العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ

الحقبة الساسانية

تبدأ الحقبة الساسانية في البحرين من العام 250م وحتى العام 630م وغالباً ما تصنف هذه الحقبة ضمن الحقبة الهلنستية في البحرين، وعلى الرغم من طولها إلا أنه من الواضح من خلال اللقى الأثرية التي عثر عليها في جزر البحرين أن التأثير الساساني نادر الوجود في البحرين بصورة عامة وهو ممثل فقط في المقابر وغير ممثل في موقع قلعة البحرين (Salles 1987). وما يميز هذه الحقبة هو الصراع السياسي - الديني - العرقي الذي حدث في المنطقة بين العرقيات المختلفة التي سيطرت على المنطقة وسنتناول هذا الصراع بصورة متسلسلة ابتداءً بالسيطرة السياسية للدولة الساسانية على المنطقة.


بداية السيطرة الساسانية

عندما بدأ الضعف يسود الامبراطورية البارثية وتحولت الامبراطورية إلى دويلات يحكمها ملوك مستقلون فيما عرفوا بملوك الطوائف، أصبحت الفرصة سانحة لأردشير بن بابك، الذي حكم الدولة الساسانية بين العامين 224م - 241م، وذلك سنة 226م أن يقضي على الدولة البارثية وعلى ملوك الطوائف، واستطاع أن يوحد إيران ويؤسس الامبراطورية الساسانية القوية.


التنظيم السياسي لشرق الجزيرة العربية

يحدثنا الطبري أن أردشير بن بابك غزا بلاد البحرين، فحاصر ملكها سنطرق فلم يستسلم، وأصر على المقاومة، حتى أنهكه الجهد، فرمى بنفسه من أعلى الحصن فهلك (الطبري، دار الكتب العلمية 1407هجرية: ج1 ص391)، ويوحي هذا الخبر أن البارثيين كانوا يسيطرون على شرق الجزيرة العربية في زمن اجتياح أردشير لأن سنطرق اسم بارثي بارز (بوتس 2003، ج2 ص 997). وقد أقام أردشير بسرعة وجوداً سياسياً ساسانياً في شرق الجزيرة العربية بعد افتتاحه إياها، حيث ورد في «شهريها - أيا - إياران»، وهو عمل صنف بين عامي 774م - 775م، أن أردشير عين المدعو أوشك Osak مرزبان هجر - للجيشين على بحيرة العرب، وقد ربط البعض اسم أوشك بالاسم العربي «أوس»، ويرجح البعض أن أوشك يقارن بالاسم الفارسي هاوشيينها Haousiianha والمعروف بصيغ متنوعه مثل أوشنك. فلو اعتبر الاسم فارسياً عندئذ يوحي بوضوح أن أردشير عين فارسياً ليخدم مرزبانا في شرق الجزيرة العربية (بوتس 2003، ج2 ص 1001).

ومع أن الطبري لا يذكر شيئاً عن تعيين أردشير مرزباناً في هجر إلا أنه يذكر أن أردشير بنى مدينة في موقع الخط في البحرين وقد قرئ اسم تلك المدينة التي أسسها أردشير بقراءات متنوعة مثل باسا أردشير وبانيات أردشير وبيروز أردشير وبيت أردشير وباتن أردشير ولعل بيروز أردشير أقرب للعقل وتعني «أردشير الظافر أو المنتصر» (بوتس 2003، ج2 ص 1002 - 1003).


حملة سابور أو (شابور) الأول

كان أردشير قبل وفاته سنة 241م قد جدد الحرب مع الرومان وبعد أن تسلم الحكم ابنه سابور الأول (241م - 272م) سار على نهج والده فسير الجيوش لضم أماكن جديدة لمملكته فغزا جنوب الخليج العربي وافتتح العديد من القلاع. ويقول پيروز مجتهد زاده أن سابور الأول قد دخل جزر ميشماهيك (البحرين) بجيوشه لطرد المعتدين منها قبل أن يتوجه إلى جنوب الخليج (Mojtahedzadeh 1995).

وقد أحكم الساسانيون في هذه الفترة سيطرتهم على الدولة اللخمية وصيرتها حليفة لها. وقد جاء في مخطوطة «شهريها - أيا - إياران» أن «سابور نجل أردشيبر بنى حاضرة هيرت (الحيرة) وعين مهرزاد مرزبان هيرت على بحيرة العرب». وفي عهد سابور أيضا تبوأ بنو لخم مركزهم الممتاز كتابعين للملك الساساني. وتشير المراجع العربية إلى أن سكان الحيرة اعتبروا عمرو بن عدي أول حاكم لخمي. (بوتس 2003، ج2 ص 1003 - 1004).


جزيرة العرب بين الروم والساسانيين

بعد حملة سابور أصبحت الامبراطورية الساسانية منافسة للامبراطورية البيزنطية الرومانية التي سيطرت على أجزاء من الشرق الأوسط، وبدأت تتقاسم معها النفوذ على الأرض العربية، فكانتا تشكلان معسكرين شرقي وغربي. وقد استغلت كلتا الامبراطوريتين ملكاً من ملوك العرب الذين يمثلون زعماء القبائل العربية، حيث إن العرب أطلقت لقب ملك على رؤساء الممالك وعلى شيوخ القبائل العربية قبل الإسلام، وقد عمل زعماء بيزنطة وفارس على كسب ود كثير من هؤلاء الملوك، فقاموا بالاعتراف بسلطانهم على قبائلهم وقبائل أخرى، واستفادوا منهم في تنظيم العلاقة بين البادية والريف، فقام الفرس بتأسيس الحيرة التي حكمها المناذرة، واتخذوا منها حاجزًا يحميهم من هجمات بيزنطة والقبائل، وكان المناذرة يدفعون الضرائب المفروضة عليهم للفرس (عوض 2009، ص 21 – 22). وقام المناذرة بدروهم بجباية الإتاوة من كل من كان في طاعتهم من القبائل، ويذكر أن المناذرة فرضوا إتاوة العشور (المكوس) على أموال التجارة في أسواقهم، وعلى القوافل التجارية التي تمر من مناطق نفوذهم، وفرضوا العشر على إنتاج الأراضي الزراعية، وأعطوا القسم الأكبر منها لملوك الفرس (عوض 2009، ص 22).

وبالمقابل أنشأت بيزنطة إمارة الغساسنة واستخدمتها لتنفيذ سياستها ضد أعدائها الفرس ولتنظيم العلاقة بينها وبين القبائل العربية. وكان ملك الغساسنة يعين على القبائل التابعة له عمالاً يجبون الضرائب المفروضة عليهم (عوض 2009، ص 22 - 23).

ومن المشهور حسب أقوال المؤرخين أن إقليم البحرين كان خلال تلك الفترة خاضعاً لحكم اللخميين أو المناذرة حلفاء الامبراطورية الساسانية. ومثلما كان اللخميون يخدمون الساسانيين حكاما على القبائل العربية في مملكتهم، كذلك كانوا يراقبون تلك القبائل بإقامة شبكة علاقات مع شيوخ مخلصين، ويكافئونهم بإعطائهم الامتيازات. وكانت رتبة الردافة التي تعطى لشيوخ القبائل المواليين أسمى درجات المناصب الوظيفية وكانوا يجلسون على يمين الملك اللخمي. ومن القبائل التي خصت بالردافة بني يربوع من تميم. وكان الشيوخ الموالون يعينون في المقاطعات القبلية الواقعة خارج الحيرة عملاء على أراضيهم ذاتها. وهكذا مارس اللخميون رقابتهم على جزيرة العرب الشرقية، بتحميل زعماء القبائل المسئولية بتلك الطريقة (بوتس 2003، ج2 ص 1005 - 1006).


استقلال العرب عن الفرس

بعد وفاة الملك اللخمي عمرو بن عدي العام 295م تولى الحكم ابنه امرؤ القيس بن عمرو ويقال له امرؤ القيس البدء وامرؤ القيس الأول وقد حكم بين عامي (295م - 328م) أي أنه عاصر جملة من ملوك الفرس، نرسي بن بهرام (293م - 302م)، وهرمز بن نرسى (302م - 309م)، وسابور (شابور) ذو الأكتاف (309م - 379م) (Kitchen 1994، p. 251 and p. 253). وكان أمرؤ القيس يحلم دائما بتوحيد العرب في دولة واحدة ويكون هو ملكاً عليها وقد مهد لذلك الهدف بمحاربة القبائل العربية أولا وإخضاعها داخلياً لسلطانه. وفي العام 298م وقع نرسي بن بهرام معاهدة صلح مع روما البيزنطية (معاهدة نصيبين) وقد أجبر من خلالها على التخلي عن أقسام كبيرة من الأراضي وبخاصة قلاع الحدود الاستراتيجية الكبيرة في بلاد ما بين النهرين الشمالية، وبالتالي أصبحت حدود الساسانيين الشمالية مكشوفة إلى حد خطير مما حثهم على الحرص على الحصول على أمن إضافي بعيداً باتجاه الجنوب (Daryaee 2009 ، p. 13). ويعتقد أن معاهدة الصلح هذه مكنت أمرؤ القيس من إقامة علاقات متوازية مع الجانبين (علي 1993، ج3، ص191).

وفي العام 309م واتت امرؤ القيس فرصة أخرى حينما توفي هرمز الثاني بن نرسي (302م - 309م) الذي لم يخلف وريثاً لعرش الساسانيين ولكن كانت إحدى زوجاته حاملاً فأوصى بالملك من بعده للحمل الذي في بطنها، فولدت غلاماً هو سابور الملقب بذي الأكتاف. وبايعته الفرس حين ولادته ولايزال صغيراً، فاختلت شأن الامبراطورية الساسانية إلى حين وطمع فيها من جاورها، فاستغل امرؤ القيس تلك الفرصة وأخذ يعمل على إنشاء الدولة العربية التي كان يحلم بها. ولما دانت له القبائل العربية أوعز إلى عبدالقيس ومن يسكن البحرين من قبائل العرب بمهاجمة سواحل فارس فعبروا الخليج بسفنهم، وقد ذكر الطبري غزو البحرين لفارس: «وكانت بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس وكانوا من أحوج الأمم إلى تناول شيء من معايشهم وبلادهم لسوء حالهم وشظف عيشهم فسار جمع عظيم منهم في البحر من ناحية بلاد عبدالقيس والبحرين وكاظمة حتى أناخوا على أبر شهر وسواحل أردشير خرة وأسياف فارس وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم وأكثروا الفساد في تلك البلاد فمكثوا على ذلك من أمرهم حينا لا يغزوهم أحد من الفرس لعقدهم تاج الملك على طفل من الأطفال» (الطبري، دار الكتب العلمية، 1407هجرية: ج1 ص399)


حملة سابور ذي الأكتاف

ولما ترعرع سابور ذو الأكتاف وبلغ من العمر 16 سنة تولى أمور مملكته فبادر إلى إصلاح أوضاعها الداخلية بسرعة، ثم تطلع إلى استرجاع حدود إمبراطورية أسلافه، ولهذا شرع بتوجيه جيوشه ضد العرب أولاً فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم ألا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم، ويصف لنا الطبري ذلك حيث يقول:

«ثم سار بهم فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب... وقتل منهم أبرح القتل وأسر أعنف الأسر وهرب بقيتهم ثم قطع البحر في أصحابه فورد الخط واستقرى بلاد البحرين يقتل أهلها ولا يقبل فداء ولا يعرج على غنيمة ثم مضى عليه وجهه فورد هجر وبها ناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبدالقيس فأفشى فيهم القتل وسفك فيهم من الدماء سفكاً سالت كسيل المطر حتى كان الهارب منهم يرى أنه لن ينجيه منه غار في جبل ولا جزيرة في بحر، ثم عطف إلى بلاد عبدالقيس فأباد أهلها إلا من هرب منهم فلحق بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتلة ولم يمر بماء من مياه العرب إلا غوره ولا جب من جبابهم إلا طمه ثم أتى اليمامة فقتل من وجد هنالك من العرب وأسر ثم عطف نحو بلاد بكر وتغلب فيما بين مملكة فارس ومناظر الروم بأرض الشام فقتل من وجد بها من العرب وسبى وطم مياههم وأنه أسكن من بني تغلب من البحرين دارين - واسمها هيج - والخط ومن كان من عبدالقيس وطوائف من بنى تميم هجر ومن كان من بكر بن وائل كومان وهم الذين يدعون بكر أبان....» (الطبري، دار الكتب العلمية، 1407 هجرية: ج1 ص399).

وقد تمكن سابور أيضا من هزيمة أمرؤ القيس واثر تلك الهزيمة التحق امرؤ القيس إلى دولة الروم في الشام وعلى رأسها قسطنطين الكبير الذي تحالف معه فأسكنه حوران على أطراف مملكته وبعد أن مات امرؤ القيس في الشام دفن على حدودها في النمارة، حيث يوجد قبره الذي ذكر في الفصل السابق. ويحدثنا المؤرخون بأنه بعد أن يئس أبناء امرئ القيس من مناصرة الروم لهم عادوا بزعامة عمرو بن امرئ القيس وذلك لان الفرس اتصلوا بهم ليحاربوا معهم ضد الروم وقد تولى عمرو بن امرئ القيس الحكم الحيرة وذلك بين الأعوام (328م - 358م) (Kitchen 1994، p. 251).


سابور وإعادة توزيع القبائل العربية

في النص المذكور سابقاً عن الطبري يلاحظ أن سابور قام بإعادة توزيع بعض القبائل في منطقة البحرين:

«وأنه أسكن من بني تغلب من البحرين دارين - واسمها هيج – والخط».

وقد قام كل من بيوكامب وروبين بإدخال تعديل على نص الطبري هذا بحيث أصبح النص يقرأ «من البحرين دارين وسماهيج والخط» وذلك أن هيج غير معروفة إطلاقاً (Beaucamp et Robin 1983). وفي حال تم قبول هذا التعديل فعندها يكون عندنا دليل على سيطرة الساسانيين على جزر البحرين والتصرف بها. ليس هذا وحسب بل ويبدو أن الساسانيين استخدموا جزر البحرين كبوتقة صهر أو اندماج عرقي. والمرجح أن إقليم البحرين بعد هجمة سابور ذو الأكتاف أصبح خاضعاً لنفوذ اللخميين الذين عادوا ليصبحوا تابعين للامبراطورية الساسانية، ولم يكن حكم الأخير على البحرين حكماً مباشراً إلا في بعض الفترات. وهكذا أصبح حكم اللخميين خاضعاً أيضا لسلطان الفرس ونفوذهم الذي كان يشتد حيناً ويضعف حينا آخر قياساً لشخصية الملوك من الطرفين، أو لقرب وبعد أي إقليم من عاصمتهم.

أما قبيلة عبدالقيس في البحرين فيبدو أنها لم ترضَ دائماً أن تكون تابعة لسلطات سياسية خارجية وقد قادت سلسلة من المعارضات والتمردات ضد السلطات السياسية وكذلك الدينية وهذا ما سنوضحه في الفصل القادم.

العدد 2974 - الأربعاء 27 أكتوبر 2010م الموافق 19 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً