يكون الألماني الوحيد الذي لا تنتقده الصحف ولا تتعرض لحياته الخاصة، وخصوصا حين أقام علاقة مع سكرتيرة تعمل في نادي بايرن ميونيخ ترك زوجته الثانية لأجلها وأنجبت له ولدا أضاء حياة القيصر الذي يشارف على بلوغ ربيعه الستين، ويشاع أنه سيتزوج السكرتيرة السابقة التي تظهر كثيرا إلى جانبه.

حقق بيكنباور في حياته كل شيء ومازالت لديه طموحات. ولد فرانز في منطقة جيسينج بمدينة ميونيخ لأب كان موظفا في البريد، كان بالكاد بلغ سن الرشد عندما أنهى دراسة مهنية كوكيل بيع متخصص في شئون التأمين، ولكن كرة القدم هي التي فتحت أمامه أبواب المجد والشهرة والمال الوفير. كل شيء تحقق له في بايرن ميونيخ الذي لمع في الستينات والسبعينات ولايزال أفضل الفرق الألمانية.

حصل بيكنباور في سن الشباب على لقب القيصر الذي أطلقه عليه صحافي مغمور ثم راج اللقب. لاشك أن وراء لقب القيصر أسلوب لعب فرانز الذي كان يلعب كجنتلمان على رغم أنه مدافع، إلا أنه لم يكن يلعب بصورة خشنة وكان ابتدع أسلوب اللعب الهجومي للاعبي الدفاع، فكان ينطلق بالكرة من باب مرمى فريقه وصولا إلى مرمى الفريق الخصم وغالبا كان يضع اسمه على قائمة الهدافين. كما اشتهر برفع الكرة فوق اللاعبين لتمريرها إلى زميله الثعلب والمدفعجي جيرد مولر ليسجل بطريقته المعهودة.

بعد كأس العالم 1974 هاجر المدفعجي إلى الولايات المتحدة، إذ غرق في الحياة العفنة وأدمن على الكحول ولما بلغ بيكنباور المصير الصعب لزميله السابق في بايرن ميونيخ والفريق القومي الألماني اتصل به وعرض عليه المساعدة وأقنعه بالعودة إلى ألمانيا، إذ دخل مصحة وتعافى من الإدمان ثم وظفه مدربا للناشئين في فريق بايرن ميونيخ.

تعلم بيكنباور العمل بمبدأ "هات وخذ" في الحياة، كما كان يفعل على أرض الملعب حين كان يشرك جميع زملائه في اللعب ولا يحتفظ بالكرة لنفسه. كان القيصر يرى كرة القدم لعبة وليس مهنة. فاز بيكنباور بكل ما يحلم به لاعب كرة. فاز مرات ببطولة الدوري الألماني ومرات بكأس ألمانيا ومرات بكؤوس أوروبية وقاد منتخب بلاده للفوز العام 1974 بكأس العالم لاعبا ومدربا في العام .1990

في مطلع شبابه تنبهت وسائل الدعاية والإعلان لشعبيته فبدأ بالإعلان لشركة تبيع الحساء الجاهز وأطلق أغنية "الأصدقاء الجيدون لا يفصلهم شيء"، وكون من نفسه أول شركة فردية. في السبعينات أصابه ضجر من ألمانيا فحمل متاعه وسافر إلى نيويورك، إذ انضم إلى صفوف نادي "كوزموس" الذي لعب له إلى جانب صديقه نجم الكرة البرازيلية بيليه وساهما معا في الترويج للعبة كرة القدم في الولايات المتحدة. غير أن وراء بيكنباور كان مدير أعماله روبرت شفان الذي توفى قبل عام.

بمساعدة شفان تطورت شركة بيكنباور لتصبح عالمية. فاز مع كوزموس ببطولة الدوري الأميركي ثلاث مرات، ثم عاد إلى ألمانيا في العام 1980 لينضم إلى صفوف هامبورغ وليس بايرن ميونيخ، واعتزل الكرة وهو يرتدي قميص هامبورغ على رغم أن قلبه كان ينبض للفريق البافاري. وحين احتفل بعيد ميلاده الـ 50 سجل أجمل هدف في حياته.

بيكنباور لا يهدأ

من اللقاءات مع السياسيين للترويج لكأس العالم والإدلاء بتصريحات صحافية والتعليق على المباريات كل برنامج ينجح إذا ظهر بيكنباور فيه. أنه ملك غير متوج، ولكن الناس يتوقفون عن الكلام حين يبدأ القيصر يتكلم عن فرص ألمانيا بالفوز كأس العالم المقبلة.

وعلى رغم قساوة آرائه لأنه عهد الصراحة، فإن يورجين كلينسمان مدرب المنتخب الألماني الذي فاز تحت قيادة المدرب بيكنباور ببطولة العالم العام 1990 لا يشعر بالغضب تجاه انتقادات بيكنباور الذي يرى أن المنتخب الألماني حاليا لا يملك المواهب الكافية للصمود أمام الكبار مثل البرازيل والأرجنتين. كان بيكنباور محقا في كلامه، فقد فازت البرازيل وليس ألمانيا ببطولة القارات التي استضافتها ألمانيا في الصيف الماضي، ولم يبلغ الألمان النهائي. انتخب لاعب القرن العشرين في ألمانيا. لا يعرف بيكنباور عدد الألقاب التي حصل عليها منها دكتوراه فخرية منحته إياها أكاديمية الرياضة في بلغاريا.

نجاح كأس العالم 2006 يعتمد كثيرا على بيكنباور. وسعى شخصيا كي حصلت ألمانيا على شرف استضافة هذه البطولة العالمية وكانت فرصة تنظيمها متجهة إلى جمهورية جنوب إفريقيا.

منذ فترة بسيطة، أعلن أن القيصر سيقوم بجولة عالمية تشمل 31 من الدول التي ستتأهل منتخباتها للمشاركة ببطولة العالم 2006 التي ستجرى مبارياتها في الفترة من 9 يونيو/ حزيران حتى 9 يوليو/ تموز. قال بيكنباور إنه سيطلع محدثيه على الاستعدادات التي أعدتها اللجنة المنظمة لكأس العالم التي يرأسها بيكنباور.

ووصفت بعض الصحف المحلية الجولة بأنها جولة القيصر العالمية وستكون إيران أول محطة في الثاني من أكتوبر/ تشرين المقبل، تليها السعودية واليابان وكوريا الجنوبية وهي أول مجموعة من الدول التي تأهلت منتخباتها لنهائيات كأس العالم، ثم يعود القيصر إلى أوروبا في الفترة من 24 إلى 31 أكتوبر لزيارة الدول الأوروبية التي تأهلت لكأس العالم، ثم يطير إلى الأميركيتين.

وستستغرق الجولة العالمية 50 يوما يقطع فيها 120 ألف كلم أي بمعدل طوفان العالم ثلاث مرات. بيد أن الجولة حول الكرة الأرضية ترمي إلى الدعاية لبطولة العالم، إلا أن البعض يراها حملة لحصول القيصر على دعم للفوز بمنصب رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA، إذ من المقرر أن يتخلى الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، السويدي لينارت يوهانسون البالغ 75 عاما من العمر عن منصبه في العام .2007

منذ العام 1990 يرأس يوهانسون الاتحاد الأوروبي. أبرز المرشحين لخلافته الألماني بيكنباور والفرنسي ميشيل بلاتيني. حصل بيكنباور على دعم من يوهانسون ومن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" سيب بلاتر ومن صديقه بيليه ليصبح الرئيس الجديد للاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

قال بيليه في تصريح صحافي: "أعتقد أنه الرجل المناسب، بلاتيني يريد المنصب أيضا، ولكن بيكنباور لديه طموحات أكبر". وكان بلاتيني الذي يصغر بيكنباور بعشر سنوات كشف عن مقترحات أثارت غضب كثيرين من المسئولين في الاتحادات والأندية منها على سبيل المثال تغيير مسابقة أبطال أوروبا. وقال نائب رئيس نادي بايرن ميونيخ كارل هاينز رومنيغه إن بلاتيني يعد لقرارات عشوائية، وأضاف ما يهدئ أعصاب مسئولي الاتحادات والأندية: "يحافظ بيكنباور على تقاليد اللعبة، وسيسعى كي تبقى اللعبة مستمرة من دون إدخال تعديلات مملة عليها"

العدد 1095 - الأحد 04 سبتمبر 2005م الموافق 30 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً