العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ

السياحة: إحدى المزايا العملية للتسوية الإسرائيلية الفلسطينية

مارك غوبن - أستاذ بمنصب جيمس لاو في حل النزاعات بجامعة جورج ميسون، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غ 

29 أكتوبر 2010

أنتج تعثر عملية السلام الأخيرة بين إسرائيل وفلسطين، وانتهاء تجميد البناء في المستوطنات الذي أدى إلى نهاية عملية السلام تلك، أنتج مرة أخرى تثاؤبة صاخبة على الصعيد العالمي. هل هناك من جديد في هذا النزاع اللامتناهي؟ لا يمكن للمفاوضات أن تنجح دون وجود رؤية، ولا توجد رؤية مشتركة بشكل واسع للسلام بين هؤلاء الناس، يمكنها أن تحث السياسيين بحق إلى الأمام.

أصعب جزء في عملية بناء السلام للمستقبل هو تخليص أنفسنا من جروح الماضي التي تخلق سلوكاً وحشياً في الحاضر. قد يكون واحد من السبل إلى الأمام تعليق التشاؤم للحظة واحدة فقط، لتحرير العقل لبناء عالم من الاحتمالات العملية في حال تم تحقيق السلام. قد يصبح من السهل، إذا تسلّحنا بهذا التمرين الذهني أن نمارس نشاط التأثير من أجل أساليب إيجابية إلى الأمام.

لنتخيّل ما يلي: الإعلان رسمياً عن إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، حيث القدس الغربية هي عاصمة إسرائيل، ونظام مدني مشترك لمسافة ربع الميل من الحوض المقدس في المدينة القديمة من القدس، واللاجئين الفلسطينيين وقد حصلوا على جنسية وتم تعويضهم في بلدان مختلفة بما فيها فلسطين نفسها وعلاقات طبيعية أو مطبّعة بين جميع الدول العربية وإسرائيل.

أول ما يلوح في الذهن انفجار من السياحة الدينية، والمغامرة إلى ما وراء الحدود إلى أراضٍ ساحرة ممنوعة، وأماكن لم يرها سوى الأجداد بعيونهم. سوف ينطبق ذلك على اليهود والمسيحيين والمسلمين، ولكن بالذات على العائلات في الشرق الأوسط، الفلسطينية واليهودية، الممزقة نتيجة عقود من النزاع. أما من بقية العالم فسوف تكون هناك حملات حج مسلمة إلى أقدس وأقدم الأماكن في سورية والعراق وإسرائيل وفلسطين ودول كثيرة غيرها. سوف يحج اليهود العرب من العديد من الدول العربية الاثنتين وعشرين في الاتجاه المعاكس. سوف يزورون مقابر أجدادهم ومواقع قديسيهم وأنبيائهم، ومئات القرى التي ما زالت موجودة ووراءهم عائلاتهم الضخمة الإسرائيلية والفرنسية واليهودية الأميركية.

سوف توفّر عشرات الشركات طرقاً للمسلمين ليسافروا من أماكن بعيدة مثل ماليزيا والصين إلى القدس ومنها إلى مكة، في أعقاب نبيهم، وسوف تتخصص شركات أخرى برحلات يهودية عبر المنطقة. سوف تتضاعف الطرق السريعة والقطارات والفنادق بشكل درامي على الطرق بين القاهرة وغزة والقدس وحيفا ودمشق.

السياحة هي الصناعة الأكثر ديمقراطية بين الصناعات التي تنتج الثروة، وسوف يتم إيجاد ملايين فرص العمل عبر كافة المجتمعات الدينية، الأقليات والغالبيات على حد سواء.

بوجود الهويات اليهودية والفلسطينية تقف على أسس أكثر أمناً، سوف تكون عملية البحث عن آثار الشرق الأوسط القديمة تحت الأرض أقل تسييساً وسوف تصل إلى مستويات جديدة أكثر ذكاءً وقدرة من التعاون في الأراضي المقدسة؛ ما يؤدي إلى توسّع هائل في بحوث الآثار والبحوث الأكاديمية؛ ما يُترجَم كذلك إلى المزيد من فرص العمل.

سوف تظهر شراكات الأعمال، الموجودة ولكن بالسّر، إلى العَلَن بين ليلة وضحاها بين دول الخليج والإسرائيليين وبين شركات إسرائيل ذات التقنية العالمية وسكان الشرق الأوسط الشباب الذين يتوقون إلى العمل. سوف تعيد جميع هذه المجتمعات اكتشاف تقاليد لم يجرِ قمعها سوى مؤخراً للعرب اليهود والمسيحيين والمسلمين، يتاجرون ويعملون معاً عبر دول الشرق الأوسط منذ قرون عديدة.

إليكم مثالاً على أنماط التعاون التي ستظهر: أنا مؤسِّس مشارك لمؤسسة اجتماعية فلسطينية يهودية اسمها «مبادرة الشرق الأوسط للعدالة والتنمية» (MEJDI). نحن رواد في تنظيم رحلات وحلقات دراسية أكاديمية إلى الشرق الأوسط وما وراءه، حيث نتخصص في رعاية أعمال صغيرة ولنا سمعة بدفع رواتب عادلة. كذلك يجري إعادة استثمار الأرباح في المحاضرات والمرشدين السياحيين الذين يملكون سمعة جيدة كناشطين من أجل التغيير الاجتماعي الإيجابي.

هذا مجرد مثال صغير على تلاقي تمكين مؤسسات الأعمال الصغيرة والتغيير الاجتماعي الذي يعبر خطوط العداء. إلا أن الاهتمام الجاد بالأجور العادلة والعدالة الاجتماعية يجب أن يبدأ الآن، ويجب تقديم الدعم المالي لناشطي التغيير الاجتماعي الآن كنموذج للمستقبل.

توفّر المخيّلة عملية استكشاف لما يمكن أن يكون، ولكن ذلك ليس السبيل إلى هناك. يتطلب السبيل تقدماً خطوة بخطوة من أجل بناء الثقة وأساليب لإقناع المزيد من هؤلاء الناس الجرحى بالتواصل مع الجار، وبالتالي لإيصال سياسييهم إلى مفاوضات صادقة، وليس إلى ألعاب شيطانية.

قامت أجيال من العرب والمسلمين واليهود والمسيحيين فعلاً ببناء علاقات مزدهرة، حتى عبر القرون. لقد حان الوقت لاستعادة إرثهم. مفتاح المستقبل هو المخيّلة بضمير. وقتها تصبح جميع العوائق أصغر حجماً.

العدد 2976 - الجمعة 29 أكتوبر 2010م الموافق 21 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً