العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ

بين تخاذل الأنظمة وإصرار الشعوب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المتابع للصحافة البحرينية، ستلفت نظره هذه الأيام حال الإجماع الوطني الشامل على موضوع مقاطعة "إسرائيل". وعلى رغم اختلاف الآراء والمواقف تجاه مختلف القضايا المحلية وربما العربية والعالمية، فإن هناك إجماعا شعبيا تاما على موضوع المقاطعة تحديدا. البحرينيون من الشعوب العربية التي ظلت تحمل دفئا وعطفا وحبا لأشقائهم الذين نكبتهم الصهيونية العالمية في فلسطين. البعض ينسى، والبعض يتناسى، ولكن في البحرين هناك شعب لا يمكن أن ينسى ما حل بأشقائه من ظلم تاريخي، نتيجة تآمر الاستعمار والحركة الصهيونية. من هنا جاء الإعلان خجولا عن فتح المجال أمام البضائع الإسرائيلية، مع أنه كان تحصيل حاصل، فالسدود النفسية كان يجري تهديمها منذ سنوات، منذ اجتماعات "الأشباح" في أوسلو الذين أسماهم الإعلام العربي "أبطال السلام"، وما تبعه من مؤتمر الخزي في مدريد، إذ سلم النظام العربي آخر أوراق تفسخه رسميا أمام العالم أجمع. ولأن هذه الأنظمة بلغت سن الشيخوخة، لم تجد غير لغة التمويه والخداع لتمرير الفضيحة. وهكذا دخلت الأنظمة زمن التيه الذي لن ينتهي حتى بالتطبيع ورفع أعلام الغزاة الصهاينة فوق العواصم الذليلة المقهورة. هذا على مستوى الأنظمة الملتزمة بالاتفاقات التجارية والمعاهدات الدولية، أما على مستوى الشعوب العربية، فمازالت تقاوم بألسنتها، وإن لم تستطع فبقلوبها... وذلك أضعف الإيمان. الأنظمة العربية في هذا الزمن المتفسخ، تهرول نحو التطبيع بلا خجل، ولن تعدم المبررات التي لن تقنع ذبابة، فما بالك بشعوب تعشق الحرية وتتغنى بقصص الشهداء الشامخين وتستذكر بطولات خيبر. مثل هذه الشعوب حزمت أمرها في اتجاه بينما حزمت الأنظمة أمرها في الاتجاه المعاكس. هذه الشعوب المكبلة، التي يصفها البعض بالسلبية والسكوت، ما فتئت تعلن موقفها تجاه الفلسطينيين بأجمل صور التعبير. ففي عز الانتفاضة، كلنا نتذكر كيف نظم أهل الخليج حملات التبرعات، ورأينا كيف كانت نساء الخليج يتبرعن بحليهن لعوائل وأيتام الشهداء. وفي مرحلة لاحقة قامت بعض الجمعيات الاسلامية بعمل أكبر، حين نظمت حملات لكفالة الأيتام في فلسطين المحتلة. وفي بلد صغير محدود الامكانات المادية مثل البحرين، يعيش 30 بالمئة من أبنائه تحت مستوى الفقر، مازال الناس يتبرعون بما تجود به نفوسهم، ولم يتوانوا عن التبرع بدمائهم لإغاثة جرحى الانتفاضة، حتى اتهمتنا "إسرائيل" بمساندة الإرهاب! والفضل ما شهدت به الأعداء! وفي البحرين أيضا، مازال العالم يتذكر المسيرات التي ينظمها البحرينيون ضد "إسرائيل"، لإعلان دعمهم للشعب الفلسطيني، وكم لاقوا من عنت في هذا السبيل حتى قدموا أحد أبنائهم شهيدا للأقصى. هذه القضية الساخنة، مازالت محتفظة بوهجها في قلوب البحرينيين، وهو ما انعكس على اهتمامهم بتأسيس جمعيات، فهناك "جمعية مناصرة فلسطين"، وهناك "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني"، وهناك فعاليات على مدار العام تتجه كلها نحو الإبقاء على القضية حية في القلوب، ربما لإحساس فطري صادق وعميق بما تتجه نحوه الأنظمة من تطبيع شنيع. هذا الاهتمام تلمسه أيضا فيما تنظمه المناطق والقرى من فعاليات ومهرجانات، فالبلاد القديم مازالت تحيي "يوم القدس العالمي" منذ أكثر من 22 عاما. والسنابس نظمت "مخيم جنين" لعامين متتاليين، شاركت فيه فعاليات وشرائح اجتماعية مختلفة، ولايزال التفكير في تكرار التجربة بانطلاقة جديدة. وجزيرة صغيرة مثل النبيه صالح، لا يتجاوز سكانها 2500 نسمة، ولا تزيد أصواتها الانتخابية على 900 صوت، تنظم مهرجان القدس ليلة الجمعة المقبلة. بل ان محافظة المنامة، ساندت فكرة "جمعية مناصرة فلسطين" بشأن "التوأمة" بين العاصمة ومدينة القدس، وتبنت المهرجان الانشادي "القدس على البال" الذي تقيمه الجمعية سنويا. الجمعية نفسها، طرحت "وثيقة العهد الأبدي"، وتوجته بشعار معبر وجميل: "الأقصى حاضر في ضميري". ليست العملية جردة حساب، وانما هي رسالة محبة نوجهها إلى الإخوة في فلسطين، الذين تسحقهم آلة الحرب الصهيونية يوميا في مدنهم وقراهم ومخيماتهم. وفي الوقت الذي توجه الأنظمة رسائل غزل ومحبة إلى المجرم شارون، فإننا نوجه إلى الفلسطينيين رسالة الصدق والاخلاص: نحن معكم ضد التطبيع، نحن معكم في المقاطعة، نحن معكم في المناصرة، والاتفاقات الموقعة وراء ظهورنا نحن براء منها. وحتى لو أغرقت أسواقنا بالبضائع الاسرائيلية الرخيصة، فسنموت جوعا ولن نتناولها، وسنقاطع التجار والسماسرة المتورطين في ترويجها على حساب كرامتنا وعلى حساب دمائكم. هذا هو موقفنا... أيها الفلسطينيون

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً